يشهد إقليم دارفور، غربي السودان، توترات أمنية وحشود عسكرية غير مسبوقة ضمن حالة الحرب التي انطلقت شرارتها من الخرطوم، قبل أكثر من أسبوع، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وانضم الإقليم الذي يضم 5 ولايات إلى الحرب بشكل أو بآخر، خصوصاً أن أغلب عناصر قوات الدعم السريع تنتمي إلى مكونات قبلية في دارفور التي تحاذي 4 دول، هي ليبيا من الشمال الغربي وتشاد من الغرب وأفريقيا الوسطى في الجنوب الغربي، ودولة جنوب السودان لجهة الجنوب، وجميع تلك الدول تشهد اضطرابات أمنية متفاوتة في النسبة.
ويمتد الإقليم على مساحة تصل إلى 190,418 كيلومتراً مربعاً، ويقدر عدد سكانه بنحو 9 ملايين و241 ألف نسمة.
اشتباكات عنيفة متجددة
وبعد اندلاع القتال في الخرطوم، شهدت عدة مناطق بولايات الإقليم الخمس اشتباكات بين طرفي الصراع، ففي ولاية جنوب دارفور وبعد ساعات فقط من اندلاع شرارة الاشتباكات في الخرطوم، بدأت المعارك في محيط القيادة العام للفرقة 16 مشاه التابعة للجيش.
وجاء التطور رغم مساع بين الطرفين لتجنب الحرب، وتواصلت المعارك في قيادة المدفعية التي سيطرت عليها "الدعم السريع" لساعات قبل أن يستردها الجيش في اليوم التالي، لكن المعركة انتقلت إلى قيادة المنطقة الغربية التي تقع في الجزء الشرقي من مدينة نيالا، مركز الولاية وأكبر المدن السودانية، مخلفة عشرات الضحايا من الطرفين، قبل أن تخضع لسيطرة "الدعم السريع".
وفي اليوم الثالث للمعارك، انتقلت المعركة إلى مطار نيالا الدولي، وبعد مواجهة عنيفة، انسحبت قوة الجيش، وتركت المطار لسيطرة قوات الدعم السريع التي ما زالت تسيطر عليه حتى الآن، في حين تواصلت المعارك بين الجانبين حيث تتمركز قوات الجيش في رئاسة الفرقة 16 مشاة، وقوات الدعم السريع في الفوج السابع، بمسافة فاصلة تبلغ نحو 500 متر فقط بين الطرفين، الى أن توقفت بفضل هدنة عيد الفطر التي وافقت عليها قيادة الطرفين.
وفي ضوء معارك الأيام الماضية، توزعت السيطرة على مدينة نيالا بين القوتين، حيث تنتشر قوات الدعم السريع في الجزء الشمالي الشرقي، فيما تحكم القوات المسلحة سيطرتها على المناطق الجنوبية الغربية من المدينة. وكانت المدينة قد شهدت خلال المعارك، في أيامها الثلاثة الأولى، عمليات نهب واسعة من قبل مسلحين يتخفون بسيارات مدنية ودراجات نارية. وقد جرى نهب وتدمير وزارات التربية والتوجيه، والمالية، وجامعة نيالا، عدا عن مقار المنظمات الأممية، منها برنامج الغذاء العالمي ويونيسف، إضافة إلى برج التأمين الصحي ومستشفى نيالا للنساء والتوليد تحت الانشاء، إلى جانب تدمير مئات السيارات.
وشملت عمليات النهب والتخريب أيضا مخازن هيئة الإمدادات الطبية، وأعدادا كبيرة من المحال التجارية والمخازن في سوق الملجة وبعض أحياء المدينة.
وبحسب إحصائيات وزارة الصحة في الولاية، فإن المعارك بين الجانبين خلفت أكثر من 30 قتيلاً ومئات الجرحى.
