لا يبدو أن سياسيي إسبانيا من مختلف الأحزاب يولون في حملاتهم الانتخابية اهتماماً للتغيرات المناخية القاتلة في بلدهم، وهم يسلطون الأضواء على التحذير من خصومهم، قبل انتخابات عامة يوم الأحد المقبل.
وبينما تضرب موجات الحر عموم البلاد، وخاصة في كتالونيا والأندلس اللتين تشهدان موجة جفاف وارتفاع درجات الحرارة، تؤثر بصورة مباشرة على قطاعات زراعية حيوية، يستمر الضرب تحت الحزام سياسياً، بين اليسار واليمين.
فزعيم اليمين القومي المتشدد من حزب "فوكس" سانتياغو أباسكال، منشغل بتقديم روايات تتهم رئيس الحكومة الاشتراكي بيدرو سانشيز، بالتحالف مع "الإرهابيين"، ويقصد بذلك الانفصاليين في إقليمي الباسك وكتالونيا.
من ناحيته، يراهن زعيم يمين الوسط من حزب "الشعب" المحافظ، ألبرتو نونيز فيخو، على فوز حزب اليمين القومي المتطرف "فوكس" بنحو 14% من الأصوات، للتحالف معه في تشكيل حكومة شبيهة بحكومة إيطاليا بزعامة جورجيا ميلوني، فيما يسلّط سانشيز الضوء على خطورة وصول "فوكس" إلى الحكم مع حزب "الشعب".
ووفقاً للاستطلاعات الأخيرة، فإن الاشتراكيين لن يحصلوا على أكثر من 28%، و"الشعب" سيحصل على نحو 34%، وسيحتاجان للتحالف مع أحزاب أخرى في أقصى اليمين واليسار، من أجل تشكيل حكومة.
التغير المناخي أولوية الناخب لا المرشحين
في الأسابيع الأخيرة، استشعر الشارع الإسباني حقيقة نتائج ارتفاع درجات الحرارة بشكل جنوني، مع موجات جفاف تاريخية تُظهر اختفاء المياه في البحيرات، والأنهار، وانتشار الحرائق التي تلتهم أجزاء واسعة من الغابات، وبصورة خاصة في جنوبي البلد، حيث يغرف اليمين المتطرف، "فوكس"، أصوات الناخبين.
القطاع الزراعي يبدو في حالة مهزومة تماماً أمام التغيرات المناخية. وتكرّر موجات الاحترار في السنوات الأخيرة لم يغيّر ساكناً لدى أقصى اليمين القومي المتشدد، فهو يعتبر كل حديث عن تلك التغيرات مجرد مؤامرة، وهو أحد ناكري قضايا المناخ.
ويبدو أن قدومه إلى تحالف مع "الشعب" في السلطة المقبلة بعد الانتخابات يهدّد بإبطاء ما أنجزته إسبانيا على مستوى مواجهة التحديات المناخية، وسياسة التحول الأخضر، وإنتاج الطاقة المستدامة، بحسب ما ذهب إليه الباحث في التغيرات المناخية في جامعة "أليكانتي"، خورخي أولسينا، وفق ما نقلت عنه يومية إنفورماسيون الدنماركية، اليوم الأربعاء.
غاب إذاً النقاش حول تأثيرات التغيرات المناخية، حتى في المناظرة التلفزيونية الوحيدة بين سانشيز وفيخو. وحتى مع تسجيل ارتفاع الحرارة بشكل متكرر سنوياً، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية في الأسبوع الماضي، أن درجة حرارة سطح الأرض في جنوب غربي البلد في إكستريمادورا وصلت إلى 60 درجة مئوية، لا يبدو أن الطبقة السياسية اهتمت بوضع الأمر على أجندتها الانتخابية، رغم أن الاشتراكي سانشيز يُعدها أولوية.
