تؤكد الجزائر أنها تواصل التحضير لعقد القمة العربية، المقررة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بعد تأجيل عمره ثلاث سنوات.
وتقول السلطات الجزائرية إنها استكملت كافة الترتيبات اللوجستية، تزامناً مع استعداد الرئاسة الجزائرية لإرسال موفدين خاصين إلى رؤساء وملوك الدول العربية، بداية أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لتسليمهم دعوات رسمية لحضور القمة.
وفيما تحدث دبلوماسيون عرب، في القاهرة، في أحاديث منفصلة لـ"العربي الجديد"، عن أن هناك اتجاهاً لتأجيل جديد للقمة نظراً للأوضاع السياسية الراهنة بين بعض الحكومات العربية"، يؤكد دبلوماسي رفيع في وزارة الخارجية الجزائرية بأن الجزائر "لا تلقي اهتماماً بالأقاويل".
وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أعلن، في مؤتمر صحافي عقب اجتماع مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية في دورته الـ157 بالقاهرة، في 9 مارس/ آذار الماضي، أن وزراء الخارجية العرب وافقوا بالإجماع على عقد القمة العربية، على مستوى الرؤساء، في الجزائر في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
لدى الجزائر عدة تأكيدات من رؤساء وملوك عرب بالمشاركة شخصياً في القمة
وأكد المصدر في وزارة الخارجية الجزائرية، لـ"العربي الجديد"، أن "تحضيرات القمة تجري بشكل طبيعي ونسق جيد". وأضاف: "هناك تنسيق رفيع مع الأمانة العامة للجامعة العربية، والأمين العام أحمد أبو الغيط كان قد زار الجزائر قبل فترة قصيرة، واطلع على كل التحضيرات اللوجستية المتعلقة بالقمة، وعبر عن سعادته بما تتوفر عليه الجزائر من منشآت رفيعة تليق بمستوى القمة والرؤساء والملوك العرب".
تأكيدات للجزائر بمشاركة رؤساء وملوك بالقمة
وأشار المصدر إلى أن "الجزائر لديها عدة تأكيدات من رؤساء وملوك عرب بالحضور شخصياً إلى الجزائر، بالنظر الى أهمية القمة وتوقيتها في علاقة بالراهن العربي، والحاجة الى هذا اللقاء لبحث القضايا العربية".
وبشأن المسألة السورية، جدد المصدر التأكيد على تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون الأخيرة، والتي قال فيها إن بقاء سورية خارج المجموعة العربية لم يعد مقبولاً ولا مبرراً، خصوصاً في ظل وجود تغير لافت في مواقف عديد الدول العربية إزاء العلاقات مع سورية.
وشدد على أن هناك تفهماً للموضوع، حتى من قبل السوريين أنفسهم، ما يعني أن الجزائر ستكون مرنة إزاء التوافق العربي حول الملف السوري، كما أن هناك آليات معروفة في العمل العربي المشترك تنظم هذا الأمر.
وتعليقاً على ما يثار حول القضايا الخلافية التي قد تطرح في سياق انعقاد القمة، قال المصدر في الخارجية الجزائرية: "في الغالب لا نلقي اهتماماً بهذه الأقاويل".
وأضاف أن "الشكوك التي تحاول بعض الأطراف إثارتها حول قمة الجزائر، معروف مصدرها بالنسبة للجميع، وهي ليست جديدة، ولا تخص القمة العربية، بل كل حدث تستضيفه الجزائر. كما أنه معروف غاياتها السياسية في الإبقاء على مزيد التشرذم العربي، وهدفها التشويش السياسي ليس إلا، كما أن هدفها ليس القمة، ولكن لأنها ستعقد في الجزائر".
تنسيق لضمان نجاح القمة
وشدد المصدر على أن التنسيق قائم بين الجزائر والأمانة العامة للجامعة العربية لضمان أعلى مستويات نجاح القمة المقبلة. في المقابل، قال دبلوماسي مسؤول بمقر الجامعة في القاهرة، لـ"العربي الجديد"، إنه "حتى الآن كل المؤشرات تقود نحو تأجيل جديد للقمة، بسبب مستوى التمثيل المقرر له أن يكون على مستوى الزعماء". وكان من المقرر أن تعقد القمة العربية على مستوى الزعماء خلال شهر مارس/آذار الماضي بالجزائر، إلا أنها أُرجئت بسبب وباء كورونا، على غرار نسختي 2020 و2021.
