يواجه البيروفيون مهمّة اختيار "أهون الشرّين" بين اليمينية الشعبوية كيكو فوجيموري واليساري الوحدوي المتشدد بيدرو كاستيو في انتخابات الرئاسة المقررة غداً الأحد.
ووصلت فوجيموري (46 عاماً)، التي طاولتها فضيحة فساد، إلى الجولة الثانية في ثالث انتخابات على التوالي، بينما تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تساوي فرصها مع أستاذ المدرسة كاستيو. لكن 18 في المئة من الناخبين لم يحسموا أمرهم بعد في الاختيار بين المرشّحين المتناقضين تماماً.
وقالت خبيرة العلوم السياسية البيروفية جيسيكا سميث لـ"فرانس برس": "بالنسبة لغالبية السكان، يتعلّق الأمر أكثر بانتخاب أهون الشرّين"، مضيفة أن الصراع هو بين "المناهضين للفوجيمورية" و"المناهضين للشيوعية". وبالتالي، سيختار البيروفيون بين النيوليبرالية التي تمثلها فوجيموري والاشتراكية التي يمثلها كاستيو، أي بين بقاء الوضع الراهن والتغيير.
وتستمد فوجيموري الدعم من العاصمة ليما، بينما تُعدّ المناطق الريفية الداخلية معقل كاستيو. وانطلق السجال بين المعسكرين الأحد الماضي، مع اتّهام فوجيموري خصمها اليساري بإثارة العنف خلال الحملة الانتخابية، بينما رد كاستيو بالإشارة إلى أن الفساد "مرادف للفوجيمورية" في البيرو.
وحاول معارضو كاستيو ربطه بالجناح السياسي لمتمردي جماعة "الدرب المضيء" الماوية، التي هزمها ألبيرتو، والد فوجيموري، عندما تولى الرئاسة من العام 1990 حتى 2000. لكن المرشح الوحدوي يشدد على أنه ينتمي في الواقع إلى "دوريات الفلاحين" التي قاومت المجموعات الشيوعية المقاتلة.
وهزّت مجزرة ارتكبها مسلحون يعتقد بأنهم من فلول جماعة "الدرب المضيء" وقتل فيها 16 شخصاً، الشهر الماضي، الحملة الانتخابية.
وقالت سيدة الأعمال سيسيليا يب (52 عاماً) لـ"فرانس برس": "لا نريد أن تكون البلاد في قبضة شيوعي". وتشدد فوجيموري على أن انتصار كاستيو سيحوّل البيرو إلى بلد أشبه بكوريا الشمالية وفنزويلا.
ومع أن كاستيو (51 عاماً) ينفي أنه شيوعي، إلا أن برنامجه السياسي يبدو راديكالياً بالنسبة للبعض.
ضرائب على الأرباح الزائدة
وتعهّد بتأميم قطاعات التعدين والمحروقات والاتصالات، وفرض إصلاحات ضريبية على العائدات يعتبرها "ضرورية للغاية" للتعامل مع عدم المساواة في توزيع الثراء. ويذكر أن البيرو منتج أساسي للنحاس والذهب والفضة والرصاص والزنك، إذ يساهم التعدين بنسبة 10 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي للبلاد وخمس ضرائب الشركات.
ومع بلوغ أسعار النحاس مستويات قياسية وصلت إلى أكثر من 10 آلاف دولار للطن الشهر الماضي، يريد كاستيو أن تستفيد الدولة من جزء أكبر من هذه الأرباح بدلاً من الشركات الخاصة. ويقترح بالتالي "ضريبة جديدة على الأرباح الزائدة، وإلغاء الإعفاءات الضريبية والعائدات بناء على المبيعات". لكن كاستيو يصر على أنه لا يسعى إلى إلغاء الشركات الخاصة أو الاستثمارات الأجنبية.
وقال: "ستعزز الدولة دورها التنظيمي في إطار نهج اقتصادي مختلط"، مضيفاً أنه "سيتم تنظيم الاحتكارات والأوليغارشيات بشكل نشط أكثر".
في المقابل، شددت فوجيموري على "إيمانها الراسخ في أن النشاط الخاص يُعدّ محرك الاقتصاد البيروفي والوظائف". وتعهّدت بخفض الضرائب للمساعدة على إعادة تحريك الاقتصاد المتضرر بشدة جرّاء كوفيد 19، وخلق ثلاثة ملايين فرصة عمل ورفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات التقاعدية. لكن نظراً إلى أن خططها، على غرار خطط خصمها، تتطلب زيادة الإنفاق العام، اعتبر العديد من خبراء الاقتصاد أن سياساتها "شعبوية".
دستور "تشوبه عيوب"
ومن بين تعهّدات كاستيو الأساسية استبدال الدستور الذي أقر عام 1993 في عهد والد منافسته ألبيرتو فوجيموري. وقال كاستيو إن الدستور الحالي "تشوبه عيوب، وهو ثمرة انقلاب ويمنح أولوية للمصالح الخاصة على المصالح العامة". لكن فوجيموري دافعت عن الدستور الذي تشير إلى أنه "أنقذ البلاد من الفقر والفوضى الناجمين عن نموذج الدولة الريعية".
ويقضي ألبيرتو فوجيموري حكماً بالسجن مدة 25 عاماً لإدانته بالفساد وارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وتصرّ كيكو على براءة والدها، فيما أكدت أنها ستصدر عفواً عنه حال انتخابها. لكن المرشحة نفسها كانت عرضة لاتهامات بالفساد وقضت 16 شهراً قيد الاعتقال ما قبل المحاكمة.
ويرى عالم الإنسانيات برناردو كاثيريس (59 عاماً) أن "كيكو العدو الأسوأ للديمقراطية، إذ إنها تدافع عن ماضٍ استبدادي شهد انتهاكات". لكن المرشحين متشابهان بعض الشيء في مواقفهما من قضايا اجتماعية، إذ إنهما مناهضان للإجهاض ومدافعان عن القيم العائلية التقليدية، وأعربا عن معارضتهما لحقوق المثليين.
وسيتعيّن على الفائز في الانتخابات التعامل مع تداعيات وباء كوفيد-19 الذي أصاب 1,9 مليون شخص في البيرو وأودى بـ180 ألفاً. وكشفت عملية إعادة حساب جرت أخيراً أن معدل الوفيات جراء الوباء في البيرو كان الأسوأ عالمياً.
وخسر مليونا بيروفي وظائفهم، بينما دخل ثلاثة ملايين في الفقر خلال الوباء، ما يعني أن ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 33 مليوناً يعيشون في حالة فقر، بحسب أرقام رسمية. ويذكر أنه تم تسجيل 25 مليون ناخب للتصويت في الانتخابات، علماً أن الاقتراع إلزامي. ويتوقع صدور أولى النتائج عند الساعة 23:00 الأحد (04:00 بتوقيت غرينتش الاثنين).
(فرانس برس)