أما في مدينة الجنينة فقد سيطرت قوات الدعم السريع، منذ اليوم الأول، على المطار الرئيسي، بعد اشتباكات عنيفة استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والخفيفة وسقط فيها 5 قتلى. وطوال الأيام الماضية، استمرت الاشتباكات بصورة متقطعة مع هدوء حذر. إلى أن تجددت بصورة عنيفة، اليوم الاثنين، في حي الجمارك بالتزامن مع اشتباكات قبلية بين العرب والمساليت.
واندلعت الاشتباكات بوصول قوات من الجيش إلى منطقة مجاورة لمقر قوات الدعم السريع من دون تنسيق مسبق بينهما، واستمرت أكثر من 5 ساعات مخلفة قتلى وجرحى.
وبالتزامن مع اشتباكات اليوم، اندلعت معارك في حي الجبل ومخيم أبو ذر للنازحين بين القبائل العربية والمساليت، استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة.
استهداف القوات المشتركة
ووفق معلومات وصلت إلى "العربي الجديد"، شن مجهولون، خلال الأيام الماضية، هجوما على أحد مقار القوات المشتركة التي تنشط منذ العام 2010 لتأمين الحدود بين السودان وتشاد، وسيطروا على 3 آليات عسكرية.
والقوات المشتركة هي قوات سودانية تشادية اتفقت الدولتان على تكوينها في العام 2010، بغرض حفظ الأمن على الحدود والحد من نشاط الجماعات المتمردة في كلا الدولتين، ومحاربة التهريب وتجارة السلاح والاتجار بالبشر.
وأجبرت المعارك التي شهدها إقليم دارفور أعدادا كبيرة من السودانيين على العبور إلى داخل الأراضي التشادية.
وكشف المدير التنفيذي لمحلية بيضة الحدودية خليل حامد دقرشو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن موظفين بالمحلية ورجال الجيش والشرطة والأمن دخلوا الأراضي التشادية مع اشتداد المعارك.
وكان وزير الدفاع التشادي داود يايا إبراهيم قد كشف، في مؤتمر صحافي قبل أيام، عن نزع أسلحة جنود سودانيين، وعددهم 320، من الجيش والشرطة والأمن بعد دخولهم بلاده، وذلك قبل أن يتم إيوائهم.
وحذر مفوض العون الإنساني بولاية غرب دارفور الصادق محمد أحمد في، تصريحات لـ"العربي الجديد"، من تعقيدات الأوضاع الإنسانية في الولاية، وأشار إلى أن إجلاء جميع موظفي وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الأجنبية سينعكس سلبا على تقديم المساعدات للمتضررين من الحرب.
مبادرات شعبية ناجحة للوساطة
وفي مدينة الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور، أسفرت المعارك الطاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع عن 63 قتيلا وعشرات الجرحى، بينهم عدد من الأطفال، فيما أحكمت قوات الجيش تأمينها الكامل لمطار الفاشر، في حين شهد مقر قيادة فرقة الفاشر اشتباكات انتهت بتدخل والي الولاية نمر محمد عبد الرحمن وتوسطه بين الطرفين لوقف إطلاق النار وفتح مسارات آمنة لعبور المدنيين.
أما مدينة زالنجي، مركز ولاية وسط دارفور، فقد حظيت بهدوء أكثر من غيرها من مراكز ولايات دارفور.
ويقول المحلل السياسي محمد الأمين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن ذلك الهدوء يعود للجهود التي بذلتها بعض اللجان الشعبية، والتي توجت بقبول قوات الجيش والدعم السريع المتمركزة في المدينة بوقف التصعيد، وهدنة لمدة 5 أيام تنتهي بنهاية اليوم الاثنين.
وتعد ولاية شرق دارفور، الولاية الخامسة في الإقليم، الأكثر أمناً واستقراراً، ولم تسجل أية حوادث احتكاك بين قوات الجيش والدعم السريع، فيما تنشط، حسب مصادر "العربي الجديد"، مبادرات مجتمعية لتجنيب الولاية أي انزلاق نحو هاوية الحرب، والحد من نشاط المجموعات المسلحة.