استمع إلى الملخص
- الحكومة اليمنية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية أعربوا عن قلقهم إزاء الاعتقالات، معتبرينها انتهاكًا للقانون الدولي وتهديدًا للعمل الإنساني وتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن.
- استجابة للوضع، دعت الحكومة اليمنية المنظمات الدولية لنقل مقارها إلى عدن، وسط نفي الحوثيين لوجود اعتقالات سياسية واستمرار الانتقادات الدولية لممارساتهم.
بلغت حملة الاعتقالات التي تنفذها جماعة الحوثيين في اليمن بحق عاملين في مجال الإغاثة ذروتها أخيراً، إذ منذ الخميس الماضي، نفذ جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين حملة اختطافات بحق أكثر من 50 موظفاً في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية في محافظات صنعاء والحُديدة وصعدة وعمران، شمالي البلاد. وكان الحوثيون يعتقلون موظفين أمميين وإغاثيين على مدى السنوات الماضية، في سياق تضييقهم الخناق على عمل المنظمات الدولية والمحلية واستهداف العاملين فيها بتهم جاهزة ومتكررة أبرزها تهمة التخابر.
وقال وزير حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، أحمد عرمان، في حديث صحافي، إنه حتى مساء أول من أمس الجمعة، "عدد المختطفين بلغ 50 موظفاً بينهم 18 موظفاً من الأمم المتحدة، ومن بين الموظفين المعتقلين أربع نساء، إحداهن اعتُقِلَت مع زوجها وأطفالها". واختُطف العاملون في المنظمات بعد مداهمة منازلهم، والتحقيق معهم داخلها، ومصادرة جوالاتهم وحواسيبهم قبل اقتيادهم على متن مركبات عسكرية إلى جهاز الأمن والمخابرات.
نبيل عبد الحفيظ ماجد: عدد المختطفين قابل للتزايد
من جهته شدّد وكيل وزارة حقوق الإنسان، نبيل عبد الحفيظ ماجد، لـ"العربي الجديد"، على أن الوزارة "لا تزال تتابع قضية الاختطافات المستمرة، إذ بلغ عدد المختطفين 50 شخصاً، والعدد قابل للتزايد، ولا تزال تتابع الأمر مع مكتب المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، ولذا لم يصدر أي موقف حتى الآن من قبل المنظمات نتيجة استمرار الاختطافات". واعتبر أن "استهداف جماعة الحوثيين للعاملين في المنظمات الدولية يأتي استكمالاً لحملة الاستهداف التي طاولت العاملين في هذه المنظمات طوال السنوات الماضية".
وفي السياق قال قريب أحد المختطفين، لـ"العربي الجديد" طالبا عدم الكشف عن هويته، إن "جماعة مسلحة من جهاز الاستخبارات والأمن توجهت صباح الخميس الماضي إلى منزل قريبي الذي يعمل في إحدى المنظمات، حيث يسكن مع عائلته، وكان قريبي قد ذهب إلى عمله"، وأضاف أن الحوثيين تركوا بعض أفرادهم في المكان، ثم "توجهوا إلى مقر عمل قريبي وأعادوه للمنزل الذي فتشوه بدقة، وأخذوا أجهزة لابتوب وهواتف ومبالغ مالية". واعتبر أن "هذا العمل ليس له ما يبرره، فقد أخذوا كذلك مجموعة من العاملين في المنظمات نشرت أسماؤهم في مواقع عدة، وهي رسالة من الحوثيين للمنظمات الدولية وبكل وقاحة، تهدف لخلق أجواء من الرعب والخوف وهذا ديدن الحوثيين". ورأى أن "على المنظمات الدولية أن تكون حازمة مع تصرفات كهذه، أو تنقل مقارها من صنعاء".
وفي هذا الصدد قال رئيس مؤسسة مسار للتنمية وحقوق الإنسان اليمنية، المحامي ذي يزن السوائي، لـ"العربي الجديد"، إن "اختطاف الموظفين العاملين في المنظمات الأممية العاملة في المجال الإنساني في اليمن، يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان وكل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالشأن الإنساني أثناء النزاعات والحروب".
