تتكشّف تباعاً العديد من العقبات والعراقيل التي تعترض التقارب الحاصل بين تركيا والنظام السوري بدعم من موسكو التي تسعى إلى وضع "خريطة طريق" لردم هوّة الخلافات بين أنقرة ودمشق، إلا أن التصريحات المتبادلة بين الطرفين تؤكد أن اتفاقاً ينهي القطيعة بين أنقرة ودمشق ربما يتأخر.
وفي هجوم غير متوقع، تحدث رئيس النظام السوري بشار الأسد في اجتماع جامعة الدول العربية على مستوى القادة، والذي عُقد أول من أمس الجمعة، في مدينة جدة السعودية، عمّا أسماه بـ"خطر الفكر العثماني التوسعي المطعّم بنكهة إخوانية منحرفة"، في إشارة واضحة منه إلى الجانب التركي.
في المقابل، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، أن بلاده ستحافظ على وجودها العسكري في الشمال السوري. ولم يستبعد الرئيس التركي، في مقابلة مع قناة "سي أن أن"، بدء مرحلة جديدة فيما أسماه كفاح تركيا ضد الإرهاب، في إشارة إلى "وحدات حماية الشعب" الكردية التي تشكل الثقل الرئيسي في "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وتسيطر على الشمال الشرقي من سورية، وهو ما تعتبره أنقرة تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
وتابع: "لدينا حدود (مع سورية) طولها أكثر من 900 كيلومتر، وثمة تهديد دائم من الإرهاب عبر هذه الحدود نحو بلدي، وإذا كنا نبقي على تواجد قواتنا هناك، فسببه الوحيد هو محاربة الإرهاب". وبشأن طلب الأسد انسحاب الجنود الأتراك من سورية، قال أردوغان: "لا نفكر في ذلك لأن التهديد الإرهابي متواصل".
خريطة طريق ببعد أمني بين تركيا والنظام
وكانت نبرة التصريحات الإعلامية العدائية بين النظام والجانب التركي قد هدأت في الآونة الأخيرة خلال العام الحالي، مع بدء مسار تقارب وانفتاح بينهما برعاية من الجانب الروسي.
وجرت في العاصمة الروسية موسكو اجتماعات عدة بين مسؤولين عسكريين وأمنيين من تركيا والنظام، برعاية روسية مهّدت لاجتماع على مستوى وزراء الخارجية في كل من: تركيا، روسيا، إيران، والنظام السوري في العاشر من شهر مايو/أيار الحالي. واتفق الوزراء على "تكليف نواب وزراء الخارجية بإعداد خريطة طريق لتطوير العلاقات بين تركيا وسورية، بالتنسيق مع وزارات الدفاع والاستخبارات للدول الأربع".
يعكس هجوم الأسد على أنقرة عمق الخلافات بين الطرفين
ويعد البعدان الأمني والعسكري في صدارة أي خريطة طريق يمكن أن توضع لفتح طريق التقارب بين دمشق وأنقرة التي تتحضر لجولة ثانية من الانتخابات الرئاسية أواخر الشهر الحالي، وعلى ضوء النتيجة ربما تتغير الكثير من المعطيات السياسية في مشهد هذا التقارب.
وكانت القطيعة بين أنقرة ودمشق بدأت أواخر عام 2011 مع اشتداد الحملة "الوحشية" التي شنّها النظام على السوريين المطالبين بالتغيير في بلادهم. ورفض النظام السوري التجاوب مع الجهود التركية لتطويق الأحداث في ذلك العام الذي شهد بدء موجات لجوء السوريين إلى تركيا، حتى بات عددهم في عام 2023 نحو 4 ملايين لاجئ، وهو ما شكل ضغطاً سياسياً على حكومة حزب "العدالة والتنمية" من جانب المعارضة التركية التي استخدمت ملف اللاجئين ورقة رئيسية في الانتخابات التركية التي جرت في الرابع عشر من الشهر الحالي.
