لقاءان في أقلِّ من 24 ساعة بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء المُكلَّف تأليف الحكومة سعد الحريري، خرجت عنهما أجواء إيجابية، نقلتها أوساط القصر الجمهوري في بعبدا، تؤكِّد حصول تقدّمٍ في الملف، نافية في المقابل السيناريوهات الإعلامية حول الحصص الوزارية وطريقة تقاسمها من قبل الأحزاب، في وقتٍ يعمل الحريري بتكتّم كبير على تشكيلته، وبصمت.
وقال مصدرٌ في قصر بعبدا، لـ"العربي الجديد"، إنّ الرئيس عون "راضٍ عن تحرّكات الرئيس الحريري وطريقة تعاطيه مع مهمّته الحكومية، ولا سيما على صعيد التشاور المستمرّ معه، وعبر لقاءات ثنائية مباشرة، كانت غائبة عن برنامج السفير اللبناني لدى ألمانيا مصطفى أديب الذي همّش دور رئاسة الجمهورية في الإطار المذكور، الأمر الذي نبّه إليه الرئيس عون في أكثر من تصريحٍ وموقفٍ علني، نظراً لصلاحياته الدستورية في ملف تشكيل الحكومة والتوقيع على المراسيم".
في السياق، أشار الكاتب السياسي عبدالله بارودي، بحديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الحريري "أثبتَ في الزيارة الأولى للرئيس عون يوم التكليف، ومن ثم على صعيد اللقاءين الأخيرين السبت والأحد الماضيَيْن، أنه يتعاطى مع الملف ضمن الصلاحيات وفق الأطر الدستورية، والأمر نفسه ينطبق على طريقة تعاطيه مع الكتل النيابية ورؤسائها"، لافتاً الى أنّه بحسب المعلومات، "وضعت طريقة انطلاق الحكومة على السكة الصحيحة، لناحية أن تكون مؤلفة من اختصاصيين بالكامل، والحريري حاسم في هذا الاتجاه، وتم التوافق عليه مع رئيس الجمهورية، لا تكنو سياسية كما حاول بعض الأفرقاء الترويج له".
وكان رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، صرَّح في وقتٍ سابقٍ، أنّه طالما انتقلت رئاسة الحكومة إلى جهةٍ سياسية فأصبحنا أمام حكومة تكنو سياسية، في موقفٍ يتمسّك به منذ ما قبل التكليف، وهو ما دفعه إلى عدم تسمية الحريري بوصفه رئيس حزب، لا يمكنه أن يترأس حكومة مستقلّة.
ويلفت بارودي أيضاً، إلى أنّ النقاط التي جرى النقاش حولها، أن تكون الحكومة مصغَّرة، من دون أن يصار إلى اتفاق بشأن عدد الوزراء، لكن الأجواء تشير إلى أنّها ستتراوح بين 14 و18، أو 20 وزيراً بالحدّ الأقصى، في حال برز أي خلل لناحية التوزيع والتوازنات الطائفية، مع الاتفاق على تحديد المعايير، ومبدأ المداورة وخصوصاً على صعيد الوزارات السيادية الأساسية، منها الدفاع، والخارجية والداخلية والطاقة والمالية، مع رفض منطق الحقائب المتبادلة، بمعنى حصول فريق على وزارة الطاقة مثلاً، مقابل حصول طرف آخر على وزارة الداخلية أو الخارجية وما إلى هنالك.
ويرى، الكاتب السياسي، أنّ المؤشرات وسرعة المشاورات وحركة الحريري، تدل على أنّ الحكومة ستبصر النور بحد أقصى 10 أيام، ومع ذلك، قد يقدّم رئيس الوزراء المُكلّف تشكيلته الوزارية في أي وقتٍ لرئيس الجمهورية، والمفاجآت دائماً تترأس الاحتمالات في لبنان، على أمل أن يتوافق الرئيسان على الحكومة كما ينص الدستور وتخرج الأسماء من عندهما وليس من عند أطراف أخرى.
