فتحت زيارة رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، أمس الاثنين، إلى العاصمة العراقية بغداد، وعقده سلسلة مباحثات مع نظيره العراقي محمد شياع السوداني إلى جانب مسؤولين بالحكومة، الباب مجدداً أمام مشروع أنبوب نفط البصرة ـ العقبة الذي تقابله فصائل مسلحة وأحزاب حليفة لإيران بالرفض وتمانع أي خطوات عملية لتنفيذه تحت حجج مختلفة، من بينها إمكانية وصول النفط العراقي إلى الاحتلال الإسرائيلي.
وترأّس الخصاونة وفداً حكومياً أردنياً إلى بغداد، وأجرى سلسلة من الاجتماعات المكثفة داخل المنطقة الخضراء مع قيادات حكومية مختلفة، بمشاركة وزراء أردنيين وعراقيين.
وأصدرت كل من بغداد وعمّان بياناً ختاميّاً عقب الاجتماعات، أكّدتا فيه حزمة من المقررات والتفاهمات بين البلدين الجارين، صبّت في الغالب على جوانب الأمن وقضايا الاقتصاد والطاقة.
ومن جملة قضايا تطرق إليها البيان، كان لافتاً إعلان الطرفين عن بحث آخر المستجدات في ما يخص مدّ خط أنبوب لتصدير النفط العراقي عبر أراضي الأردن من ميناء العقبة، كمنفذ إضافي لتصدير النفط العراقي عبر الأراضي الأردنية، والترحيب بتمديد مذكرة التفاهم لتزويد الجانب الأردني بالنفط العراقي ودراسة إمكانية زيادة الكمية المجهزة من النفط، بحسب الإمكانات الفنية واللوجستية.
ويتضمن المشروع مد أنبوب بطول 1665 كيلومتراً، من حقول البصرة أقصى جنوبي العراق إلى ميناء العقبة الأردني، بطاقة تصدير أوليّة تبلغ مليون برميل يومياً. كذلك يمنح العراق الجانب الأردني حقّ شراء 150 ألف برميل يومياً بسعر مخفض عن الأسعار العالمية للنفط.
وهذا هو الموقف الأول من نوعه الذي يصدر عن رئيس الوزراء العراقي حيال المشروع النفطي، ويعارضه حلفاء إيران داخل العراق، إذ لوّحت بعض الفصائل المسلحة باستهدافه عسكرياً حال تنفيذه.
وجدد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال مؤتمر صحافي مشترك مع بشر الخصاونة مساء أمس، التأكيد أنّه جرى الاتفاق على تفعيل مخرجات القمة الثلاثية بين مصر والأردن والعراق التي عُقدت عام 2020، وأبرزها الاتفاق على مدّ أنبوب النفط.
واليوم الثلاثاء، قال المستشار في الحكومة العراقية سبهان الملا جياد، في تعليق له على حزمة الإعلانات العراقية الأردنية المشتركة، إنّ "العلاقة مع عمّان مهمة جداً وتاريخية"، معرباً عن اعتقاده بتنفيذ أنبوب نفط البصرة - العقبة رغم الاعتراضات الداخلية.
وشدّد الملا جياد على أن "الفشل مع الأردن سيعني الفشل مع مصر أيضاً".
وقال جياد، في تصريحات أوردتها وسائل إعلام محلية عراقية: "هناك اعتراضات على إنشاء أنبوب نفط البصرة العقبة. فعلياً هذا الأنبوب مهم وسيُنفذ، ربما ليس الآن لكن بعد سنتين أو ثلاث، فتعدّد منافذ بيع النفط للعراق يصب في مصلحة البلاد، ربما الجيرة بين إسرائيل والأردن تكون حجة لبعض القوى، لكن طبيعة الصراع في القرن الـ20 تختلف عن الـ21. هناك تحولات الآن، ودول العالم اهتمت بالاقتصاد أكثر".
وأضاف أن الأردن "هو حلقة الوصل إلى مصر، وما لم تظهر الجدية في تنفيذ المشاريع معها، سيصعب الوصول إلى مصر".
وقال عضو بارز في البرلمان العراقي عن التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي"، لـ"العربي الجديد"، إن هناك تبايناً بين السوداني ورؤساء كتل داخل التحالف تجاه مشروع البصرة - العقبة.
