يستعد العراق، الأربعاء المقبل، لبدء جولة جديدة من اجتماعات "الحوار الاستراتيجي"، مع الولايات المتحدة، هي الثالثة من نوعها في غضون أقل من عام، وقالت السفارة الأميركية في بغداد، في وقت سابق، إنها ستجري افتراضياً عبر الإنترنت، بين مسؤولين من البلدين، وضمن إطار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة عام 2008 بين الدولتين. وكانت جولة الحوار الأولى قد انطلقت منتصف يونيو/حزيران من العام الماضي، وجرت عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، شارك فيها مسؤولون من وزارة الخارجية والدفاع في كلا البلدين. أما الجلسة الثانية فعقدت في واشنطن خلال زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مع وفد رفيع، العاصمة الأميركية، في أغسطس/آب الماضي. وترأس الكاظمي يومها جلسة المفاوضات، والتي ركزت حينها على ملف الأمن والاستقرار في العراق، والدعم الصحي لبغداد، إضافة إلى بحث مسألة الوجود العسكري الأميركي في العراق، وهو ما نتج عنه لاحقاً تخفيض عديد القوات الأميركية من 5500 عسكري إلى قرابة 2500.
الجلسة الجديدة المرتقبة، هي الأولى خلال إدارة الرئيس جو بايدن
وتعتبر الجلسة الجديدة المرتقبة، هي الأولى خلال إدارة الرئيس جو بايدن، ومن المنتظر أن تطغى ملفات الأمن ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد والطاقة، والتعاون في مجال التمكين الصحي للعراق، على أجواء هذه الجلسة، التي يشارك فيها حتى الآن، وفقاً لتسريبات، وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى جانب مسؤولين في وزارتي الدفاع والداخلية والأمن الوطني ومستشارين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي: "نتطلع إلى تجديد حوارنا الاستراتيجي مع الحكومة العراقية خلال شهر إبريل/نيسان (الحالي). ستكون هذه فرصة مهمة لمناقشة مصالحنا المشتركة عبر مجموعة من المجالات، من الأمن إلى الثقافة والتجارة والمناخ". وأضافت: "ستوضح الاجتماعات أن طبيعة قوات التحالف الموجودة في العراق، فقط لغرض تدريب وتقديم المشورة للقوات العراقية، لضمان عدم تمكن تنظيم داعش، من العودة. كما أنّ الولايات المتحدة ملتزمة، أولاً وقبل كل شيء، بسيادة العراق. ونتطلع إلى هذه المناقشات المهمة مع القادة العراقيين حول مستقبل شراكتنا، على النحو المبين في اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين بلدينا".
وبحسب مصادر حكومية عراقية في بغداد، تحدثوا مع "العربي الجديد" فإن المسؤولين العراقيين سيعقدون اجتماعاً عصر اليوم الأحد، لبحث أبرز الملفات التي ستتم مناقشتها والاتفاق عليها، وسط ضغوط من القوى السياسية والفصائل المسلحة الحليفة لإيران، لتضمين بند حول المطالبة بإخراج القوات الأميركية، وإنهاء دور التحالف الدولي في العراق. وهو ما ترفضه حكومة الكاظمي، وتعتبر أن البلاد ما زالت بحاجة للدعم الغربي. كما تتحفظ قوى سياسية كردية وعربية سنية على الضغوط بشأن إخراج القوات الأجنبية من العراق، وتعتبرها ناجمة عن إرادة إيرانية وليست عراقية وطنية.
من جهته، قال مسؤول رفيع في الخارجية العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "الملف الأمني سيتصدر اللقاء المتوقع أن يستمر لثلاث ساعات افتراضياً، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، ويشارك به مسؤولون من كلا البلدين". وأوضح أنّ "العراق لن يطالب برحيل القوات الأميركية أو إنهاء دور التحالف الدولي، كما ترغب بعض القوى السياسية، لكن سيكون هناك بحث بشأن وضع إطار زمني للوجود الأجنبي ووضع برنامج استشاري للتدريب والدعم بعيداً عن أي دور قتالي لتلك القوات، مع الإبقاء على الغطاء الجوي للتحالف الدولي".
