منذ أن سيطرت حركة "طالبان" على كابول منتصف الشهر الماضي، ظلت تؤكد على أنها ستشكل حكومة شاملة، وأجرت مشاورات مكثفة مع مختلف الأطياف، في سلوك أوحى بأن الحكومة القادمة لن تكون مقتصرة على قيادة الحركة فحسب.
لكن أولئك الذين عرفوا طبيعة الحركة وأيديولوجيتها وأدركوا حجم وجودها على الأرض، وتحديداً بعد السيطرة على ولاية بانشير، كانوا يتوقعون أن تكون الحكومة القادمة مقتصرة على قيادة "طالبان"، وبأنها ستضم قيادات الحركة من مختلف مناطق البلد، وهو ما حصل فعلاً.
وتمثلت المشكلة الأساسية في التباين في تفسير الحكومة الشاملة، فبينما كانت الأحزاب الجهادية ترى أن الحكومة الشاملة تعني أنها شاملة لطالبان وغيرها، يبدو أنه كان لدى للحركة تفسير آخر، وهو أن تكون حكومة طالبانية شاملة لقيادات من مختلف العرقيات والإثنيات.
وكان للعرقية البشتونية نصيب كبير في التعيينات، إذا جاء منها رئيس الوزراء الملا حسن أخوند، ونائبه الملا عبد الغني برادر، بالإضافة إلى الوزارات السيادية الأخرى مثل وزير الدفاع ووزير الداخلية والمالية ومحافظ البنك المركزي وغيرها.
ولم تضم الحكومة بعض الإثنيات، مثل الهزاره، الأقلية الشيعية، وحين سأل أحد الصحافيين الناطق باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، وهو نائب وزير الثقافة والإعلام في حكومة تصريف الأعمال حول هذا السلوك، قال إن "الأمر ليس كما تظنون، وإن الحركة لم توزع الحقائب الوزارية على أساس العرقيات والإثنيات، بل لاعتبارات أهم من ذلك، منها مقاومة الاحتلال".
وجاء أغلب وزراء حكومة "طالبان" من رجال الدين، فيما غاب التكنوقراط حتى في المناصب التي تحتاج إلى كفاءات علمية وتقنية، كوزارة المخابرات والاقتصاد ومنصب محافظ البنك المركزي وغيرها.
وفي نفس اليوم الذي أُعلن فيها تشكيل حكومة أغلب وزرائها من رجال الدين، أثارت تصريحات وزير التعليم العالي في "طالبان" الشيخ عبد الحق حقاني بشأن التخصصات والدارسين في الجامعات العلمية، حفيظة الشباب والمثقفين ورواد وسائل التواصل الاجتماعي.
وخلال مقارنته بين الدراسة في الجامعات العلمية والمدارس الدينية، قال حقاني، في خطاب له، إن العزة التي منحها الله لأهل المدارس الدينية في أفغانستان لم يحظ بها الدارسون في الجامعات العلمية من أصحاب الماجستير والشهادات العليا، وبالتالي إعلان الحكومة وتلك التصريحات تسببا معاً في إثارة حفيظة شريحة كبيرة من الشباب والمثقفين.
وكان من اللافت في تشكيلة حكومة "طالبان" غياب وزير الشؤون النسائية، إذ لم يشر إليها ذبيح الله مجاهد، لكن من المعلوم أن بعض الوزراء سينضمون لاحقاً إلى حكومة تصريف الأعمال.
وكانت الساحة الأفغانية قد شهدت خلال الأيام الماضية مظاهرات نسائية في كابول وفي بعض الولايات، مثل هرات في الغرب، وبلخ في الشمال، ونيمروز في الجنوب، طالبت "طالبان" بتغيير سياساتها إزاء المرأة، والسماح للنساء بالعمل في كافة المجالات.
كما باتت حرية المرأة من شروط الدول الغربية للاعتراف بحكومة "طالبان" المستقبلية، ولكن يبدو أن "طالبان" غير مستعدة في الوقت الحالي لقبول دور المرأة في جميع مجالات الحياة.
وكان من الملفت تهميش بعض الوجوه البارزة في الحركة، مثل الملا عبد القيوم ذاكر، رئيس اللجنة العسكرية في "طالبان" وهو بمثابة وزير الدفاع، وكان من يدير شؤون البلاد بعد سيطرة "طالبان" على كابول، وكذا إبراهيم صدر، القائد العسكري المخضرم، وكانت التكهنات الأولية تشير إلى احتمال تعيين ذاكر وزيرا للدفاع وصدر وزيرا للداخلية، وهما وجهان معروفان بعلاقاتهما غير الجيدة مع باكستان.
وبخلاف التوقعات، فإن شبكة حقاني، وهي الخط الموازي لطالبان، داخل الحركة، لم تحصل في الحكومة سوى على وزارتين؛ هما وزارة الداخلية، التي عُين فيها زعيم الشبكة المولوي سراج الدين حقاني، ووزارة المهاجرين، وعين فيها عمه المولوي خليل الرحمن حقاني، وحتى تولي حقاني لمنصب وزير الداخلية قوبل بتحفظات من بعض قيادات الحركة.
وبخصوص كونها حكومة تصريف أعمال، قال الأستاذ الجامعي والأكاديمي المقرب من "طالبان" فيض محمد زلاند، إن تشكيل "طالبان" لحكومة تصريف الأعمال مجرد مرحلة تمهيدية تسعى من خلالها الحركة إلى معرفة ردود أفعال الشعب الأفغاني وردود الأفعال الدولية، لافتاً إلى أنها ستشكل لاحقاً حكومة دائمة.