وأضاف، طالباً عدم الكشف عن هويته، أنّ المشروع خضع للدراسات مرات عدة، وثبت أنّه يعطي العراق مرونة أكبر في تصدير نفطه. وقال: "ستكون لدينا ثلاثة منافذ عالمية عبر الخليج العربي وعبر ميناء جيهان التركي وعبر العقبة الأردني إلى البحر الأحمر، وهذا الأمر لن يجعلنا تحت رحمة أي توترات تحصل بالمنطقة".
ومضى قائلاً: "المعارضون يتباينون في سبب الرفض، بعضهم يتحدث عن وصول النفط إلى إسرائيل وآخرون يقولون لماذا من نفط البصرة وليس نفط كركوك، وآخرون يتمسكون بالرفض بدعوى عدم جدوى المشروع الاقتصادية للعراق".
بدوره، قال الناشط السياسي في بغداد أحمد حقي إنّه "من الواضح وجود أمور لا يتفق فيها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مع جميع أطراف تحالف الإطار التنسيقي، ومنها موضوع أنبوب النفط"، مضيفاً أن "السوداني يحاول ألا يكون نسخة مكررة من رؤساء وزراء آخرين يتم تحميلهم الفشل بعد خروجه من المنصب".
وأوضح أنّ مشروع الأنبوب النفطي مع الأردن وطريق التنمية مع تركيا قد يشكلان بداية ظهور الخلافات بين السوداني وأطراف داخل الإطار التنسيقي.
وأصدر القيادي في مليشيا "النجباء"، ورئيس "المجلس السياسي"، للجماعة علي الأسدي، في يناير/كانون الثاني الماضي، بياناً هاجم فيه موافقة بعض "الشخصيات السياسية الشيعية" على مد الأنبوب.
وقال إن "تخاذلهم أمام المال والمصالح لن يجعلهم إلا في تصنيف واحد من الأعداء"، مهدداً بالقول: "ينبغي على الأردنيين أن يعلموا أن معركتهم خاسرة ومحكوم عليها بالفشل، أنبوب (البصرة - العقبة) لن يكون، وإذا أرادوا فليجربوا ليروا بأم أعينهم ما سيحل بهم وبمن يعينهم على ذلك".
وأعلنت وزارة النفط العراقية، في إبريل/نيسان 2022، أنّ تكلفة خط أنابيب البصرة - العقبة تبلغ 8.5 مليارات دولار. كذلك أشارت إلى أنّ "إنشاء الخط لقي تأييد جميع الحكومات المتعاقبة في العراق منذ عام 2012 وأن تصاميمه مكتملة منذ 2015".
وقالت الوزارة إنّ المشروع يستهدف تصدير مليون برميل من النفط العراقي الخام باتجاه ميناء العقبة الأردني على البحر الأحمر، في محاولة لتنويع منافذ تصدير العراق الحالية، إضافة إلى موانئ البصرة على مياه الخليج، والأنبوب العراقي الواصل إلى ميناء جيهان التركي.
وفي وقت سابق قال الخبير في الشأن العراقي، أحمد النعيمي، لـ"العربي الجديد"، إن الرفض الذي تتبناه فصائل وقوى سياسية حيال هو بالأساس رفض إيراني".
وأضاف النعيمي أنّ وجود منفذ جديد للعراق لتصدير النفط يجعله في مرتبة نفطية أعلى من إيران وحتى السعودية بالمستقبل.
وقال إن العراق سيصبح دولة الثلاثة منافذ لتصدير النفط وهي الخليج العربي وميناء جيهان التركي والبحر الأحمر عبر الأردن، ما يعني أنه لن يكون تحت "رحمة" مضيق هرمز الذي يخرج منه أكثر من 93% من نفطه.
ووفقاً للنعيمي، فإن الإيرانيين طرحوا سابقاً مشروعاً مستقبلياً لمد أنبوب نفطي يمر بالعراق باتجاه ميناء بانياس السوري، ما يعني أن أي مشروع عراقي عبر البحر الأحمر سيكون منافساً لهم، واصفاً إرجاء المشروع بأنه خسارة للعراق ليس مادياً فقط، بل لأمنه الاقتصادي والغذائي، وبُعده السياسي في المنطقة.