تركز السلطات السياسية والعسكرية في الجزائر خطابها في الفترة الأخيرة على مزيد من التحذير مما تعتبرها خططاً لمنظمات تخريبية للمساس بالأمن والاستقرار الداخلي وخلق حالة فوضى، بالتعاون مع من تصفهم السلطات بـ"الخبارجية" (العملاء) في الداخل، وباستخدام وسائط التواصل الاجتماعي والإنترنت.
وفي أحدث هذه التحذيرات، نبّه قائد الجيش الجزائري الفريق السعيد شنقريحة، أمس الأحد، خلال لقائه قيادات الدرك الوطني، من محاولات من وصفها بـ"المنظمات التخريبية التي تعمل على استغلال وسائل تكنولوجية متطورة لأغراض التجسس والتخريب، وتستهدف محاولة خلق حالات انسداد وفوضى في البلاد"، مثمّناً في السياق "النتائج المشجعة في مجال محاربة الجريمة الإلكترونية، وذلك من منطلق أن الفضاء السيبراني أصبح مسرحاً للجريمة المنظمة والهجمات ضد المواقع الحكومية".
ولفت إلى أنه "في هذا الإطار تحديداً، تقوم المنظمات التخريبية بوضع واستغلال وسائل تكنولوجية متطورة، تُعتبر كأسلحة خطيرة، لأغراض التجسس والتخريب، تستهدف خاصة الأنظمة المعلوماتية للقطاعات الوطنية الحساسة والحيوية، وهذا من أجل محاولة خلق حالات الانسداد والفوضى، والعمل على فكّ تلك الرابطة الوثيقة التي تجمع بين الشعب ومؤسساته".
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، قرّرت وزارة الدفاع الجزائرية للمرة الأولى إنشاء أول مركز خاص بأنظمة المعلومات والحرب الإلكترونية، لتحضير الجيش والأجهزة الأمنية للحروب في المستقبل والحروب الإلكترونية، وحرصت قيادة الجيش منذ عهد القائد الراحل الفريق أحمد قايد صالح على تطوير اهتمام الجيش الجزائري بهذا المجال الحيوي، وتحقيق مستويات أفضل من ناحية التطوير، والتجهيز، وتدريب وتكوين الطاقات.
وقبل شنقريحة، كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد تحدث في سلسلة حواراته التلفزيونية الأخيرة عن محاولات مستمرة لمنظمات وجماعات تعمل على زعزعة استقرار الجزائر، خصوصاً عبر بث الأخبار والمعلومات المغلوطة، والتشكيك في مؤسسات الدولة، واتهم بعض النشطاء والصحافيين بالعمل لصالحها، ووصفهم بأنهم " خبارجية"، وهو مصطلح دخل حديثاً القاموس السياسي في الجزائر، عندما أطلقه الرئيس تبون على الصحافي خالد درارني، واتهمه بالعمل كمخبر لصالح جهة أجنبية.
وتفسّر تصريحات قائد الجيش الأخيرة استمرار استنفار السلطات الجزائرية ضد من تصفها بالمنظمات التخريبية، والتي تقصد بها حركتين تنشطان في الخارج، حاولتا في السابق استغلال الفوضى السياسية التي كانت تشهدها البلاد للتمركز في الداخل، وهما حركة "رشاد" المقربة من الإسلاميين، وخاصة قيادات في "جبهة الإنقاذ" المحظورة (منذ عام 1992)، و"حركة انفصال منطقة القبائل" (الماك)، وقد سبق للسلطات أن قررت تصنيف الحركتين كتنظيمين إرهابيين منذ مايو/أيار 2021، حيث اتهمتها السلطات بالتورط في بعض الأحداث في الجزائر، على غرار حرائق منطقة القبائل في أغسطس/آب 2021.
ومنذ تلك الفترة، عملت السلطات الجزائرية على تفكيك الخلايا والمجموعات التي تتبع للتنظيمين، واعتقلت عدداً من الناشطين الموالين لها، وتمت إدانة عدد منهم بالسجن بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، والتي تتضمن إدانة المتورطين في قضايا تخص المساس بالأمن العام.
وقال المحلل السياسي جمال هديري لـ"العربي الجديد"، إن "السلطة في الجزائر ما زالت مستنفرة تجاه التنظيمات المعارضة والراديكالية، خصوصاً (رشاد) و(الماك)، وأيضاً بعض النشطاء الذين يستمرون في تسريب معلومات ووثائق عن مؤسسات الدولة، وهذا وضع كان يقلق السلطات والأجهزة الأمنية بصفة خاصة في الفترة السابقة، حيث ركزت الأجهزة بشكل خاص على تفكيك شبكات تضم موظفين حكوميين مدنيين وعسكريين، كانت تتعاون مع هؤلاء في الخارج، عبر تسريب الوثائق والمعلومات".
ولفت إلى أن "هناك أيضاً جبهة أخرى في السياق نفسه، تخص الحرب الإلكترونية التي تستهدف المؤسسات، كانت آخرها تعرض موقع وكالة الأنباء الرسمية إلى محاولة قرصنة، وهذه إحدى دوافع إقدام وزارة الدفاع على تعزيز قدرات الدفاع السيبراني في الجزائر".