أجبرت عملية نقل السلطة في اليمن إلى مجلس قيادة رئاسي، أمس الخميس، الجنرال علي محسن الأحمر، على مغادرة المشهد اليمني بعد رحلة عسكرية وسياسية استمرت لأكثر من 5 عقود، دشنها في السلك العسكري كجندي مشاة، وختمها كنائب للقائد العام للقوات المسلحة ونائباً لرئيس الجمهورية.
وقبيل الإعلان عن نقل السلطة، أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، صباح الخميس، قراراً بإعفاء الفريق علي محسن الأحمر من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، نزولاً عند رغبة قوات التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، وكذلك بعض المكونات السياسية التي كانت تتهمه بأنه السبب في الانتكاسات التي تعرّض لها الجيش اليمني في المعركة ضد الحوثيين.
وعلى مدار أكثر من 5 عقود، وتحديداً منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، ظل الجنرال الأحمر مثاراً للجدل في المشهد العسكري اليمني، قبل أن ينتقل إلى الساحة السياسية عند تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية في إبريل/نيسان 2016 خلفاً للمهندس خالد محفوظ بحاح.
وتولى الأحمر زمام قيادة المعركة ضد الحوثيين في محافظات شمال اليمن منذ بداية الحرب، ودائماً ما كان يواجه انتقادات عقب كل انتكاسة تتعرض لها القوات الحكومية، ويتم اتهامه بالاحتفاظ بالأدوات والقيادات التقليدية في مؤسسة الجيش.
وعُرف الأحمر بأنه ظل الرئيس هادي خلال السنوات السبع الماضية، وقبل ذلك، كان الرجل البالغ من العمر 76 سنة، أحد أبرز رجالات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ويده اليمنى، نظراً للعلاقة الأسرية التي تربطهما كإخوة غير أشقاء.
ترحيب بتشكيل المجلس الرئاسي
كما كان متوقعاً، رحّب الأحمر، بإصدار الإعلان الرئاسي بنقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي والهيئات والفرق المصاحبة له، لاستكمال المرحلة الانتقالية، كما تمنى التوفيق لرئيس المجلس ونوابه ورئيس الحكومة ومن وصفهم بـ"رجالات المرحلة" في "إكمال مسيرة النضال حتى استعادة الدولة وإنقاذ الوطن من طموحات المشروع الإيراني التخريبي".
وقال الأحمر، في بيان وداعي نشره على حسابه الرسمي بموقع "تويتر"، مساء أمس الخميس "إنني أودع مرحلة حياةٍ من الالتزام والجندية في مؤسسة القوات المسلحة وفي رئاسة الجمهورية بدأت مع بدايات ثورة سبتمبر المجيدة، 1962م، وامتدت إلى اليوم، حاولت ما استطعت أن أُعطي وأُنجز للبلاد وشعبه ونظامه الجمهوري ما استطعت، مستسمحاً لجماهير الشعب عن كل تقصير".
إنني أودع مرحلة حياةٍ من الالتزام والجندية في مؤسسة القوات المسلحة وفي رئاسة الجمهورية بدأت مع بدايات ثورة سبتمبر المجيدة وامتدت إلى اليوم، حاولتُ ما استطعتُ أن أُعطي وأُنجز للبلاد وشعبه ونظامه الجمهوري ما استطعت، مستسمحاً لجماهير الشعب عن كل تقصير، سائلاً الله القبول والتوفيق.
— علي محسن صالح الأحمر (@alimohsnalahmar) April 7, 2022
ظل الجنرال الأحمر مثاراً للجدل طيلة السنوات الماضية باعتباره الرئيس الفعلي، كما واجه اتهامات باستغلال المناصب للاستحواذ على مساحات شاسعة من العقارات وأراضي الدولة، وخدمة مصالحه التجارية، وتقوية شبكة مقرّبيه.
وحاول الأحمر نفي تلك الاتهامات، وذكر في البيان الأخير أنه "لم يكن إلا منحازاً للشعب والجمهورية مترفعاً عن الثأر لذاته، أو الانحياز لمصالحه"، كما أشار إلى أنه "كان متسامحاً تجاه كثير من النيل لشخصه"، ملتزماً بالقوانين والتوجيهات وحماية المكاسب الوطنية وحراسة الجمهورية والديمقراطية والمصالح العليا.
وبعد 60 عاماً قضاها في السلك العسكري، وتحديدا في العام 1961، كان الأحمر حريصاً في توجيه تحية الوداع إلى "الرفاق في القوات المسلحة والأمن والمقاومة ورجال القبائل"، وقال: "لطالما كنت واحداً منكم طيلة عقود بينكم ومعكم جندياً، وسأظل وفياً لشعبنا وأمتنا، وأتمنى لكم النصر ومواصلة المهام لما فيه أمن البلاد".