الفارق بين مرحلتي أديب والحريري، أنّ الأول أراد أن يطبق المبادرة الفرنسية بحذافيرها، بينما الحريري يعلم جيداً التركيبة اللبنانية
ويشير إلى أنّ الفارق بين مرحلتي أديب والحريري، أنّ الأول أراد أن يطبق المبادرة الفرنسية بحذافيرها، بينما الحريري يعلم جيداً التركيبة اللبنانية والمعطيات المذهبية والطائفية، ولن يقدم تشكيلة صدامية أو مستفزّة، بل مقبولة حتى لفرنسا أو الولايات المتحدة بأن لا يكون "حزب الله" أو حلفاؤه مسيطرين عليها وأصحاب القرار فيها.
تدوير الزوايا
ويعتبر بارودي، أنّ الأطراف اللبنانية تشعر اليوم بمدى دقة المرحلة وحجم المسؤولية، وأنها الفرصة الأخيرة لنجاتها واستمراريتها في الحكم، وإذا فشلت فالبلد ذاهب إلى مستوى آخر، من التغيير والانتفاضة الشعبية وحتى التدخل الدولي بنطاقٍ معيَّن، من هنا تحاول القوى السياسية المحلية، تدوير الزوايا، وما كان مرفوضاً في السابق أصبح مقبولاً، والمطالب المتشددة في مراحل ماضية باتت أكثر ليونة، على أمل أن تمرّ هذه الفترة على خير ولا تظهر عراقيل لتنفيذ أجندات خارجية.
ولفت إلى أنّ كلام رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري كان حاسماً اليوم كما نقلت عنه أوساطه، بضرورة تشكيل الحكومة سريعاً، وربما هذا الأسبوع، وأن لا مبرّر لتأجيل التشكيل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. إضافة الى ذلك، يحرص الرئيس عون على أن يقوم بمحاولة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من عهده.
ويقول مصدر مقرَّب من "التيار الوطني الحر"، لـ"العربي الجديد"، إنّ الحريري يجب أن يتجاوز عقبات كثيرة حتى تولد الحكومة هذا الأسبوع، ومنها عدم الخضوع لمطالب "حركة أمل" و"حزب الله"، باختيار وزراء الطائفة، ولا سيما وزارة المال، بل احترام، المعيار الواحد على كل القوى السياسية، ومبدأ المداورة الشاملة للحقائب الوزارية الذي يتمسّك به النائب جبران باسيل والرئيس عون، وإلا فإنّ أي استثناء سينعكس حتماً على باقي الوزارات، وباسيل لن يرضى باستغلال الأزمة والتلويح بالانهيار لتمرير تسويات من أي نوع كان.
في حين، يؤكد مصدر مقرّب من "حزب الله" لـ"العربي الجديد"، أنّ الحزب يتمسّك بوزارة المال مع حركة أمل، ولكنه لا يمانع عدم تسمية الوزير شرط القبول به، وهو يركز اهتمامه أكثر على البيان الوزاري للحكومة ومضمونه، وطريقة التعاطي مع صندوق النقد الدولي.
وكان لافتاً، تحذير البطريرك الماروني بشارة الراعي، أمس الأحد، الحريري من الاتفاقيات الثنائية السرية والوعود، وضرورة تخطي شروط الفئات السياسية وشروطهم المضادّة، وألا يضع وراء ظهره المسيحيين، وهذا ما ردّ عليه الحريري بزيارته الثانية إلى عون بحسب مصدر في "تيار المستقبل" لـ"العربي الجديد"، بتأكيده دور الرئيس اللبناني في الملف الحكومي، الممثل الأبرز للطائفة المسيحية، لا صهره باسيل.
إرجاء مفاوضات ترسيم الحدود
في سياق آخر، أرجئت مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي، التي كانت مقرّرة اليوم الاثنين إلى يوم الأربعاء المقبل، في 28 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في مقرّ الأمم المتحدة في الناقورة جنوباً، لأسباب تقنية مرتبطة بالوسيط الأميركي السفير جون ديروشر، الذي لم يتمكن من السفر إلى لبنان اليوم، وفق ما أكد مصدر في قيادة الجيش اللبناني لـ"العربي الجديد".