فرضت الحكومة التونسية برئاسة هشام المشيشي، أخيراً، زيادات جديدة على أسعار مواد استهلاكية عديدة خلال الأيام الماضية، شملت النقل والسّكر والبنزين والماء، واعتبرتها المعارضة إجراءات لاشعبية، تهدف إلى إثقال كاهل التونسيين.
هذه الزيادات، التي يتفق مراقبون في تونس أنها جاءت لإرضاء صندوق النقد الدولي، لم تهيئ لها الحكومة أرضية تواصلية، تمكن من توضيح مخططها للمواطنين، وإنما طُرحت بشكل فاجأ الجميع، ومن دون استشارة الأحزاب والمنظمات، وهو ما أدى إلى تزايد الانتقادات التي تتعرض لها، مع بروز دعوات لإسقاطها.
وفي هذا السياق، طالب حزب "التيار الديمقراطي" المعارض، الحكومة، بالتراجع الفوري عن قرارات الزيادة في أسعار بعض المواد الأساسية والنقل العمومي، محملاً إياها "مسؤولية التداعيات على السلم الاجتماعي"، وفق بيان أصدره يوم الأربعاء الماضي. وعبّر "التيار" عن رفضه القاطع لما وصفه بـ"القرارات الأحادية والخطيرة"، مشيراً إلى أن "التحرّر من تأثيرات لوبيات وقوى الفساد والإفساد الداخلي، ومن التعاقدات الخفية مع صندوق النقد الدولي، هو السبيل الوحيد لإخراج البلاد من أزمتها وضمان سيادة القرار الوطني والتفاف واسع حول مشروع وطني حقيقي".
خطأ المشيشي الأكبر عدم استشارته لحزامه السياسي
وتعليقاً على رفع الأسعار أيضاً، اعتبر النائب المعارض منحي الرحوي، في حديث إذاعي، أن "الحل الوحيد هو الاحتجاج لإطاحة حكومة ماتت سريرياً"، وفق تعبيره. وشدّد على "ضرورة طرح خريطة طريق جديدة وواضحة للنهوض بالبلاد، وتفادي عملية القتل الجماعي للتونسيين، من خلال توافق كل القوى الشبابية والمعارضة والقوى الوطنية". بدوره، حذّر النائب المعارض زهير المغزاوي، من أن "الزيادات الأخيرة ستكون لها انعاكاسات خطيرة جداً على المستوى الاجتماعي"، محملاً المسؤولية في ذلك إلى المشيشي الذي "أثبت أنه غير مؤهّل لقيادة البلاد في هذه المرحلة الخطيرة وكذلك (الأمر بالنسبة إلى) حزامه السياسي"، في إشارة إلى حركة "النهضة" وحزب "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة".
وندّد الاتحاد العام التونسي للشغل، أول من أمس الخميس، بزيادة الأسعار، معبّرا عن "رفضه للسياسات اللاشعبية المتّبعة في مجال الأسعار، مقابل صمت الحكومة على تنامي التهريب والاحتكار وتستّرها على التجارة الموازية التي تمارسها اللوبيات"، بحسب تقديره. وأكد "الاتحاد" في بيان، "رفضه المطلق للالتزامات الأحادية التي تعهّدت بها الحكومة لدى الدوائر المالية العالمية"، محمّلاً "الحكومة والأطراف الداعمة لها المسؤولية في تردّي المناخ الاجتماعي". وأعرب عن "استعداد كافة النقابيين للدفاع عن مصالح الشغّالين بكلّ الطرق النضالية المشروعة".
وقال الأمين العام المساعد لـ"اتحاد الشغل"، محمد علي البوغديري، لـ"العربي الجديد"، إن "الاتحاد قرع أجراس الخطر لتنبيه الحكومة إلى خطورة قرارات الزيادات المتواترة في أسعار مواد حيوية في معيشة التونسيين"، معتبراً أن مواصلة نسق الزيادات قد يجر البلاد إلى أزمة اجتماعية عميقة". وأكد البوغديري أن "اتحاد الشغل يصر على حماية القدرة الشرائية للمواطنين التي تنهار يوماً بعد يوم، نتيجة زيادات مجحفة في الأسعار لم تقابلها سياسة حمائية للطبقات المتضررة". واعتبر أن "الاتحاد يقوم بدوره في تنبيه السلطات في البلاد إلى خطورة الوضع"، مشيراً إلى أن "المنظمة النقابية لم تدرس بعد خطواتها المقبلة بشأن القرارات التي قد تتخذها، في حال تواصل الوضع على ما هو عليه من استمرار الحكومة في استهداف قوت التونسيين لإرضاء صندوق النقد"، محملاً حكومة المشيشي "مسؤولية قراراتها الأحادية، وما قد يؤول إليه الوضع خلال الأيام المقبلة".
اتحاد الشغل: مواصلة الزيادات سيخلق أزمة اجتماعية عميقة
ويبدو أن خطأ المشيشي الأكبر هو اتخاذه لهذه القرارات الخطيرة من دون استشارة حزامه السياسي. وأكد رئيس كتلة "النهضة" في البرلمان، عماد الخميري، لـ"العربي الجديد"، أن "النهضة وكتلتها لا علم لهما بالزيادات التي أقرتها الحكومة، ولم يتم العودة إلى الحزام السياسي والبرلماني عند إقرار الزيادة"، مشيراً إلى أنه "بقطع النظر عن مبررات الحكومة، إلا أن تقديرنا أن هذا يتطلب التشاور مع الأطراف البرلمانية الداعمة لها". وبيّن الخميري أن من المسائل المتفق عليها هي "التشاور والحوار، لأنه بالحوار يتم وضع مختلف الأطراف في الصورة، وتكون فرصة لإبداء وجهات النظر". وفيما أكد أنه "لا يوجد أي شك بأن الوضع صعب ويحتاج إلى حلول"، لفت إلى أن "الحكومة أيضاً في وضع دقيق، ما يحتاج إلى إحكام التشاور ليتحمل الجميع المسؤولية". وأوضح أن "القصد من التشاور تحمل الجميع للمسؤولية، لأن الحكومة قد تكون مضطرة لمثل هذه الزيادات بسبب الظرف الاقتصادي والموازنات، ولكن هذا يحتاج إلى مزيد من النقاش". وأكد الخميري أن "لقاء سيجمع الكتلة برئيس الحكومة في إطار اللقاءات الدورية مع الأحزاب الممثلة في البرلمان، حيث سيتم تناول هذه الزيادات".