لاعتبارات كثيرة، سياسية وتاريخية واجتماعية وأمنية أيضاً بحكم الحدود، تقع تونس دائماً في دائرة الاهتمام الرسمي والشعبي في الجزائر، والانشغال الإعلامي بأية تطورات فيها. وإلى وقت قريب كان ثلاثة ملايين جزائري يزورون تونس للسياحة سنوياً. وتقريباً ظلت تونس، من أكثر دول الجوار التي لها علاقة هادئة مع الجزائر، وتكرّس في ظل ذلك معنى "الشقيقة الكبرى".
لم تكن السلطة السياسية في الجزائرية، قلقة من ثورة 2011، لأن الجزائر أكثر قدرة على خلق مستمر لأسباب إدامة علاقة هادئة ومتوازنة مع تونس مهما كانت طبيعة الحكم والأطراف الحاكمة، وأكثر إدراكاً بأنه مهما كان المدى الذي يمكن أن تخلقه هذه الثورة، فإنه لن يغيّر من قواعد العلاقة بحكم التاريخ ولن يتعسف على حكم الجغرافيا.
ولذلك كان تعامل الجزائر ذا نسق بغض النظر عمن تولى المنصب في رئاسة تونس سواء فؤاد المبزع أو المنصف المرزوقي أو الباجي قائد السبسي أو قيس سعيّد، وسواء أكانت الحكومات بمعنى حكومة ترويكا، أم الكفاءات، أم حكومة نداء تونس.
النقطة الوحيدة الطارئة في تونس، التي كان واضحاً أن الجزائر لم تكن تنظر لها بعين الرضى، هي توزع السلطة بين سلطات ثلاث في تونس، (الحكومة والرئاسة والبرلمان)، بغض النظر عن الدافع الديمقراطي لذلك في تونس منعاً للتغول. وهذا الموقف عبّر عنه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة صراحة خلال لقائه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بعد إقرار الدستور التونسي عام 2014.
وسواء كان هذا الموقف نابعاً من الخوف من غياب النظام المركزي والمخاطب الوحيد، ومن مخرجات تجربة ديمقراطية ناشئة في الجوار، أو تقديراً استباقياً نتيجة فهم لطبيعة الصراعات والمدخلات الخارجية، فإن مشهد الفوضى السياسية وعقم الديمقراطية التونسية في مخرجاتها الاقتصادية والاجتماعية، أعطى للتقديرات الجزائرية هامشاً من الواقعية.
منذ 25 يوليو/تموز 2021، زاد التركيز الجزائري على متابعة التطورات في تونس، والمآلات مهمة بالنسبة للجزائر لناحية الكثير من القضايا الحيوية والحساسة. تزامناً مع اندفاع جزائري برز في تلك الفترة نحو مراجعة الدور والتمركز بشكل أكبر في دول الطوق والجوار، وأيضاً لكون أن الصاعد الجديد إلى الحكم في تونس، أي سعيّد، غير معروف في مساراته وتصوراته السياسية، لكنه حقق لصانع القرار في الجزائر مطلباً أساسياً، يتعلق بالعودة إلى النظام المركزي في تونس، وهذا في جوانبه العديدة يخدم السلطة الجزائرية، ويحيد عنها عبء البحث عن إبرة التوازنات في تونس.
صحيح أن الجزائر فضلت البقاء ضمن محددات التعامل مع كيان الدولة في تونس، وتقديم كل مساعدة تستدعيها أية ظرفية كانت، وهو نسق لم يتغير لا قبل ولا بعد 2011، ولا قبل ولا بعد 2021، لكن القلق الجزائري بشأن الجوار التونسي لم ينته بعد، لسبب أن تونس أيضاً قد ترسب في الدرس الديمقراطي لكنها لن تعود إلى ما قبل 2011.