على نحو غير منظم، تعقد الوفود القضائية العراقية والإيرانية اجتماعات متباعدة، للبحث بشأن تطورات التحقيق بعملية اغتيال قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، رفقة نائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي"، أبو مهدي المهندس 3 يناير/ كانون الثاني 2020.
وتمت عملية الاغتيال بغارة أميركية بالقرب من مطار بغداد الدولي، وبرغم مرور ثلاث سنوات على الحادثة، إلا أن نتائج التحقيقات التي تبنتها بغداد وطهران لم تكتمل. وتبرر السلطات الإيرانية ذلك، بأن الولايات المتحدة ودول الغرب تضع العراقيل أمام التحقيق، فيما تشير إلى أن هناك أكثر من 60 متورطاً بالعملية التي يطلق عليها تسمية "جريمة المطار".
وأعلنت السلطة القضائية في إيران، الثلاثاء الماضي، أنها استكملت مع القضاء العراقي التحقيقات الأولية حول قضية اغتيال سليماني والمهندس و10 من مرافقيهم. كما أصدرت اللجنة القضائية المشتركة الإيرانية العراقية، في اليوم نفسه، بياناً إثر عقد اجتماعها الرابع من نوعه في طهران، أكدت فيه على ضرورة عدم ترك مرتكبي جريمة اغتيال "قادة النصر" دون عقاب.
مصادر قضائية عراقية: العراق قدّم جميع المعلومات التي يملكها
وأفاد مساعد رئيس السلطة القضائية وأمين لجنة حقوق الإنسان في إيران، كاظم غريب آبادي، الثلاثاء، بأن "الجولة الرابعة من المحادثات شهدت تبادلاً لقسم آخر من الوثائق والتقارير المعدة المترجمة والمتعلقة بهذه العملية الإرهابية، بين الجانبين وقد تقرر أن يستند إليها الجانبان في متابعتهما القضائية".
ولفت المسؤول الإيراني إلى أن عملية التحقيق الأولي حول بعض متهمي هذا الملف قد استكملت، مؤكداً عزم الجانبين على اتخاذ قرارات قضائية. كما أوضح أن اللجنة المشتركة قررت تبادل الوثائق والمعلومات التكميلية فيما يخص الملفات القضائية بين الجانبين، وتقرر استكمال عملية التحقيق وإصدار قرارات قضائية فيما يخص الملفات المطروحة في هذه العملية.
وأدرجت إيران 61 شخصية أميركية، في يوليو/ تموز الماضي، على قائمة العقوبات بينهم وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، فيما أعلنت لجنة التحقيق الإيرانية المكلفة بقضية سليماني، في 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن لائحة الاتهام في الجريمة باتت جاهزة تقريباً.
وفي العراق بقي المشهد غير واضح، لا سيما أن الفصائل المسلحة اتهمت في أكثر من مناسبة جهاز المخابرات العراقي، ورئيسه السابق، مصطفى الكاظمي، بالتعاون مع الولايات المتحدة. كما نشرت وسائل إعلام تابعة للمليشيات صوراً أظهرت عددا من ضباط الجهاز، وقالت إنهم "ساهموا في توفير المعلومات للأميركيين عن سليماني والمهندس"، وهددت بالقصاص منهم.
محاولة الاستفادة سياسياً من ملف اغتيال سليماني
وعلمت "العربي الجديد"، من مصادر قضائية عراقية، أن اللجنة القضائية الإيرانية لم تطرح أي معلومات جديدة خلال آخر الاجتماعات التي عقدت مع الجانب العراقي. ولفتت المصادر إلى أن اللجنة تحدثت بذات المعلومات التي تدين الولايات المتحدة، وتطرقت لأسماء عراقيين في بغداد وأربيل تعتقد أنهم شركاء سهّلوا عملية اغتيال سليماني والمهندس.
كما أشارت إلى أن "العراق قدّم جميع المعلومات التي يملكها، بخصوص الحادثة، مع التبرؤ من وجود أي تواطؤ من أي جهاز أمني أو استخباراتي". وشددت على أن بغداد تعتبر أن "العملية اختراق أميركي استخباري للحلقة الضيقة من سليماني والمهندس، لكن ملف التحقيق بات بمثابة استعراض سياسي داخل إيران وخارجها".
