طلب رئيس الوزراء اللبناني المكلّف سعد الحريري، اليوم الخميس، من البابا فرنسيس مساعدة لبنان، شارحاً له المشاكل التي تعاني منها البلاد على مختلف المستويات.
وأعلن الحريري أن "قداسة البابا سيزور لبنان، لكن بعد تشكيل الحكومة"، وذلك في تصريح له بعد اللقاء الذي عقد صباحاً في الفاتيكان، والذي من المقرر أن تتبعه سلسلة اجتماعات مع مسؤولين إيطاليين خلال الزيارة التي تنتهي مساء اليوم.
وقال مصدر مقرّب من الحريري، مشارك في اللقاء، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الاجتماع كان صريحاً جداً، ولمس فيه الحريري حرص البابا الكبير على استقرار لبنان ورغبته في الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني، وكرّر خلاله الحديث عن لبنان الرسالة في العيش المشترك والتنوّع وضرورة الحفاظ على دوره هذا"، كما شدد على ذلك الحريري أيضاً خلال تصريحه أمام الصحافيين.
وأشار المصدر إلى أنّ "الحريري شرح للبابا فرنسيس وقائع الأزمة الحكومية والتركيبة اللبنانية السياسية والطائفية، وأنه لا يسعى لإقصاء أي طائفة وخصوصاً المسيحية، والأزمات الخطيرة التي يعاني منها لبنان والتي تستوجب تشكيل حكومة سريعاً، وتحتاج إلى دعم دولي عربي مشترك للنهوض بالبلاد اقتصادياً، وأكد له أنه يسعى إلى تشكيل حكومة تعيد الثقة الدولية وتسترجع العلاقات اللبنانية العربية الخليجية التي انقطعت لفترة طويلة".
وقال الحريري إن "البطريرك الماروني بشارة الراعي يدعم حكومة مستقلين واختصاصيين، وأي كلام مختلف معروفة مصادره"، ملمحاً بذلك إلى فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، ومن خلفه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، مشدداً على أن "المبادرة الفرنسية قائمة حتى الآن، وأظن أن الفاتيكان يعلم أكثر من الجميع أساس المشكلة في لبنان".
وأضاف الحريري، الذي تمرّ اليوم ستة أشهر على تكليفه من دون أن يتمكن من تشكيل حكومة: "نحن في وضع سيئ للغاية، لكن تشكيل الحكومة سيساعد على وقف الانهيار، إلا أن البعض يريد انهيار لبنان والكيان للبقاء في السياسة".
وأوضح أنّ "ما يحصل في لبنان هو أن هناك فريقاً يريد اقتصاداً حراً وفريقاً آخر يريد أن يضع يده على الكهرباء وغيرها، ويريد العمل مع جهة واحدة اقتصادية"، في إشارة إلى "حزب الله" وبدعم من حلفائه، الذين يسعون إلى التوجه شرقاً، وقد بدأ الرئيس ميشال عون يمهد لذلك، خصوصاً مع تنشيط العلاقات التجارية والاقتصادية، ولا سيما مع سورية والعراق.
وفي معرض ردّه على انتقاد الرئيس عون و"التيار الوطني الحر" لجولاته الخارجية واعتبارها مضيعة للوقتٍ ومماطلة مستمرّة واستجمام في وقتٍ تمرّ فيه البلاد بأسوأ فترة في تاريخها، قال الحريري: "جولاتي خارج لبنان هي للعمل وللبحث في كيفية مساعدة لبنان، وربما هناك من يقوم بالسياحة داخل القصر الجمهوري".
على صعيد آخر، ترأس الرئيس ميشال عون، اليوم الخميس، اجتماعاً أمنياً في قصر بعبدا الجمهوري بحضور رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، تضمن عرضاً للأوضاع العامة في البلاد والأحداث الأخيرة المرتبطة بقضية النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون (المحسوبة على الرئيس عون)، ومداهماتها المستمرّة بمؤازرة ودعم مناصري "التيار الوطني الحر"، وآخرها أمس، الأربعاء، لشركة "مكتف" للصيرفة وشحن الأموال، التي استُمع سابقاً إلى صاحبها ميشال مكتف بصفة شاهدٍ في ملف تهريب الأموال من المصارف اللبنانية إلى الخارج في نهاية عام 2019 وإبان انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول، والتي يتهم فيها نافذون سياسيون ومصرفيون ورجال أعمال.
ووضعت خطوة القاضية عون في إطار التمرّد على قرارات القضاء، ولا سيما على قرار النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات المحسوب على "تيار المستقبل" (يتزعمه الحريري)، بكف يدها عن الملف وقضايا أخرى، والذي رافقته تحركات داعمة منها لعويدات من جانب مناصري "المستقبل"، وأخرى لمناصري "التيار الوطني الحر"، تطورت إلى تسجيل إشكالات بين الطرفين، في مشهدية رسخت صورة القضاء المسيّس أكثر فأكثر.
وعبّر الرئيس عون عن "أهمية احترام حرية التعبير مع المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة وعدم الاعتداء عليها"، معتبراً أن "المهم هو العودة إلى النظام وتفهم وجع المواطنين، ولا سيما أنهم خسروا أموالهم وودائعهم، وعلى قوى الأمن ضبط الأمن سلمياً وفقاً للأنظمة المرعية".
وشدد دياب على ضرورة تجنب التشنجات المتأتية من الظروف والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، داعياً إلى تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن.
وتطرق وزير الداخلية محمد فهمي إلى الملابسات التي حصلت في منطقة عوكر، حيث مقر شركة "مكتف"، والتطورات التي رافقتها، معتبراً أن قوى الأمن الداخلي تصرفت ضمن نطاق ضبط الأمن وعدم الاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة، علماً أنّ تحصين الشركة بعناصر قوى الأمن بشكل مكثف عرّض المديرية للانتقاد، ما استدعى ردّها بحماية الممتلكات الخاصة.
والتقى الرئيس عون مع دياب قبل الاجتماع، حيث عرض الأخير نتائج زيارته الأخيرة إلى قطر، التي التقى فيها كبار المسؤولين القطريين. ونقل الرئيس دياب إلى الرئيس عون وقوف المسؤولين القطريين إلى جانب لبنان، ورغبتهم في تقديم المساعدة في مختلف المجالات.
وغاب ملف ترسيم الحدود البحرية جنوباً مع العدو الإسرائيلي عن اللقاء والاجتماع الأمني، أقلّه في البيانات الرسمية، رغم أهميته الكبرى، والذي يتهم الرئيس عون بتعطيله وتأخيره تمهيداً لصفقة مع الولايات المتحدة يكون باسيل، المعاقب أميركياً، أول المستفيدين، وربطت أيضاً باجتماع عون والمسؤول الأميركي ديفيد هيل، في حين وضع البعض من معارضي رئيس الجمهورية قضية القاضية عون في إطار محاولة الرئيس عون إلهاء الشعب اللبناني عن ملف الترسيم لتمرير التسوية.
وكان عون قد رفض توقيع تعديل المرسوم 6433 – تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، الذي يصحح حدود لبنان البحرية ويعيد إليه مساحة مهمة من حقوقه النفطية قبل أن يتخذ مجلس الوزراء القرار مجتمعاً.