الحراك المطلبي في غزة... الجميع يتهرّب من مسؤولية الأزمات

07 اغسطس 2023
يعاني القطاع من الحصار الإسرائيلي منذ 2007 (Getty)
+ الخط -

تتصاعد الأصوات المطالبة بتحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية في قطاع غزة، في ضوء تردي الأوضاع ووصول الفقر والبطالة والضيق إلى مستويات غير مسبوقة، في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي للعام السابع عشر على التوالي وانسداد الأفق السياسي وفشل كل محاولات إنهاء الانقسام الداخلي. 

وشهد 30 يوليو/تموز الماضي فعاليات على الأرض دعا إليها نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي للنزول إلى الشارع للمطالبة بتحسين الأوضاع الحياتية، ولا سيما ما يتعلق بملف الكهرباء إلى جانب ملف البطالة والفقر وغياب فرص التوظيف، بل انعدامها. 

وشهدت الفعاليات التي شارك فيها العشرات في مناطق مختلفة من قطاع غزة، ردة فعل من الأجهزة الأمنية في الحكومة التي تديرها حركة "حماس". واعتُقِل العديد من المشاركين فيها قبل أن يُفرَج عنهم في وقت لاحق. أما حركة "حماس"، فبالتوازي مع هذه الفعاليات، أخرجت عناصرها إلى الشارع في أكثر من منطقة من قطاع غزة للمطالبة بإنهاء الحصار والوقوف إلى جانب المقاومة وإسنادها، فيما بدا وكأنها فعاليات مضادة للتحركات المعارضة والمطالبة بظروف معيشية أفضل. 

ولم يتمكن الحراك من حشد الناس مجدداً للتظاهر في عدة مناطق من القطاع يوم الجمعة الماضي. ويرجع كثيرون سبب ذلك إلى الانتشار الأمني المكثف للأجهزة الأمنية في غزة وما رافقها من إجراءات استهدفت منع خروج المتظاهرين إلى الشارع. كذلك دُعي إلى تحرك جديد اليوم الاثنين. 

وتسود حالة من الإحباط في الشارع في غزة من إمكانية تحسن الأوضاع والظروف المعيشية إلى جانب انتقاد أسلوب إدارة الحكم مع تكرار الأخطاء في عدة ملفات متعلقة بالملفات الحياتية للسكان، التي توصف بأنّها لا تراعي الظروف الاقتصادية. 

ويطالب المناصرون للحراك حركة "حماس" بصفتها أنها هي التي تدير القطاع، بتحسين الأوضاع المعيشية أو التنحي عن سدة الحكم من أجل إنهاء الحالة القائمة منذ 17 عاماً. ويعتقد هؤلاء أن استمرار الحركة في تحميل الحصار الإسرائيلي المسؤولية عما يجري مجرد تهرّب من مسؤوليتها. 

تسود حالة من الإحباط في الشارع في غزة من إمكانية تحسن الأوضاع والظروف المعيشية
 

في المقابل، لا تنكر الحركة الإسلامية، التي وصلت إلى سدة الحكم عبر الانتخابات التشريعية عام 2006، ومن ثم سيطرت على القطاع منفردة بعد قتال مع حركة "فتح"، غريمتها السياسية، الوضع المعيشي الصعب في القطاع، لكنها تحمّل الحصار الإسرائيلي وأطرافاً فلسطينية، تحديداً السلطة، المسؤولية عمّا آلت إليه الأوضاع، مشيرة إلى أنها لم تألُ جهداً لكسر الحصار والتخفيف من تأثيراته على القطاع.

وتشير الحركة، في أحاديث داخلية، يتردد صداها على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن "القائمين" على الحراك والذين يقيم عدد منهم في الخارج (مغتربون فلسطينيون) يمارسون ضغطاً عليها في إطار الخصومة السياسية معها. 

"حماس" تحمّل المسؤولية للحصار وأطراف أخرى 

يقول المتحدث باسم حركة "حماس" حازم قاسم، لـ"العربي الجديد"، إن هناك واقعاً اقتصادياً وإنسانياً صعباً يعيشه القطاع بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ أكثر من 17 عاماً، وهو ما انعكس على مناحي الحياة كافة في غزة. 

