تطرح موافقة النظام السوري على إدخال المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، من دون إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي كما العادة، تساؤلات عن الدوافع وراءها، وقد يجد ذلك تفسيراً في تركيز وزير خارجية النظام فيصل المقداد، خلال اجتماع لجنة الاتصال الوزارية العربية الذي عُقد في القاهرة الثلاثاء الماضي، على مسألة دعم دمشق لتحصيل مشاريع "التعافي المبكر" ضمن المساعدات التي تقدّمها الأمم المتحدة.
وفي التجديد قبل الأخير لآلية تمديد المساعدات الأممية إلى سورية، أصرّت روسيا على تضمين مسألة "التعافي المبكر" ضمن القرار، والتي تشمل إعادة تأهيل البنى التحتية والمرافق المدمرة في سورية، والتي بمعظمها دمرها قصف النظام أو الروس في العديد من المحافظات.
وبحسب ما يشرح "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" على موقعه الإلكتروني، فإن مصطلح "الإنعاش المبكر" أو "التعافي المبكر"، هو مقاربة لمعالجة احتياجات التعافي التي تبرز خلال مرحلة الاستجابة الإنسانية لأي حالة طوارئ، من طريق استخدام الآليات الإنسانية التي تتوافق مع مبادئ التنمية.
أكد بيان لجنة الاتصال العربية ضرورة معالجة أزمة اللاجئين وتكثيف العمل مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة لتسريع تنفيذ مشاريع التعافي المبكر
ويسمح هذا النهج، بحسب البرنامج، للناس بالاستفادة من العمل الإنساني، لاغتنام الفرص الإنمائية وتطوير نوع من المقاومة، وإنشاء عملية مستدامة للتعافي من الأزمة. وبحسب البرنامج، فإن التعافي المبكر هو في الوقت ذاته أمران: مقاربة للاستجابة الإنسانية تُركز عبر التنسيق المعزّز على تقوية القدرة على التكيف وإعادة التأهيل وتعزيز القدرات، والمساهمة في حلّ المشاكل المزمنة التي فاقمت الأزمة، عوضاً عن زيادتها. كذلك فإن مبدأ التعافي المبكر من ناحية ثانية، هو حزمة من الأعمال المبرمجة المحددة لمساعدة الناس في الانتقال من الاعتماد على المساعدات الإنسانية إلى التنمية.
المقداد: التعافي المبكر لعودة اللاجئين
وخلال اجتماع القاهرة الوزاري، دعا المقداد الدول العربية للتعاون مع دمشق في موضوع عودة اللاجئين، والمساهمة في تنفيذ مشاريع "التعافي المبكر" الملحّة والمهمة للسوريين والعرب، بحسب قوله. وقال في كلمته إن "عودة اللاجئين تواجه صعوبات لأسباب تتعلق بالوضع الاقتصادي والإنساني الصعب الذي تسبّب به بشكل أساسي الإرهاب، ثم العقوبات والحصار الاقتصادي المفروض على سورية".
وتابع المقداد: "من المهم إعطاء موضوع عودة اللاجئين الذين هُجّروا من وطنهم بفعل الإرهاب الأولوية والاهتمام اللازمين، ولذلك نرى ضرورة أن يركز اجتماعنا اليوم على هذا الموضوع وما يرتبط به من تنفيذ مشاريع التعافي المبكر، كونه موضوعاً ملحّاً ويهم الجميع، ويُمكن العمل عليه بشكل مُشترك بما يدفع جهودنا للأمام، وفي هذا السياق، تأمل سورية من الدول العربية التعاون معها في هذا الموضوع".
وأضاف المقداد: "من الملاحظ أن الدول الغربية تعرقل أي توجه نحو تنفيذ مشاريع التعافي المبكر، وتعمل على تسييس هذا الموضوع، لذلك من المهم أن تتضافر الجهود العربية للدفع نحو تنفيذ هذه المشاريع، وتأمين التمويل اللازم لها، حيث سيسهم ذلك في تحسين الوضع الإنساني وفي عودة اللاجئين".
وأكد بيان لجنة الاتصال العربية "ضرورة معالجة أزمة اللاجئين بجميع تبعاتها على الشعب السوري وعلى الدول المستضيفة لهم، وأهمية تعزيز التعاون بين الحكومة السورية والدول المستضيفة للاجئين لتنظيم وتسهيل العودة الطوعية والآمنة للاجئين وإنهاء معاناتهم بالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة المعنية"، بالإضافة إلى "تكثيف العمل مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة لتسريع تنفيذ مشاريع التعافي المبكر، وتوسيع نطاق الأنشطة الإنسانية مع بناء الأسس اللازمة للتعافي".
وبات رئيس النظام السوري بشار الأسد ذاته، يربط عودة اللاجئين بتقديم دعم الأمم المتحدة لإعادة تأهيل البنى التحتية ضمن مشاريع التعافي المبكر. وفي يونيو/حزيران الماضي، استقبل الأسد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث في دمشق. حينها نقلت "رئاسة الجمهورية" عن الاجتماع، أنه تطرق إلى "حشد الجهود لدعم مشاريع التعافي المبكر المرتبطة بعودة اللاجئين السوريين ومتطلباتها، وإبقاء ملف اللاجئين في إطاره الإنساني والأخلاقي".
وحول طرح المقداد مسألة تلقي الدعم العربي لمشاريع "التعافي المبكر" خلال اجتماع القاهرة الوزاري، قال المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية جمال رشدي، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك الكثير من الغموض والتداخل الذي يكتنف عملية التعافي المبكر وربطها بعملية إعادة الإعمار، ومصطلح التعافي المبكر ظهر أساساً بعد كارثة زلزال فبراير/شباط الماضي، وذلك بسبب حاجة المجتمع الدولي لتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري بغضّ النظر عن الوضع السياسي".
