تعوّل حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، على الدور الذي يمكن أن يلعبه زعماء العشائر في مناطق شمال وغرب ووسط البلاد في ما يتعلق بحسم ملف النزوح، وذلك من خلال الاستفادة من تأثير زعماء القبائل، للمساهمة في إعادة ما تبقى من النازحين العراقيين الذين يقطنون المخيمات منذ سنوات.
وتواجه الحكومة عقبات غير تلك المتعلقة بسيطرة الفصائل المسلحة على بلدات محررة، وترفض الانسحاب منها وإعادة أهلها. إذ إن مهمة إعادة عشرات آلاف النازحين إلى مناطقهم الأصلية تتعثر أيضاً في محافظات عدة، مثل الأنبار وصلاح الدين، بسبب مشاكل عشائرية. ويُتهم أفراد من العائلات النازحة بجرائم نفذها تنظيم "داعش" ضد عائلات، أو عشائر أخرى، ما جعلهم يوضعون في خانة أزمات الثأر العشائري، التي تحتم عقوبات، من بينها النفي من المنطقة، ومنع عودة أقارب المتورط مع "داعش" في الجرائم التي نفذت خلال فترة سيطرته على مدن شمال وغربي العراق.
شهدت الفترة الماضية عدداً من حالات القتل بدافع الثأر لأفراد من أسر عادت إلى مناطق سكنها
وشهدت الفترة الماضية عدداً من حالات القتل من أفراد لأسر عادت إلى مناطق سكنها، على يد عائلات أو عشائر أخرى بدافع الأخذ بالثأر عن الذين قتلهم التنظيم في الفترة السابقة. وقد عرقل هذا الأمر جهود وزارة الهجرة العراقية لإتمام عملية إغلاق عدد من المخيمات في البلاد، وإجراء عمليات دمج فيما بينها، لأسر تعذرت عملية إعادتها إلى منازلها بفعل مشاكل وخلافات عشائرية.
وأكدت وزيرة الهجرة العراقية إيفان فائق جابرو، خلال حضورها مؤتمراً للصلح العشائري في محافظة الأنبار غربي البلاد السبت الماضي، أن إعادة النازحين تمثل أولوية مطلقة للحكومة. وأوضحت أن "السلطات ستعمل على دعم الحوارات العشائرية للمساهمة في العودة الكاملة لتلك الأسر". ووفقاً للمسؤولة العراقية فإنه "سيتم في المشاكل ذات البعد العشائري في ملف النازحين إشراك شيوخ العشائر في جهود الحكومة من أجل حلها"، معتبرة أن مناطق العراق المحررة بحاجة ماسة إلى السلام.
وحول تصريحات الوزيرة، قال العقيد في مديرية شؤون العشائر في وزارة الداخلية العراقية ببغداد أحمد الربيعي، لـ"العربي الجديد"، إن "إشراك زعماء العشائر والقبائل، والتوجه إلى حل الخلافات بشكل اجتماعي، أسهم في إعادة عشرات العائلات لغاية الآن إلى مناطقها، وذلك انطلاقاً من عدم الأخذ بجريرة الغير وألا تزر وازرة وزر أخرى". وأضاف أن "تورط أفراد من تلك العائلات بتنظيم (داعش) لا يعني أن كل العائلة متورطة، فهناك عمليات تبرؤ جماعي لكثير من العائلات التي تورط أبناء فيها (بالتنظيم). كما أن القانون العراقي رقم 111 لسنة 1968 واضح فيما يتعلق بعدم الأخذ بجريرة الغير". واعتبر أن التوجه الحكومي نحو شيوخ العشائر أسهم في حلحلة الأزمة، خاصة وأن التوجه العام هو تقليل عدد النازحين في البلاد إلى أقل حد ممكن، قبل إجراء الانتخابات، التي حددت الحكومة العراقية لها موعداً في السادس من يونيو/ حزيران المقبل.
وقال رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي، رعد الدهلكي، لـ"العربي الجديد"، إن "التوجه الجديد لحكومة مصطفى الكاظمي، في إشراك العشائر بجهود المصالحة لإعادة النازحين يعتبر خطوة مهمة، كان ينبغي أن تقوم بها منذ فترة". وأضاف أن "شيوخ العشائر مطالبون بتهدئة الأوضاع من أجل فتح الآفاق لعودة النازحين دون خوف على مصير العائدين"، متحدثاً عن تراجع أعداد النازحين في البلاد بنسب كبيرة.
وفسّر الدهلكي إصرار بعض النازحين على البقاء في المخيمات بـ "غياب الضمانات لأمنهم في حال عودتهم"، متوقعاً أن يساهم تدخل العشائر لتهدئة الأوضاع في تقليص أعداد النازحين بنسبة كبيرة. ولفت إلى أن نجاح مهمة الصلح مع العشائر سيسهم في تعزيز المطالبة بإعادة النازحين للمدن التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، مثل جرف الصخر وغيرها.
الدهلكي: شيوخ العشائر مطالبون بتهدئة الأوضاع من أجل عودة النازحين
من جانبه، أكد العضو السابق في لجنة شؤون المصالحة في البرلمان العراقي عدنان الدنبوس، وجود توجه جديد لحكومة الكاظمي للاستعانة بزعماء العشائر لحل المشكلة المتعلقة بالنازحين. وقال، في حديث لـ"العربي الجديد": "حتى الآن يمكن القول إذا لم يصطدم زعماء العشائر بإرادات خارجية ومليشياوية في بعض المناطق فإن مساعيهم ستكون موفقة في مهمة إعادة النازحين"، مستدركاً "لكن في بعض المناطق لم يتمكن السكان من العودة بسبب إرادات خارجية، وتدخلات غير منطقية في الشأن العراقي". واعتبر أن "شيوخ العشائر لا يمتلكون سلطة تنفيذية، بل لديهم تأثير اجتماعي على الناس. وإذا اتفقت الحكومة معهم، فإن الأمور ستسير بالاتجاه الصحيح، ويتبدد الخوف لدى العائدين إلى منازلهم من حصول عمليات ثأر".
وحول التوجه الحكومي الجديد، قال الخبير بالشأن العراقي محمد التميمي إن "لجوء الحكومة، ولاسيما وزارتي الهجرة والداخلية، إلى زعماء العشائر، لتهيئة الأجواء من أجل عودة النازحين الذين تلتف حولهم مشاكل العشيرة والثأر، قد يكون أحد وجوه ضعف الدولة، التي لم تضمن أن يوفر القانون ولا القوات الأمنية الحماية لتلك العوائل في حال عودتها". وأضاف التميمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إغلاق ملف النازحين يبقى أحد مطالب الأمم المتحدة في ملف إجراء الانتخابات المقنعة والنزيهة، وإعادة تطبيع الأوضاع في المدن المحررة، إلى ما كانت عليه سابقاً. ورغم أن ملف الخلافات العشائرية لا يحمل أي بعد طائفي أو توجه لمليشيات مسلحة، لكون الخلاف محصورا داخل نطاق عشائري بحت، فإن إغلاقه بات ضرورة للحكومة".