عمق الخلافات وتشدّد النظام
ويعكس الهجوم الذي شنّه الأسد على الجانب التركي عمق الخلافات بين الجانبين، والتي ربما تعوّق المساعي الروسية لتحقيق تقارب بين دمشق وأنقرة بعد أكثر من عقد من القطيعة، إذ يضع الأسد الانسحاب التركي من الشمال السوري، مع التخلي عن فصائل المعارضة السورية في شمال سورية، شرطا للمضي في التقارب، وهو ما ترفضه أنقرة حتى اللحظة.
ويبدو أن التقارب العربي مع نظام الأسد أخيراً ربما يدفع النظام إلى التشدد أكثر في الشروط التي يضعها قبل الشروع في مفاوضات مع الجانب التركي.
التقارب العربي مع النظام ربما يدفعه إلى التشدد أكثر
ورأى المحلل السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التصريحات المتبادلة ما بين تركيا والنظام "محاولة لرفع السقف قبل البدء في التفاوض برعاية الجانب الروسي". وتابع: "كل طرف (النظام وتركيا) بحاجة للآخر، في العديد من القضايا، وأعتقد أن كل طرف سيقدم تنازلات، من قبيل انسحاب تركي جزئي أو تقييد الدعم المقدم لفصائل المعارضة".
وأعرب القربي عن اعتقاده بأن هذه التصريحات "لن توقف مسار التطبيع الحاصل بين تركيا والنظام، ولكن هذا التطبيع يحتاج إلى وقت في ظل تضارب المصالح، والشروط التي يضعها كل طرف. ورأى أن حديث الأسد أمام القمة العربية عن الخطر العثماني التوسعي "محاولة لالتقاط نقاط مشتركة بينه وبين بعض الدول العربية التي تعارض الوجود التركي في الشمال السوري".
ويُعدّ الشمال السوري غرب نهر الفرات، بدءاً من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، إلى منطقة جرابلس شمال شرقي حلب على ضفاف الفرات الغربية، منطقة نفوذ تركية. وفي شرق نهر الفرات، هناك منطقتا تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.
وأقامت الحكومة التركية خلال الأعوام الماضية العديد من القواعد العسكرية داخل الأراضي السورية، وتنشر آلاف الجنود خصوصاً في ريف إدلب منذ عام 2020 والذي شهد مواجهة عسكرية مباشرة بين الجيش التركي وقوات النظام التي قتلت في فبراير من ذلك العام عشرات الجنود الأتراك، وهو ما دفع الجيش التركي لشنّ حملة قصف أدّت إلى مقتل العشرات من هذه القوات والمليشيات التابعة لها.
وتدخّلت موسكو لإيقاف الحملة التركية، حيث توصل الطرفان إلى اتفاق في العاصمة الروسية موسكو في مارس/آذار 2020، يتضمن وقفاً لإطلاق النار لا يزال صامداً حتى اللحظة.
من جهته، رأى الباحث السياسي في مركز جسور للدراسات، رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الجانب التركي يدرك أن تقاربه مع النظام لن يفضي إلى نتائج". وتابع: "أنقرة تعلم أن النظام لن يتخلى أو يواجه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهو المطلب التركي، لأن النظام هو من دعم ودرّب حزب العمال الكردستاني".
وأشار حوراني إلى أن "انخراط تركيا في مسار التقارب مع النظام، هو تلبية للمطالب الروسية منها مقابل مصالح تحققها تركيا من روسيا"، مضيفاً أن "أنقرة بعد معركة 2020 شمال غرب سورية رفعت كثيراً من تدريب وتنظيم الفصائل، ما يعني أن ميزان القوى اليوم ليس في صالح النظام". وأعرب عن اعتقاده بأن الأسد "أراد من خلال حديثه في القمة عن الخطر العثماني، تذكير السعودية بمنافسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لها على زعامة العالم الإسلامي".