وأكدت المصادر أن "الإيرانيين لم يعودوا يبحثون ملف الاغتيال في سورية، رغم أن سليماني انطلق للعراق من مطار دمشق". وأوضحت أن "الحديث عن معرفة وقت ونوع الطائرة التي كانت تقله من دمشق واضح، والتداول حالياً محصور بالساحة العراقية". كما أشارت إلى أن "عمليات التدقيق بشأن المشتبه بهم انتهت منذ مدة، ولم يعد هناك أي إمكانية للوصول إلى معلومات جديدة، لكن إيران تسعى إلى الاستفادة من هذا الملف سياسياً".
ولفت عضو "الإطار التنسيقي"، معين الكاظمي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "جريمة المطار التي استهدفت قادة مهمين في الحرب ضد تنظيم داعش، باتت قضية دولية، وتجاوزاً على سيادة وحرمات دول". كما أكد النائب في البرلمان العراقي أن "التحقيق بها يحتاج إلى وقت قد يكون طويلا".
ورأى الكاظمي أن "التحقيقات أثبتت تورط جهات سورية وعراقية وإسرائيلية وأخرى عربية من الخليج، وهذا موثق لدى اللجان التحقيقية العراقية والإيرانية والسورية". كما أشار إلى أن "التحقيقات كشفت عن وجود عملاء في سورية والعراق كانوا متعاونين مع الأميركيين، وللأسف بعض هؤلاء العملاء هم موظفون في أجهزة أمنية".
ولفت إلى أن "لدى قادة المقاومة الإسلامية في العراق، معلومات كاملة عن شبكة التجسس التي ساندت الولايات المتحدة في خطة اغتيال سليماني والمهندس، لكن هناك إجراءات قانونية وقضائية بحاجة إلى ضبط وتهيئة، وسيحين موعد إعلان كل شيء، ومحاسبة المتورطين".
نزار حيدر: إيران تبحث عن شركاء الولايات المتحدة في العراق وسورية
في هذه الأثناء، أحيا كبار المسؤولين العراقيين، في5 يناير الحالي، بحفلٍ رسمي، الذكرى الثالثة لحادثة الاغتيال، بحضور رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، إلى جانب العديد من الوزراء والمسؤولين العراقيين.
ووصف رشيد العملية بأنها "جريمة ويجب أن تبقى موضعاً للرفض والاستنكار". من ناحيته، اعتبر السوداني خلال كلمته أن هذه العملية "اعتداء صارخ على العراق، ومدانة بجميع القوانين الدولية، وكان يمكن أن تؤدي إلى تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة". كما قال زيدان إن "القضاء لن يتردد باتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من شارك بقتل سليماني والمهندس، بمن فيهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب".
اكتمال التحقيقات الإيرانية حول ملف اغتيال سليماني
بدوره، أشار المحلل السياسي العراقي المقيم في واشنطن، نزار حيدر، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "التحقيقات الإيرانية مكتملة، لأن القضية معروفة، وليس هناك حاجة لجمع الأدلة الكبيرة من أجل إدانة الولايات المتحدة، لا سيما أن الأخيرة اعترفت، بل افتخرت بهذه العملية".
كما لفت إلى أن "إيران تبحث عن شركاء الولايات المتحدة في العراق وسورية، وتحديداً الأشخاص الذين ساندوا القائمين على عملية اغتيال سليماني والمهندس". وأوضح أن طهران "تسعى للحصول على مكاسب سياسية من خلال استخدام هذا الملف لأغراض الابتزاز أثناء المفاوضات مع الولايات المتحدة، أو الدول ضمن التحالف الدولي".
وعقب عملية الاغتيال بأربعة أيام، أصدرت محكمة تحقيق الرصافة في بغداد مذكرة قبض بحق ترامب. كما شهدت الأشهر التي تلت الحادثة تعرض المصالح الأميركية في العراق، خصوصاً القواعد العسكرية، لهجمات بالصواريخ أو الطائرات المسيّرة، وتتهم واشنطن فصائل مسلحة عراقية مقربة من طهران بالمسؤولية عن تلك الهجمات.