ويعتقد الناخبون أن يسار ويسار الوسط أكثر اهتماماً بقضايا المناخ، وذلك دون يقين من أن تؤدي الموجات الأخيرة إلى تغيير حاسم في نتائج الاستطلاعات لمصلحة ذلك المعسكر، والتي تظهر تأييد حوالي 28 في المائة لحزب سانشيز و14 في المائة لتحالف اليسار.
فالإسبان يتأثرون سنوياً، وبشكل مباشر، بما تجلبه موجات الحر الشديدة، إذ نشر باحثون من معهد برشلونة للصحة العالمية، في 10 يوليو/تموز الجاري، دراسة تظهر أن أكثر من 11000 إسباني ماتوا بسبب الطقس الحار بين نهاية مايو/أيار وبداية سبتمبر/أيلول من العام الماضي.
أضف إلى ذلك أن الجفاف تسبب في جعل إسبانيا هشة، وأراضيها قابلة للاشتعال بصفة دورية، لدرجة أن 300 ألف هكتار اجتاحتها النيران، وأدى انخفاض كميات الأمطار، خاصة في الأندلس وكتالونيا، إلى نقص واسع في المياه. وفرضت أخيراً السلطات قيوداً مشددة على وصول القطاع الزراعي إلى الموارد المائية.
وحذرت منظمة الزراعة الوطنية "سي. أو. أي. جي." في مايو/أيار الماضي، من أن الجفاف الذي طال أمده في البلاد، تسبب في "أضرار لا يمكن إصلاحها"، في أكثر من خمسة ملايين هكتار من الأراضي الزراعية. وسجل العام الماضي انخفاضاً في إنتاج زيت الزيتون بنسبة 55 في المائة، بينما الأمر يسير هذا العام نحو كارثة، وفقاً لأرقام وزارة الزراعة في مدريد.
واعترفت وزيرة التحول البيئي، تيريزا ريبيرا بأن التغير المناخي "الذي يصنعه الإنسان، بات يضع إسبانيا في وضع صعب".
ومع ذلك، لم تحتل التغيرات المناخية مكانة متقدمة في السجالات، بينما احتلت مكانة مهمة لدى الشارع. وأظهرت استطلاعات لمصلحة "بنك الاستثمار الأوروبي" أن 83% من الإسبان يعتبرون أنفسهم قلقين بشأن التغير المناخي. وأفاد 9 من أصل 10 أنهم قلقون للغاية بشأن الجفاف، ويقر أكثر من نصفهم بأن التغير المناخي من صنع الإنسان.
صحيح أن إسبانيا أحرزت تقدماً في مجال مكافحة التغيرات المناخية، في سبيل أن تصبح في 2050 محايدة مناخياً، فهي على سبيل المثال أنتجت في 2022 نحو 40% من الكهرباء باستخدام الطاقة المتجددة، واحتلت المرتبة الثانية في أوروبا لناحية استخدام طاقة الرياح المركبة على شكل توربينات حول البلد. لكن، يبدو أن اليمين واليمين القومي المتشدد، أخذا الانتخابات نحو تسليط الضوء على القومية، وأهمية مكافحة الانفصالية (خصوصاً في الباسك وكتالونيا)، وطرح شعارات "دولة قوية"، و"حماية الدولة القومية الإسبانية"، مع وعود بتخفيض الضرائب، ومعارضة الهجرة، وإعادة مصارعة الثيران، ومكافحة المثلية الجنسية، وتشريعات المساواة.
وتبقى حرارة الجو أعلى بكثير من حرارة وعود الاشتراكيين واليسار المناخية، في ظل تزاحم إعلامي ودعائي كبير من قبل "الشعب" و"فوكس" للتخلص من حكم اليسار، المتهم بمعارضته لوحدة وقومية البلد، ومن دون أن يعني ذلك أن درجات الحرارة المرتفعة بجنون ستقدم يقيناً، شيئاً مختلفاً لتحالف يسار ويسار الوسط يوم الأحد المقبل.