أكد المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، اليوم السبت، أن الإدارة الأميركية الجديدة بعد مرور شهر من تشكيلها "على أعتاب التخلي عن سياسة الضغوط القصوى"، عازياً ذلك إلى "الصمود منقطع النظير للشعب الإيراني في عدم الرضوخ للتنمّر، وتحمّل أقسى حرب اقتصادية وصمود الحكومة الإيرانية على حقوق الشعب بلغة دبلوماسية"، حسب قوله.
وأشار ربيعي في مقال بصحيفة "إيران" الرسمية، إلى القرارات الأميركية الأخيرة، مثل سحب إعلان الإدارة السابقة إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران، وإلغاء القيود على تحركات البعثة الإيرانية في نيويورك، معتبراً أنها "خطوات صغيرة ومؤشرات غير كافية ربما على حسن النيات الأميركية".
وأضاف أن هذه الخطوات "ضئيلة وغير كافية جداً لإرضاء الشعب الإيراني الذي يتحمل أقسى صعوبات معيشية، على الرغم من التزام التعهدات والاتفاقيات الدولية".
وفيما أكد المتحدث باسم الحكومة الإيرانية أنه "ما زال من المبكر إصدار الحكم النهائي" على السياسة الأميركية، لكنه صرّح بأن "الأمل بعودة العقلانية إلى قرارات الولايات المتحدة قد ارتفع بشكل ملحوظ مقارنةً بالشهور الماضية".
لكن ربيعي توقع أن "العقوبات ستُرفع قريباً"، إذ قال: "يمكننا أن نتوقع في الوقت الراهن، ونحن واثقون من أنه رغم التجاذبات الدبلوماسية التي تمثل مقدمة طبيعية لعودة جميع الأطراف إلى التعهدات، منها رفع العقوبات في المستقبل القريب، فإن المبادرات الدبلوماسية ستجد مفعولها بشكل جيد حتى الوصول إلى النتيجة المطلوبة"، من دون الكشف عن مزيد من التفاصيل عن هذه المبادرات.
لكن هذا التفاؤل الكبير الذي أبداه المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، لا يبدو أنه أقنع طهران بالتراجع عن تعليق البروتوكول الإضافي الذي أخضع البرنامج النووي الإيراني لرقابة أممية صارمة وعمليات التفتيش المفاجئ، إذ أكد ربيعي أن الحكومة ستنفذ هذا القرار هذا الأسبوع (الثلاثاء)، لكنه اعتبر أن ذلك "لا يتعارض" مع التزام بلاده الاتفاق النووي "ولا يشكل مانعاً لردودنا المناسبة على أي خطوة أميركية تثبت حسن النيات في مسار عودة الطرفين إلى التعهدات".
وأكثر من ذلك، برر ربيعي الخطوة الإيرانية المرتقبة بالقول إنها "قد تكون جزءاً من تجاذبات هذا المسار الإيجابي"، مطمئناً "الدول الراغبة في إحياء الاتفاق النووي والقلقة من تداعيات هذا القرار (تعليق البروتوكول الإضافي) بعدم وقوع أي تغيير مثير (في البرنامج النووي) أو عدم وجود أي نية تتجاوز تعهداتنا الحقوقية في الاتفاق النووي، والتزامنا الأخلاقي والشرعي في فتوى حظر الأسلحة النووية"، حسب قوله.
من جهته، أكد رئيس البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي، في مقابلة مع موقع KHAMENEI.IR الإعلامي الإيراني، أن "لا قيمة لأي توقيع (أميركي) للعودة إلى الاتفاق النووي من دون التحقق من رفع العقوبات عملياً".
وأضاف أنه من دون رفع جميع العقوبات على بلاده "تبقى العودة الأميركية إلى الاتفاق بلا مغزى"، قائلاً: "إذا ما أُعلن رفع الحظر النفطي عن إيران، فإلى جانب ذلك يجب أن تُقدم ضمانات بألا تحدث مشكلة عملية في بيع النفط والمشتري يتمكن من دفع السعر لإيران عبر النظام المصرفي العالمي".
وأوضح تخت روانجي أن "الأوروبيين قالوا لنا اصبروا، فنحن سنعوّض، لكنهم لم يعوضوا إيران، ولم ينفذوا تعهداتهم"، في إشارة إلى وعود أوروبية تلقتها طهران بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018.
عملية "خداع"
أما على الضفة المحافظة في إيران، وعلى عكس وجهة نظر الحكومة "الاعتدالية"، فيبدو الوضع مختلفاً تماماً، حيث لا ينظر المحافظون بإيجابية إلى الخطوات الأميركية الأخيرة، بل يرونها "مجرد خداع" أميركي، وهذا ما عبّرت عنه عدة صحف ووسائل إعلامية محافظة اليوم السبت.
وعنونت صحيفة "كيهان" المحافظة المانشيت الرئيسي لعددها الصادر اليوم بـ"لا تنخدعوا! شرط أميركا للعودة إلى الاتفاق النووي هو رفع جميع العقوبات"، قائلة إن "أميركا بمشاركة الترويكا الأوروبية والكيان الإسرائيلي تسعى من خلال عملية خداع إلى تقليل مطالب إيران في الاتفاق النووي إلى عودتها إلى الاتفاق. تأتي هذه الخطوة المخادعة بينما يتمثل شرط عودة أميركا إلى الاتفاق النووي برفع جميع العقوبات، ومن ثم تحقُّق إيران من رفعها عملياً".
وفي السياق، اعتبرت الصحيفة أن القرارات الأميركية الأخيرة "فاقدة لأيّ قيمة"، منتقدة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لترحيبه بسحب واشنطن قرار إعادة فرض العقوبات الأممية من مجلس الأمن، وأضافت أن الإدارة الأميركية الجديدة "سعت في خطوة خداعية إلى بيع سحب هذا المشروع الذي فشل سابقاً كامتياز جديد لإيران"، وقالت إن مجلس الأمن الدولي كان قد رفض المشروع بعد أن قدمته الإدارة الأميركية السابقة خلال سبتمبر/ أيلول الماضي.
كذلك تناولت صحيفة "وطن إمروز" المحافظة كلمة الرئيس الأميركي جو بايدن في مؤتمر "ميونخ للأمن" أمس الجمعة، مشيرة إلى أنه لم يتحدث عن العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات، لتعتبر أن "خلاصة كلمة بايدن القصيرة، أن أميركا ليست راغبة في رفع العقوبات والعودة إلى التزاماتها بالاتفاق النووي".
خلاصة كلمة بايدن القصيرة أن أميركا ليست راغبة برفع العقوبات والعودة إلى التزاماتها بالاتفاق النووي
ورأت أن الإدارة الأميركية تسعى إلى "هندسة الضغوط القصوى" على إيران، منتقدة من وصفتهم في الداخل الإيراني بـ"التيار المتفائل بالإدارة الأميركية"، وقالت إن "كلمة بايدن أظهرت مدى عدم فهم هذا التيار حقائق العالم"، حسب تعبيرها.
وفي المقابل، علّقت وسائل إعلام إصلاحية على هذه الانتقادات والتعليقات باتهام هذه الصحف المحافظة بالسعي إلى الإبقاء على العقوبات والضغوط القصوى الأميركية و"القلق من انفراجة في الاتفاق النووي".