ولفت رشدي إلى أن "المجتمع الدولي حاول إيجاد صيغ مختلفة لتقديم تلك المساعدات بغضّ النظر عن أي اعتبار سياسي نظراً لحجم الكارثة (الزلزال)، وفي حين أن الكارثة لم تميز بين مناطق تحت سيطرة الحكومة وأخرى تحت سيطرة المعارضة، كان أيضاً من الصعوبة التمييز بين ما يدخل في إطار المساعدة العاجلة أو التعافي المبكر، وبين ما يدخل في إطار إعادة الإعمار".
جمال رشدي: التعافي المبكر من آثار الزلزال، قد يتضمن بطبيعة الحال عمليات إعادة إعمار
وتابع أن "التعافي المبكر من آثار الزلزال، قد يتضمن بطبيعة الحال عمليات إعادة إعمار، كبناء المستشفيات والمدارس وغيرها من المرافق، وهذه العملية تدخل في إطار المساعدة العاجلة أيضاً لأنها تتعلق بمنظومة الحياة اليومية، وهنا يكمن التداخل".
وأضاف رشدي: "نحن نفهم موقف المجتمع الدولي، بأنه لا يريد الدخول في عملية إعادة إعمار كاملة قبل وجود تسوية سياسية جدية وشاملة، لكن البيان الذي صدر عن لجنة الاتصال الوزارية حاول أن يعكس الموقف العربي الذي يسعى أيضاً لتوفير أكبر قدر من المساعدات الإنسانية للشعب السوري، وفي الوقت نفسه، تحقيق تقدم في المسار السياسي، كما هو واضح في البيان أيضاً".
وشرح أن "المنهج العربي في ما يخص الحالة السورية أخيراً يكمن في أن يسير المساران، الإنساني والسياسي، في خطين متوازيين، ويضع بالاعتبار معاناة الشعب السوري وخطوة تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، ونعتقد أن البيان كان متوازنا بالمجمل في السعي لتحقيق تقدم في الجانب السياسي، ودعم الشعب السوري من منطلق إنساني".
وأشار رشدي إلى أن "فلسفة بيان عمّان (الأول من مايو/أيار الماضي) تقوم على خطوة مقابل خطوة، واجتراح حلول بشكل تدريجي لكل الملفات، وتعمل اللجنة الوزارية على هذا الأساس، لأنه لا يمكن تقديم حل سحري وفوري لأزمة بات عمرها 12 عاماً وتشهد العديد من التعقيدات".
سيف ذو حدّين
من جهته، رأى سامر ضيعي، المدير التنفيذي لـ"رابطة المحامين السوريين الأحرار"، وهي جهة حقوقية تنشط في مناطق سيطرة المعارضة، ومقرها مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا، أن "التعافي المبكر في سورية، سيف ذو حدين"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن "المطلوب من المجتمع الدولي واضح، يتمثل بحماية ومساعدة الأشخاص المتضررين من النزاعات، ومع ذلك، في وضع مثل سورية، تصبح هذه الرواية معقّدة بفضل تلاعب نظام الأسد، إذ يستفيد هذا النظام من الإغاثة الإنسانية من أجل مكاسبه الشخصية والسياسية، وهنا يظهر مصطلح "التعافي المبكر" الذي تم تصميمه للمساعدة السريعة للمجتمعات المتضررة من النزاعات".
سامر ضيعي: إدخال مشاريع التعافي المبكر من خلال نظام الأسد يشبه المغامرة في منطقة خطرة
واعتبر أن "هذه المرحلة تُشكل جسراً بين الأزمة الفورية والتعافي طويل الأمد، وهو يضع المراحل الأولية، ويشكل أساساً للإعمار الشامل الذي سيأتي لاحقاً".
واستدرك ضيعي قائلاً إنه "مع ذلك، فإن إدخال مشاريع التعافي المبكر من خلال نظام الأسد يشبه المغامرة في منطقة خطرة". وشرح أن "هذا النظام، الذي يشتهر بتوجهاته القمعية، يقدّم تحديات متعددة، من بينها الخطر المحتمل في توجيه الإغاثة الإنسانية لتعزيز هيكله الأمني وتقوية الفساد المتجذر". وحذّر من أن "التفاعل المباشر مع نظام الأسد في هذه المشاريع هو أمر خطير، إذ يمكن أن يتم تفسير هذه التفاعلات كموافقة على سلوك النظام".
وأضاف ضيعي: "علاوة على ذلك، ما زالت المؤشرات واضحة وقائمة بأن النظام قد يقوم بتخصيص المساعدات، ويعطي الأولوية لأجنداته على حساب الشعب المتضرر، إضافة إلى التشجيع الأكيد على الفساد الداخلي، وعرقلة عودة اللاجئين بأمان، والموافقة الضمنية على انتهاكات حقوق الإنسان، وأصبح من الواضح حجم التحديات والمخاطر".
وركّز ضيعي على "النقطة الأساسية"، والتي تطرح سؤالاً: "هل سيتلاعب نظام الأسد بمشاريع التعافي المبكر خلال عملية الإعمار؟". وأجاب: "تشهد السنوات الـ12 الماضية بأدلتها على ماذا فعل النظام، ومن المؤكد أن تكون المساعدات مائلة نحو أجندات النظام، وتضيع بسبب الفساد، وتساعده في فرض مزيد من السيطرة". وشدّد على "وجوب أن يمضي أصحاب المصلحة الدوليون قدماً بالعمل الإنساني، مع التأكد من أن التفاعل مع نظام الأسد لا يعزز بطريقة غير مباشرة من مكائده، بما يعرّض احتياجات الشعب السوري الحقيقية للخطر".