من الجيد أن يأخذ البعد الاقتصادي موقعه المركزي، في أجندة الزيارات المتتالية التي يقوم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى الدول الصديقة والشريكة في مسارات التنمية، والتي تربطها بالجزائر علاقات متينة ومسارات مشتركة واحترام متبادل. وبلا شك فإن هذه العلاقات تتأسس أولاً على قاعدة من الثقة السياسية، لكنها دوماً بحاجة إلى ما يعززها على صعيد التعاون الاقتصادي والفائدة المشتركة، ويضمن استدامتها عبر المصالح المتبادلة.
في غضون الثلاث سنوات الماضية، وخلال الزيارات الرئاسية السابقة، حصلت اتفاقات تسمح بتدفق الاستثمارات وتنفيذ مشاريع في قطاعات حيوية بالنسبة للجزائر، التي تطمح إلى الفكاك من اقتصاد المحروقات، خصوصاً في القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة والسياحة والنقل، وسواء بشراكات عربية أو غير عربية. غير أن جزءاً مهماً من هذه الاتفاقات لم يسر تنفيذه بالشكل المطلوب، لاعتبارات عرقلة داخلية، إذ اصطدم بعضها بمعوقات البيروقراطية، والتي اشتكى منها الرئيس تبون نفسه، في أكثر من مناسبة، ومن دورها السلبي في تعطيل المشاريع الاستثمارية، أو لأسباب أخرى تدخلت فيها عوامل لا صلة لها بالمعطى الاقتصادي.
ومهما كانت الأسباب لمثل هذه الحالة الجزائرية الملتبسة، والتي تتراوح بين الرغبة الجامحة في الشراكة والاستثمار الأجنبي، والخوف من استحقاقاته في آن واحد، فإن ذلك له علاقة بمصداقية القرار السياسي، ويؤسس لانطباع غير إيجابي عن الجزائر، لدى مجتمع المستثمرين ورجال المال والأعمال الأجانب. أما سوق الاستثمارات في الجزائر فيحتاج إلى مجهود سياسي كبير لتصحيح هذه الصورة، وبكثير من المرونة، وإزالة انطباع تشكل لعقود عن "الجزائر الصعبة".
العقل الأجنبي العامل في المجال الاقتصادي، العربي أو غير العربي، له تنشئة ليبرالية تحكمها حسابات الربح والخسارة، والوقت والجهد، بما فيه الصينيون الذين بات الاقتصاد حسابهم الأساس. وهذه التنشئة تختلف تماماً مع العقل الجزائري الذي لم يتخلص بعد من ثقافة الريع والنمط الاشتراكي في التسيير والتفكير، وهذه أكبر معضلة جزائرية. وعندما يقتطع شريك أجنبي، دولة كانت أو قطاعاً خاصاً، حصة مالية لتوجيهها إلى استثمار في الجزائر، فهو أيضاً معني بحساب الربح والخسارة والوقت والجهد، لذلك يصبح من غير المعقول سياسياً أن تستمر البيروقراطيات الإدارية أو الأمنية في الجزائر، في تحديد مصير المشاريع والخيارات.
في الواقع، لا يمكن إدارة السياسات الاقتصادية التي تتطلب مستوى عاليا من الوضوح والشفافية، عبر الهيئات التي تعمل بمستوى عالٍ من الارتباك، أو الأجهزة الغامضة في طبيعتها وأدواتها، فالأمران لا يلتقيان، وهذا يفرض الحد من مجال تدخلها إلا في حدود الضوابط المقررة لها. خلال افتتاح معرض الجزائر الدولي الشهر الماضي، قال تبون لمدير وكالة الاستثمار الجزائرية، عمر ركاش: "حذار من أن ينجحوا في دفعك إلى الفشل"، وهذا يعني أن الرئيس نفسه مدرك لهذه الحقيقة صلب القرار الاقتصادي، ويعني أن هناك مراجعة ضرورية يجب أن تتم.