ولم يُعفِ قاسم السلطة الفلسطينية من المسؤولية عن الأوضاع الصعبة التي يعيشها القطاع من خلال الإجراءات التي اتخذتها عام 2017 (تقليص رواتب موظفيها وقطع رواتب أسرى وذوي شهداء من حركتي حماس والجهاد الإسلامي) إلى جانب ما أسماه تقصير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وتراجع دورها بوضوح في القطاع. ويلفت إلى أن "الحصار جاء لمعاقبة القطاع على خياره الديمقراطي والتفافه حول خيار المقاومة، وهو مخالف لكل القوانين الدولية، مع تأكيد الحق الفلسطيني في العيش بكرامة وفقاً لما كفلته القوانين والأعراف الدولية الرسمية كافة".

لم يعف حازم قاسم السلطة الفلسطينية من المسؤولية عن الأوضاع الصعبة التي يعيشها القطاع من خلال الإجراءات التي اتخذتها عام 2017

 ويشير قاسم إلى أنّ حركته "سارت في كل المسارات والاتجاهات من أجل كسر الحصار الإسرائيلي والتخفيف من تأثيراته في القطاع، إذ يعتبر كسر الحصار محط هدف وطني مجمع عليه ويجري العمل عليه مع كل الوطنيين من أجل تحقيقه". 

ووفق المتحدث باسم حماس، فإنّ "التظاهر السلمي حق مكفول للجميع، وساحة غزة مفتوحة أمام كل المكونات الوطنية للعمل بما يخدم أهداف شعبنا ونضاله المشروع ضد الاحتلال وكسر الحصار". 

"فتح" تدعم الحق بإعلاء الصوت في غزة 

من جانبه، يلفت الناطق باسم حركة "فتح" منذر الحايك إلى أنّ من حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة التعبير عن رأيه وإعلاء الصوت أمام الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب الناتج من الانقسام، والمستمر منذ عام 2007. 

ويقول الحايك لـ"العربي الجديد"، في تعليقه على الأحداث الأخيرة والدعوات المتعلقة بتحسين الأوضاع المعيشية، إن حركته تشدد على ضرورة "الحفاظ على السلم والأمن الأهلي وصون الممتلكات الخاصة والعامة وعدم إثارة الفتن من خلال الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي". 

ويطالب المتحدث باسم حركة فتح "وسائل الإعلام بمختلف أنواعها إلى تغيير سياسة التشهير ونشر الأكاذيب والخطاب التوتيري للساحة الفلسطينية في ظل الهجمة الشرسة على الأقصى ومخطط حسم الصراع في الضفة الغربية". 

حراك عشوائي... الفصائل غائبة 

من جهته، يشير الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، إلى أن الحراك الأخير كان "عشوائياً لا تقف وراءه الفصائل الفلسطينية"، وهو أمر متوقع نظراً للظروف المعيشية الصعبة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى جانب استمرار الانقسام السياسي وفشل كل اتفاقيات المصالحة وأزمة الكهرباء والرسوم الضريبية. 

ويقول عوكل لـ"العربي الجديد" إن الحراك كان "جريئاً من خلال طبيعة المشاركين في فعاليته الأولى التي سيطر عليها الشباب وطبيعة الشعارات التي رفعت والتي طالبت بالحقوق المعيشية إلى جانب بعض الدعوات المتعلقة بالواقع السياسي الفلسطيني بشكلٍ عام". 

طلال عوكل: هناك مسؤوليات على الحكومة القائمة أن تأخذها بعين الاعتبار في التعامل مع الواقع المعيشي والاقتصادي في القطاع
 

ويلفت إلى أنه "لا يمكن تحميل حركة حماس وحدها مسؤولية استمرار الانقسام"، إلى جانب أن الحركة نفسها قامت بجملة من الإجراءات السريعة بعد تظاهرات 30 يوليو، كان أبرزها "تشغيل المولد الرابع لمحطة توليد الكهرباء (لتخفيف أزمة انقطاع الكهرباء) إلى جانب توفير تسهيلات للعوائل الفقيرة متعلقة بخدمة الكهرباء وهو ما يعتبر استجابة لبعض المطالب الخاصة بالحراك". 

وبحسب عوكل، فإنّ الشارع الفلسطيني بحاجة لمزيد من الإجراءات الأخرى من أجل إشعاره بأن الرسالة وصلت، وأن هناك مسؤوليات على الحكومة القائمة أن تأخذها بالاعتبار في التعامل مع الواقع المعيشي والاقتصادي في القطاع. 

إعلام وحريات
التحديثات الحية
المساهمون