وأضاف أن هذه التصرفات والممارسات "تهدد بوقف العمل الإنساني في اليمن وتعمل على تفاقم الأزمة ومعاناة الشعب اليمني الذي يعاني أصلاً أزمة إنسانية غير مسبوقة بسبب الحرب التي شنتها جماعة الحوثيين بحق الشعب اليمني والحكومة الشرعية". وأشار السوائي إلى أن هذه الحملة من الاعتقالات والاختطافات "تأتي بعد دعوة الشرعية المنظمات الدولية إلى نقل مقارها من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن". وأضاف أنه "تمت الاستجابة لهذه الدعوة من قبل بعض المنظمات، مما دفع جماعة الحوثيين لاستخدام هذه الانتهاكات والممارسات غير الإنسانية، وأسلوب الترهيب باختطاف الموظفين، للضغط على هذه المنظمات للبقاء في صنعاء، رغم القيود المفروضة عليها وعلى موظفيها من قبل هذه الجماعة".
كان الحوثيون يعتقلون موظفين أمميين وإغاثيين بينما كانت الحكومة قد دعت في فبراير/ شباط الماضي، المنظمات الدولية والإقليمية لنقل مقارها الرئيسية من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، جنوبي البلاد. كما كشف نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي اليمني نزار باصهيب، في إبريل/ نيسان الماضي، أن مكتب الأمم المتحدة الإنمائي والوكالات التابعة له نقلت مكاتبها الرئيسية إلى عدن، كما فتحت مكاتب لها في المناطق المحررة للإشراف على تنفيذ المشاريع الإنسانية والتنموية". وأوضح أن عدد المنظمات الدولية العاملة في اليمن "يصل إلى 122 منظمة أممية وغير حكومية، منها 107 منظمات فتحت مكاتب لها في عدن استجابة لدعوة الحكومة اليمنية".
بالمقابل قال عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثيين، حزام الأسد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لا توجد اعتقالات سياسية كما يروج لها أبواق العدوان"، مضيفاً أن "أي إجراء أمني تقوم به الجهات الأمنية المختصة هو في إطار مهامها المنوطة بحفظ الأمن والسكينة للمواطنين". ولفت إلى أنه "دائماً تحال القضايا المضبوطة للجهات القضائية الرسمية سواء ما هو متعلق بالأمن العام أو بقضايا الحقوق الشخصية".
الحوثيون يعتقلون موظفين أمميين وإغاثيين
وبينما كان الحوثيون يعتقلون موظفين أمميين وإغاثيين قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، لصحافيين أول من أمس، إن "سلطات الأمر الواقع التابعة للحوثيين احتجزت 11 موظفاً تابعاً للأمم المتحدة يعملون في اليمن". وأضاف: "نحن نتابع كل القنوات المتاحة لضمان الإفراج الآمن وغير المشروط عنهم جميعاً في أسرع وقت ممكن". ولفت إلى أن المنظمة تسعى "للحصول على توضيحات" من سلطات الحوثيين في ما يتعلق "بظروف هذه الاعتقالات والأهم من ذلك ضمان الوصول الفوري إلى موظفي الأمم المتحدة هؤلاء"، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة تستطلع "كل القنوات الممكنة للتوصل إلى إفراج غير مشروط عن جميع هؤلاء الأشخاص في أسرع وقت".
دوجاريك: امرأتان وتسعة رجال، احتُجزوا خلال الأيام الثلاثة الماضية في محافظات عدة
وبحسب قوله، فإن هؤلاء هم امرأتان وتسعة رجال، احتُجزوا خلال الأيام الثلاثة الماضية في محافظات حجة والحُديدة وصعدة وصنعاء. ويعمل ستة منهم لصالح مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والخمسة الآخرون لخمس وكالات مختلفة هي: يونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)، ويونيسف (منظمة الأمم المتحدة للأطفال)، وبرنامج الأغذية العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكتب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ.
ووفقاً لبيان صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية، أول من أمس، فإنه "في إحدى الحالات، احتجز الحوثيون أيضاً زوج امرأة تعمل في منظمة يمنية في المجتمع المدني وطفليها البالغين من العمر ثلاث سنوات، وتسعة أشهر". كذلك ذكر مصدر دبلوماسي لوكالة فرانس برس طلب عدم ذكر اسمه، أن أكثر من عشرة عاملين إغاثيين بينهم موظفون في الأمم المتحدة، احتجزوا الخميس الماضي.
