الحكومة الجزائرية تتعهد بمراجعة التشريعات الناظمة لحرية التعبير والإعلام وفق الدستور الجديد
تعهدت الحكومة الجزائرية بتحسين وضعية حريات الاجتماع والتعبير والتظاهر السلمي في المرحلة المقبلة، بعد مراجعة للتشريعات التي تنظم التعبير السياسي والمطلبي في الفضاء العام، والدعامات الإعلامية، لتتطابق مع مقتضيات الدستور الجديد الذي تم الاستفتاء بشأنه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، على الرغم من الانتقادات الحادة التي توجه إلى الحكومة من قبل القوى السياسية والمدنية والهيئات الحقوقية بشأن ما تعتبره هذه الأخيرة تضييقا قائما على الحريات في البلاد.
ووفقا لوثيقة بيان السياسة العامة التي سيطرحها رئيس الحكومة أيمن عبد الرحمن أمام نواب البرلمان في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وحصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، أعلنت الحكومة عن سلسلة تدابير تتعلق بمراجعة وتحيين القوانين ذات الصلة بممارسة الحريات السياسية والمدنية والإعلامية، بعد دخول الأحكام الدستورية الجديدة حيز التنفيذ، وأنه "من المقرر أن يتم إضفاء مرونة في ما يتعلق بطريقة إنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية، وممارسة حقوق الاجتماع والتظاهر السلمي، وتدابير تهدف إلى إقامة صحافة حرة ومسؤولة وإعلام موضوعي وذي مصداقية".
وأكدت الحكومة في سياق نفس التعهدات أنه "ستجرى مراجعة عميقة للإطار القانوني الذي يحكم هذه الحقوق، من خلال تعزيز ضمانات ممارسة حرية التظاهر السلمي كعمل من أعمال المواطنة التي تمارس بعيدًا عن كل أشكال العنف وفي ظل احترام قوانين الجمهورية"، مشيرة في سياق مراعاة التطورات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد إلى العمل على "تكييف الإطار القانوني الذي ينظم الاجتماعات العامة، التي ستصبح مستقبلا خاضعة لنظام التصريح (إبلاغ للسلطات فقط دون انتظار الترخيص) ومدعمة بحق الطعن (ضد أي منع من قبل السلطات) أمام الجهات القضائية المختصة"، واعتبرت أن "حرية الاجتماع والتظاهر السلمي تشكل القاعدة الأساسية للتعبير عن الحريات الديمقراطية التي ينص عليها أصلا القانون الأساسي (الدستور)".
وينص الدستور الجديد على أن يسمح للمواطنين والمجموعات بحق تنظيم التجمع والتظاهر، فقط بتقديم تصريح إلى السلطات يحدد تفاصيل التظاهرة ومسارها ومطالبها وتوقيتها والطرف المسؤول عنها، كما يسمح بحق إنشاء الجمعيات المحلية بمجرد إخطار السلطات. وينطبق الأمر نفسه على حق غنشاء الأحزاب والصحف، مع بعض التدابير الإضافية الضرورية.
وأعلنت الحكومة عن عزمها تسهيل طريقة إنشاء الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، عبر تقديم تصريح بإنشاء الجمعية، من دون الحاجة إلى الحصول على اعتماد رسمي من قبل السلطات، كما هو معمول به في الوقت الحالي، حيث تعهدت الحكومة "بتكييف وتحيين القانون المتعلق بالجمعيات وتعزيز ظهور مجتمع مدني حر، عبر تكريس مبدأ التصريح في مجال تشكيل الجمعيات، واعتماد آليات تمويل جديدة تتسم بالشفافية والفعالية، وتشجيع الشراكة بين الهيئات العمومية والحركة الجمعوية"، وإبراز ما وصفته بـ"مجتمع مدني حر وديناميكي، قادر على أداء دوره الكامل كمرافق ومقيِّم للعمل العمومي".
وبشأن ملف حرية الصحافة ووسائل الإعلام الحرة والمسؤولة، تفيد وثيقة بيان السياسة العامة بأنه تقررت "مراجعة الإطار التشريعي والتنظيمي المتعلق بقطاع الاتصال ومهنة الصحافة، بهدف موائمة عملها مع الدستور الجديد، وقصد تكريس صحافة حرة ومستقلة تحترم قواعد المهنة وأخلاقياتها وأدبياتها، بما يجعلها وسيلة للممارسة الديمقراطية، ومحمية ضد كل أشكال الانحراف، ستعكف الحكومة على مراجعة كافة النصوص القانونية في هذا المجال، لتشجيع تحرير الفضاء الإعلامي مع احترام قواعد الحوكمة".
لكن مجموع هذه التعهدات التي تسجلها الحكومة في وثيقة بيان السياسة العامة، وإن كان الدافع إليها التكيف مع الدستور، فإنها تبقى ضمن إطار الوعود السياسية، بالنظر إلى المسافة الفاصلة بين تكريسها وبين الواقع السياسي القائم في البلاد، حيث ما زالت قضايا الحريات ومنع التظاهرات وملاحقة الناشطين بتهمة التجمهر غير المرخص، أو بتهم تخص التعبير عن الرأي والمواقف السياسية المناوئة للسلطة، بما فيهم صحافيون، تطرح نفسها بحدة في الجزائر، خاصة في الفترة التي تلت الحراك الشعبي.
يقول الناشط الحقوقي ناصري أحمد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "مسألة الحريات في الجزائر لا ترتبط بالقوانين والدستور، بقدر ما ترتبط بممارسات السلطة ورفضها الإقرار بواجبات احترام مجموع الحريات الأساسية في الجزائر، حتى من دون تعديلها، تملك الجزائر قوانين ناظمة للحريات مقبولة، لكن الإرادة السياسية هي التي ما زالت غائبة، والدليل مثلا أن أحد بنود المادة 54 من الدستور تحظر تسليط عقوبة سالبة للحرية على قضايا الصحافة، ومع ذلك، وجدنا أن صحافيين تم توقيفهم".
وقبل أيام، كانت مجموعة أحزاب سياسية قد انتقدت ما قدّرت أنه تراجع لافت في مجال الحريات في الجزائر، خاصة بعد قرار السلطات حبس صحافي على خلفية مقال، فقد أعلنت حركة البناء الوطني، وهي من الحزام الحكومي الموالي للرئيس تبون، عن قلقها من المسألة.
وفقا لبيان لحركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان، هناك "تدهور خطير في مجال حقوق الإنسان بالجزائر عمومًا، وتدهور حرية الرأي والتعبير خصوصًا، بما لا يشرِّف صورة الجزائر الجديدة".
ودعا التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية إلى "إعادة تجميع القوى الديمقراطية والنقابات العمالية حول الحريات كأمر ضروري لوقف الانزلاق الحاصل في مسألة الحريات".