وبحسب الدبلوماسي العربي فإن "الإشارات التي وردت إلى الجزائر بشأن تمثيل عدد كبير من الدول الأعضاء، جعل القيادة الجزائرية تفكر في إعادة النظر بشأن انعقاد القمة، بعدما أظهرت المؤشرات الأولية غياب عدد من الزعماء العرب عن القمة، واكتفاءهم بإرسال مندوبين من رؤساء الوزارات ووزراء الخارجية".
وقال دبلوماسي عربي آخر، تحدث لـ"العربي الجديد"، إن "الاتجاه لتأجيل جديد للقمة العربية آخذ في التصاعد داخل دوائر صناعة القرار الجزائري أخيراً". ولفت إلى أن ذلك الاتجاه "لا يتوقف على ضعف التمثيل من جانب الدول العربية الأعضاء فقط، ولكن هناك أسباب أخرى، يأتي في صدارتها فشل تبون في إقناع مراكز الثقل داخل الجامعة بإنهاء تعليق مشاركة سورية"، على حد وصفه.
وكان الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي أكد، في تصريحات صحافية أخيراً، أنه "لا يوجد وقت محدد يمكن إعلانه عن عودة سورية للجامعة العربية، حيث إنه ليس أمراً بعيداً، ولكنه ليس قريباً أيضاً. فالأمر لم يحسم بعد، ولا يمكن تحديد إطار زمني له".
وأضاف الدبلوماسي العربي أن "جهود تبون لم تفلح في زحزحة موقف بعض القوى الرئيسية في الجامعة بشأن عودة دمشق، في الوقت الذي تتمسك فيه الجزائر، باعتبارها الدولة المضيفة، بدعوة سورية للقمة، وهو الأمر الذي تسبب في نقل عدد من الزعماء العرب المعارضين لتلك الخطوة، إشارات بعدم حضورهم".
وكشف الدبلوماسي العربي عن "رسالة جزائرية أخيراً للأمين العام للجامعة، مفادها أن حضور سورية خلال الدورة 31 شرط رئيس للجزائر لاستضافتها".
وقال إن "الجزائر ترى أن استمرار تعليق عضوية سورية بالجامعة أمر لم يعد مقبولاً ولا مفهوماً، خاصة بعد ما انفتحت حكومات خليجية على النظام السوري أخيراً، رغم تبنيها موقفاً عدائياً منه".
وضعت مصادر جزائرية التشكيك بانعقاد القمة العربية بموعدها في إطار التشويش السياسي
وكانت الجامعة العربية قد علقت عضوية سورية اعتباراً من نوفمبر/تشرين الثاني 2011، راهنة عودتها بالتزام النظام بتنفيذ تعهداته لحل الأزمة، وفقاً لخطة العمل العربية.
تباينات عربية بشأن عدد من القضايا
في المقابل، أكد دبلوماسي عربي آخر أن "الحالة العربية برمتها لا تزال غير مؤهلة لعقد القمة، بسبب التباينات الواسعة بين الحكومات والزعماء العرب بشأن عدد من القضايا، ورغبة أكثر من طرف عربي وخليجي في فرض أنفسهم كقادة للمنظومة العربية، متجاهلين القوى العربية التاريخية". وأوضح أن هذا الأمر "يزعج الجزائر كثيراً، وهو ما يجعلها متمسكة بدعوة سورية خلال القمة المقبلة".
ويمثل غياب التوافق العربي عن طاولة الجامعة العربية، عقبة أساسية أمام القمة المؤجلة منذ 3 سنوات. ووفقاً للمصدر نفسه فإن "إدراك الجزائر، التي تتبنى موقفاً معارضاً للتطبيع مع إسرائيل، أن خروج بيان ختامي يدين إسرائيل بشكل واضح يفتح الباب أمام موقف عربي حقيقي داعم للقضية الفلسطينية، يعزز موقف أصحاب الاتجاه لتأجيل اجتماع الجامعة داخل أروقة صناعة القرار الجزائري".
وقال دبلوماسي مصري سابق إن هناك "أكثر من نقطة خلاف بين عدد من الدول العربية، منها أزمة الصحراء، والقضية الفلسطينية، وعودة سورية إلى مقعدها بالجامعة".
وأوضح أن "توتر العلاقات بين الجزائر والرباط، في ما يتعلق بأزمة الصحراء، وتوقيع الأخيرة اتفاقيات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، قد يشكلان عوائق أمام التئام القمة في موعدها". وأشار إلى أن "توقيع الرباط وتل أبيب على اتفاقية أمنية، في ظل توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب، يجعل الجزائر تشعر بالقلق والتهديد لأمنها القومي".