بات الإسلاميون يمثلون الضلع الرابع في البرلمان، بحصولهم على ربع المقاعد، بـ106 من مجموع 407 مقاعد، لكن هذه الحصيلة وبقدر ما تكرس الإسلاميين كقوة سياسية مركزية في الجزائر، إلا أنها في المقابل، وضعتهم في موقف صعب، حيال التصرف مع السلطة.
وضيقت هذه النتائج عليهم هامش المناورة كثيراً، بحيث لا تتيح لهم فرض اشتراطات سياسية على الرئيس عبد المجيد تبون للمشاركة في الحكومة، ولا التموضع في المعارضة لعدم توفر أية إمكانية لهم للاعتراض على الخيارات مستقبلاً.
ويضع الأمين العام السابق لحركة "النهضة"، فاتح ربيعي، لحصاد القوى الإسلامية في الاستحقاقات الانتخابية في الجزائر، سياقات سياسية وتاريخية ترتبط بتسقيف تضعه السلطة عبر ميكانيزمات متعددة لنتائجهم، بحيث لا يتم تمكينهم من الأغلبية أو مجموع مقاعد تتيح لهم التأثير في الخيارات والقرارات، خاصة أن البيئة السياسية وظروف الممارسة السياسية الراهنة لا تختلف عن العهد السابق.
وقال ربيعي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "لنتأمل حصة التيار الإسلامي من سنة 1997 إلى انتخابات 2021، سنجد أنها تزيد قليلاًَ أو تنقص عن 100 مقعد والأرقام لا تكذب".
وأضاف: "بعد انتخابات 91 الملغاة (اكتسحتها الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، وضعت السلطة كل الاحتياطات لبقاء التيار الإسلامي ضمن الحدود المسموح بها، ابتداء من إنشاء الثلث المعطل في مجلس الأمة، إلى قانون الأحزاب الذي أرغم الأحزاب الإسلامية على التكيف معه، إلى قانون الانتخابات وتمييع الساحة السياسية بالأحزاب الفتية والقوائم المستقلة، ناهيك عن دفع الشعب إلى الزهد في العمل الحزبي وتشويهه ومقاطعة الانتخابات".
وحصلت أحزاب التيار الإسلامي على مجموع 106 مقاعد، 64 منها لحركة "مجتمع السلم"، و40 مقعداً لحركة "البناء الوطني"، وهي حزب انشق من الحزب الأول ويتقاسم معه نفس المرجعية والحاضنة الشعبية.
وتمثل "البناء الوطني" تيار الإخوان، وحصلت جبهة "العدالة والتنمية" على مقعدين فقط، وهو ما يشكل انهياراً كبيرا لهذا التيار، الذي يقوده الشيخ عبد الله جاب الله، أحد مؤسسي التيار الإسلامي في السبعينيات في الجزائر.
وخرج حزب "النهضة"، وهو أول حزب أسسه جاب الله في التسعينيات قبل أن ينسحب منه عام 1999، خالي الوفاض بدون أي مقعد، كما لم تحصل حركة "الإصلاح الوطني" التي أسسها أيضا جاب الله قبل أن تنقلب عليه قياداتها عام 2003 على أي مقعد.
وبرز الارتياح الذي أبدته قيادات "مجتمع السلم" والبناء الوطني بشأن النتائج المحصلة في هذه الانتخابات، إذ وصفها رئيس حركة "مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري بأنها نجاح كبير للحركة وهزيمة لخصومها الذين كانوا ينتظرون خسارتها.
وبغض النظر عما إذا كان سبب هذه الحصيلة تلاعبا في النتائج من قبل السلطة، تذهب بعض القراءات السياسية إلى وصف حصيلة الإسلاميين بالمخيبة، بسبب انعكاسها المباشر على موقعهم في المشهد السياسي المقبل والحكومة ومدى تأثيرهم في البرلمان، إذا ما قورنت بالمجهود الدعائي المبذول من طرف قياداتهم وكوادرهم خلال الحملة الانتخابية، ومع مستوى توقعاتهم وفراغ نسبي للساحة من منافسيين سياسيين حقيقيين.
وقال الكاتب والمحلل السياسي عبد الحميد ميساوي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن حصاد "مجتمع السلم" مخيب نوعاً ما بعدما رفعوا سقف توقعاتهم إلى مستوى يتيح لهم دوراً مركزيا في تشكيل الحكومة المقبلة".
وأضاف: "في المقابل، أعتقد أن ما حصلت عليه حركة "البناء" أكثر من حجمها الحقيقي، ولا اعتقد أن نوابها الذين هم في الأصل غير مناضلين في الحركة سيكونون منضبطين بتوجهاتها أو أوفياء لقيادتها، ويمكن أن ينشقوا عنها في أي فترة".
وبحسب المتحدث، فإن مجموع حصيلة ما يسمى بالأحزاب الإسلامية يضعها في موقف صعب، لا يتيح لها المشاركة في القيادة السياسية للبلاد، ولا المعارضة، لكونها ستكون في هذه الحالة بدون تأثير، بدليل أن الخريطة البرلمانية التي أفرزتها النتائج، تسمح للسلطة بتشكيل تحالف من جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي وجبهة المستقبل وكتلة المستقلين، دونما الحاجة للإسلاميين.
وعلى ضوء هذه النتائج، يُثار سؤال عن الموقف والموقع الذي سيتخذه الإسلاميون، "مجتمع السلم" وحركة "البناء الوطني"، إزاء مسألة المشاركة في الحكومة، خاصة أن الرئيس تبون يملك أفضلية اختيار شركائه والاختيار بين الحزبين أو دعوتهما معاً للمشاركة في الحكومة.
وإذا كان موقف حركة "البناء" معروفا مسبقاً بدعمها للرئيس تبون وانخراطها منذ عام 2019 في المسارات السياسية للسلطة، حيث تقدم نفسها كوصي على "مدرسة المشاركة"، التي أرساها مؤسس تيار الإخوان في الجزائر محفوظ نحناح.
وبإعلان رئيس الحركة عبد القادر بن قرينة اليوم الخميس، في مؤتمر صحافي، أن يده ممدودة لكل القوى لتشكيل حكومة "كومندوس" سياسي، فإن حركة "مجتمع السلم" وهي الحزب الأبرز والأكثر تنظيما، تواجه وضعاً صعباً.
ولا تملك الحركة الرصيد الكافي من المقاعد لفرض اشتراطات كان أعلنها رئيس الحركة عبد الرزاق مقري للمشاركة في الحكومة، تقضي بإقامة شراكة حقيقية مع السلطة تتيح للحركة أن تكون طرفا في صياغة الخيارات السياسية والاقتصادية، خاصة أنها بنت خطاب حملتها الانتخابية على فكرة حكومة موسعة، كما أنه من غير الوارد أن تقبل بالعودة إلى ما قبل 2012، حيث كانت تشارك بصفة صورية في الحكومات (وليس في الحكم).
وعلى الرغم من ذلك، فإن حركة "مجتمع السلم" قد لا تملك خياراً آخر غير المشاركة في الحكومة تحت أي سقف بعنوان إنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية الخانقة، لكن عاملاً سياسيا آخر يضغط على الحركة في هذا الاتجاه، ويتعلق ببعد دولي مرتبط بتوجه الرئيس تبون نحو تعزيز العلاقات مع محور تركيا والدوحة على حساب المحور التقليدي الفرنسي الأوروبي، ورفض تبون لخيار التطبيع، وهي خيارات تجعل أي تمركز لـ"مجتمع السلم" في المعارضة الخيار الخطأ.