من جهتها كشفت منظمة ميون لحقوق الإنسان والتنمية عن اختطاف الحوثيين 18 من العاملين في المنظمات الدولية والمحلية، مضيفة في بيان أول من أمس، أن مليشيا الحوثي اختطفت موظفاً واحداً من يونيسف، وستة من المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وواحداً من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وآخر من برنامج الأغذية العالمي، إلى جانب موظف من مكتب غروندبرغ وآخر من منظمة إنقاذ الأطفال، وثلاثة موظفين من مؤسسة الاستجابة للإغاثة والتنمية (RRD) وهي مؤسسة مجتمع مدني يمنية. كما اختطفت اثنين من منظمة أوكسفام، وموظفا من منظمة مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية "كير"، وموظفة من مؤسسة الصندوق الاجتماعي للتنمية، وهي مؤسسة يمنية حكومية". ودانت منظمة ميون "هذا التصعيد الخطير الذي يشكل انتهاكاً لامتيازات وحصانات موظفي الأمم المتحدة الممنوحة لهم بموجب القانون الدولي"، معتبرة إياها "ممارسات قمعية شمولية ابتزازية للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية".
وبحسب المعلومات المتوفرة، فالمختطفون من العاملين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان هم: رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات وضاح عون، ومنسق المفوضية بمحافظة حجة إبراهيم زيدان، وفراس الصياغي ومحمد الشامي ومحمد أبو شعراء، والمنسقة الميدانية في محافظة الحديدة سميرة بلس. أما المختطفون من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فهم ثلاثة موظفين محليين، والمختطفون من منظمة المعهد الديمقراطي الوطني، الأميركية هم: رئيسة قسم المعلومات رباب المضواحي، ومراد ظافر، وموظفان اثنان آخران.
والمختطفون من الصندوق الاجتماعي للتنمية هم: نائب مدير عام الصندوق وسام قائد (يحمل الجنسية البريطانية)، ورئيس قسم المعلومات محمد ذمران، فيما اختطف سامي الكلابي من مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن. أما أبرز المختطفين من منظمات أخرى فهم: نائب المدير التنفيذي لمنظمة شركاء اليمن الدولية عبد الحكيم العفيري، ومدير البحوث والسياسات العامة في مؤسسة رنين، عاصم العشاري، والمديرة التنفيذية للائتلاف المدني للسلام سارة الفائق، ومحمد العاقل، وسامي جمال.
اعتقالات متواصلة
الحوثيون يعتقلون موظفين أمميين وإغاثيين منذ سنوات، وكانت جماعة الحوثيين أقدمت أواخر مايو/ أيار الماضي، وعبر المحكمة المتخصصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة، على إصدار حكم بالإعدام بحق عدنان الحرازي، مدير ومالك شركة برودجي سيستم (Prodigy Systems) ومركزها الرئيس في صنعاء، بذريعة التعاون مع دول معادية. وبينما كان الحوثيون يعتقلون موظفين أمميين وإغاثيين فقد جاء حكم المحكمة بإعدام الحرازي تعزيراً (بغرض التأديب)، ومصادرة أمواله وكل ممتلكات الشركة وأرصدتها المالية، بعد عام ونصف العام من اختطافه واحتجازه تعسفياً، بذريعة تعاقد الشركة مع منظمات دولية وهيئات حكومية بأنها "طرف ثالث".
واقتحمت جماعة الحوثيين مطلع يناير/كانون الثاني 2023، "برودجي سيستم" وصادرت أجهزة الكمبيوتر والسيرفرات التي تحتوي على بيانات النازحين والمتضررين من الحرب في مختلف المحافظات. كما سطت على أرصدتها المالية، وسرحت 300 من موظفيها، وألف شخص يعملون باحثين ميدانيين لدى الشركة بالأجر اليومي. وتعمل "برودجي سيستم" بتصريح رسمي في مجال أنظمة تقييم ومتابعة المشاريع المتعلقة ببرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة يونيسف، ومنظمات إغاثية أخرى.
الحوثيون يعتقلون موظفين أمميين وإغاثيين في حملة جديدة، فيما يواصلون اعتقال ثلاثة من موظفي الأمم المتحدة، اختطفتهم خلال الأعوام السابقة، منهم اثنان منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وآخر منذ أغسطس/ آب 2023، و11 من موظفي السفارة الأميركية لدى اليمن والوكالة الأميركية للتنمية، المحليين السابقين والحاليين، منذ قرابة عامين ونصف العام. وكان جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين، أقدم في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على تصفية هشام الحكيمي الموظف في منظمة أنقذوا الأطفال "save the Children"، تحت التعذيب بعد قرابة شهرين من اختطافه.