استمع إلى الملخص
- قادة الأحزاب الجزائرية يتنافسون على من يوقع أولاً ويصور مشهد التوقيع، مما يعكس سوء تقدير سياسي ويستفز الناخبين.
- الأحزاب التي قدمت مرشحين مستقلين، مثل حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية، تستحق التقدير لتمسكها بهويتها السياسية وتمايزها عن التملق.
في عهد الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة كانت مظاهر التملق السياسي للسلطة والرئيس، التنافس بين المجموعات السياسية الموالية، قائمة على من يرفع أكثر الصورة الإطار للرئيس (تُعرف شعبياً بالكادر) ويأخذ صورة معه. في عهد الرئيس عبد المجيد تبون انتقل مظهر التملق إلى مستوى آخر، من يصعد سلم التملق أولاً ويأخذ، ومن يوقّع قبل غيره استمارة الاكتتاب لصالح الرئيس المرشح.
خلال الأسبوع الماضي، الأخير قبل انتهاء الآجال القانونية لتقديم الترشيحات، كان المشهد في الجزائر على هذا النحو: مجموعة من قادة الأحزاب السياسية من الأغلبية النيابية وغيرها، جبهة التحرير الوطني وحركة البناء الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل، وأحزاب أخرى فتية، تتنافس تحت أضواء كاميرات الصحافة على من يوقّع أولاً، ومن يصور مشهد التوقيع بكل تفاصيله أكثر من غيره، بل إن رئيس حزب آخر، صوت الشعب، انتقد هذا السلوك، لكنه زايد على رفاقه بأن عضواً قيادياً في حزبه سبقهم جميعاً ووقّع استمارة اكتتاب لصالح الرئيس تبون.
قد يبدو الأمر هامشياً، أو أنه نتاج لحظة انفلات عاطفي، في فترة انتخابية تشهد في الغالب مظاهر كرنفالية متداخلة، لكنه في الواقع سوء تقدير سياسي بالغ، يعبّر عن سياق من التدافع المحموم وغير مفهوم، نحو إعادة إنتاج مظاهر التملق السياسي نفسها التي رافقت العهد السابق، وهي سلوكيات استفزازية كان قد أدانها الرئيس تبون نفسه، وكرّر في أكثر من مناسبة رفضه له وتنصله منها، لكونها قد تعطي نتائج عكسية، وتخلّف بالتأكيد ردود فعل غير إيجابية لدى مجتمع الناخبين، لكونها تتصادم مع الحد الأدنى من الرزانة السياسية.
الأمر لا يتعلق بالموقف، مسألة دعم الرئيس من عدمه، لأن التحالف مع مرشح رئاسي أو غيره، خيار من الخيارات المشروعة لأي حزب سياسي، لكن لا يجب أن ينسى قادة الأحزاب الجزائرية أن الحراك الشعبي كان قبل خمس سنوات فقط، وأن المبالغة في مشهدية التملق السياسي كما هو قائم حالياً، أو كما سيبرز أكثر في الحملة الانتخابية الشهر المقبل، كان الأكثر استفزازاً للشعور العام وأبرز الأسباب التي فجرت الشارع، ودافعاً غذّى انفصال الشارع ورفضه للمؤسسة الحزبية، في اللحظة التي شعر فيها الجزائريون أن هذه الأحزاب (نفسها التي كانت تدعم بوتفليقة)، يمكنها تبرير كل خيار يصدر عن السلطة. لذلك لا تبدو الأحزاب الجزائرية قد قرأت الحراك الشعبي وملابساته على نحو صحيح، ومن الواضح أنها تعاملت معه حتى الآن على أنه مجرد تظاهرة.
إذا كان المشهد بهذه الصورة غير الإيجابية، فإن الأحزاب التي قررت المشاركة في الانتخابات الرئاسية وتقديم مرشح عنها، حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال (انسحبت مرشحته لويزة حنون احتجاجاً على إكراهات وضغوط بحسبها) وحزب التحالف الجمهوري، تكون جديرة بالتقدير السياسي أكثر من غيرها، لكونها احتفظت بهويتها السياسية، وفضّلت التمايز والتمسك برؤيتها المختلفة وتصوراتها لمعالجة الأزمات والمشكلات القائمة، وحافظت على طبيعتها كحزب صانع لبرنامج وفكرة وخطاب وموقف.