إنني أودع مرحلة حياةٍ من الالتزام والجندية في مؤسسة القوات المسلحة وفي رئاسة الجمهورية بدأت مع بدايات ثورة سبتمبر المجيدة وامتدت إلى اليوم، حاولتُ ما استطعتُ أن أُعطي وأُنجز للبلاد وشعبه ونظامه الجمهوري ما استطعت، مستسمحاً لجماهير الشعب عن كل تقصير، سائلاً الله القبول والتوفيق.
— علي محسن صالح الأحمر (@alimohsnalahmar) April 7, 2022
وبرز اسم الأحمر مطلع سبعينيات القرن الماضي، حين ظل اليد اليمنى للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، قبل أن تدب بينهما الخلافات في العام 2008 بسبب تحركات توريث الحكم لنجل صالح، وتظهر الخلافات إلى العلن في العام 2011.
ومنذ بدء الحرب في اليمن، تزايدت مشاعر العداء تجاه الأحمر، ففي حين كانت الأحزاب اليسارية والقومية تتهمه بالعمل على إطالة أمد الحرب، من خلال إدارة المعركة بطريقة تقليدية والاستحواذ على القرار العسكري والسياسي في مؤسسة الرئاسة، كان أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي يتهمونه بحرف مسار المعركة الرئيسية وإشعال معارك جانبية جنوباً.
وباستثناء حزب "التجمع اليمني للإصلاح" الإسلامي، كانت كافة المكونات السياسية المشاركة في مشاورات الرياض التي انتهت، أمس الخميس، تطالب بإقالة الجنرال الأحمر من منصبه، وتتهمه بالوقوف وراء الانتكاسات العسكرية التي حصلت في المعركة ضد الحوثيين بمحافظات صنعاء والجوف وصولاً إلى الأطراف الجنوبية لمأرب مطلع العام 2020.
المشوار السياسي
شهدت الثورة الشبابية ضد النظام السابق في العام 2011، تحولاً مفصلياً في حياة الجنرال الأحمر، حيث أعلن انشقاقه رسميا عن أخيه غير الشقيق علي عبدالله صالح في 21 مارس/آذار من ذات العام، وتأييد الانتفاضة الشعبية، كما نشر قواته لحماية المتظاهرين في ساحة التغيير بصنعاء.
وسرعان ما تحوّل ذلك الانحياز إلى عبء على الثورة الشبابية، حيث تم اتهامه بعسكرتها وإخراجها عن مسارها السلمي، وكذلك استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية.
وحاول الجنرال الأحمر مقارعة اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء أواخر العام 2014 بعدد قليل من أفراد الفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها، وسط اتهامات له بتسليم العاصمة، التي فرّ منها في ظروف غامضة إلى السعودية، وغاب عن المشهد حتى تم تعيينه نائباً للقائد العام للقوات المسلحة في فبراير/شباط 2016 ثم نائباً لرئيس الجمهورية مطلع إبريل/نيسان من ذات العام.
ويدين الجنرال الأحمر، بالفضل للرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي، الذي أقحمه في مجال السياسة وأسند له منصب نائب الرئيس بعد أن ظل نحو 50 عاماً في السلك العسكري، وفي رسالته الوداعية، وصف هادي بـ"رفيق الدرب والنضال".
وبدأت علاقة الرجلين منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان الجنرال الأحمر مسؤولاً عن ملف استقبال العسكريين الجنوبيين النازحين من عدن في أعقاب أحداث 13 يناير/كانون الثاني 1986 الدامية في عدن، حتى توطدت العلاقة بينهما.
ونظراً للثقل الذي كان يتمتع به الجنرال الأحمر في النظام السابق، تقول الروايات إنه كان صاحب الفضل في تعيين عبد ربه منصور هادي وزيراً للدفاع في العام 1994 ثم نائباً لرئيس الجمهورية.
وعُرف الأحمر، بأنه أحد أهم رجالات السعودية داخل اليمن، نظراً لشبكة علاقاته الوطيدة في أوساط قبائل الشمال اليمني، وعقب اقتحام الحوثيين لمقر الفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها أواخر العام 2014، كانت وراء تهريبه من صنعاء بطريقة ما زالت غامضة حتى اليوم.
ويبدو أنّ الرجل فقد أهميته لدى الجانب السعودي خلال السنوات الماضية، وخلافاً لتلاشي قدرة التأثير على رجال القبائل في مناطق الحوثيين، تحوّل الأحمر في نظر التحالف إلى حجر عثرة أمام وحدة الصف للقوى المناهضة للانقلاب الحوثي، وخصوصاً المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات طارق صالح المرابطة في المخا.
وأثارت عملية إفراج الحوثيين عن نجله محسن، أواخر سبتمبر/أيلول 2020 علامات استفهام في الأوساط اليمنية، واحتمالية وجود تخادم خفي بين الطرفين، وخصوصاً أن جماعة الحوثيين لم تودع نجله في المعتقلات، بل تم الإبقاء عليه قيد الإقامة الجبرية فقط.