الملف الأمني سيتصدر اللقاء المتوقع أن يستمر لثلاث ساعات افتراضياً
وبحسب المصدر ذاته، فإنه "على العكس، هناك مخاوف عراقية حكومية من أن يكون المزاج الأميركي لإدارة بايدن غير متمسّك كثيراً بمسألة الدعم العسكري للعراق، على غرار ما حصل في السعودية، وأن ينتهي الأمر إلى تقليل برنامج الدعم عموماً، خصوصاً مع التهديدات التي تواجها القوات الأجنبية عامة والأميركية خصوصاً في العراق من قبل الفصائل المسلحة".
في السياق، اعتبر نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، ظافر العاني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحوار الأميركي العراقي المنتظر، يهدف لاستكشاف نوايا الطرفين، والتعرف على أولويات العلاقة وكيفيتها، ومدى نية العراق استغلال العروض الأميركية، كما أنه يمثل مرحلة من مراحل ترتيب الأوراق للطرفين". وأوضح أنّ "الملف الأمني هو أبرز الملفات، والأطراف العراقية ليست لديها رؤية واحدة بشأنه. فهناك قوى الدولة التي لديها تفهم لحاجات العراق وأولوياته في التعاملات الأمنية والعسكرية وأهميتها مع الولايات المتحدة، وهناك قوى اللا دولة وهي الفصائل الموالية لإيران التي تريد أن تكون حاضرة ضمن فريق التفاوض، ليس لأجل العراق، بل لطرح وجهة النظر الإيرانية التي تسعى إلى إخراج القوات الأجنبية. وفي الحقيقة، فإنّ العراق بحاجة إلى معونة أصدقائه الدوليين، ومساعدات أمنية وعسكرية من المجتمع الدولي والولايات المتحدة".
في المقابل، قال عضو تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، في البرلمان، مختار الموسوي، إنّ "المفاوض العراقي عليه أن يكون حازماً تجاه ملف إنهاء الوجود الأميركي، ومراعاة الرغبة البرلمانية التي قضت بإنهاء هذا الوجود، ومنع تحقيق أي مصالح أميركية يرفضها الشعب العراقي". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هناك مماطلة من قبل الجانب الأميركي بملف إنهاء وجود قواته في العراق، تحت عناوين وأعذار باتت مكشوفة، ومنها التهديد الإرهابي الذي يشكله تنظيم "داعش". ولكن العراق لم يعد بحاجة إلى أي اتفاق أمني مع الولايات المتحدة بعد أن بات لديه قوات أمنية ذات خبرة وأسلحة متطورة وأعداد كبيرة، ونحن سنتابع هذه المناقشات ولن نقبل بأي تجاوز على سيادة العراق".
الجديد في هذه المرحلة من المباحثات والمناقشات بين العراق وأميركا، وجود الديمقراطيين في الحكم
أما جواد الطليباوي، القيادي في جماعة "عصائب أهل الحق"، وهي فصيل مسلح قريب من إيران، فرأى أنّ الولايات المتحدة "لا تريد من هذا الحوار سوى مصالحها، وخدمة الكيان الصهيوني، من خلال حجج الإعمار وتطوير البنى التحتية العراقية وتقديم الخدمات". واعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الإدارة الأميركية تسعى لتفكيك الحشد الشعبي، وتريد من حكومة الكاظمي أن توافق على بقاء، بل وانتشار، القوات الأميركية في البلاد"، محذراً من أنهم "لن يسكتوا على ذلك".
بدوره، رأى رئيس "مركز التفكير السياسي" في بغداد، إحسان الشمري، أن "الجديد في هذه المرحلة من المباحثات والمناقشات بين العراق وأميركا، وجود الديمقراطيين في الحكم، وهو ما سيُحدد طبيعة التعامل الأميركي الجديد مع العراق، على أن يتضح عقب المناقشات، موقع العراق بين الملفات الأميركية". واستبعد الشمري في اتصال مع "العربي الجديد"، أن يكون هذا الحوار "خطوة باتجاه المزيد من الابتعاد العراقي عن العلاقة مع الولايات المتحدة، كما حصل في سنوات سابقة"، مشيراً كذلك إلى أن "أبرز الملفات التي ستكون حاضرة، هي المرتبطة بالوضع الأمني، لكن المفاوض العراقي سيطرح ملفات أخرى أيضاً، منها ما يتعلق بالصحة والطاقة".