طالب رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، اليوم الاثنين، النائب العام بإجراء "تحقيق عاجل" في الأحداث المسلحة التي تجري في مدينة بنغازي منذ يوم الجمعة الماضي، في الوقت الذي أعربت فيه البعثة الأممية لدى ليبيا عن قلقها بسبب الوضع في المدينة، واستمرار انقطاع الاتصالات فيها.
قال الدبيبة، خلال ندوة تنظمها وزارة المواصلات في حكومته يوم الاثنين: "لقد تلقينا تقارير تفيد بوقوع مواجهات مسلحة في بنغازي وانقطاع شبكات الاتصالات تماماً، ما أدى إلى عزل المدينة عن باقي العالم".
وأكد الدبيبة أهمية فتح تحقيق عاجل في هذه الأحداث المسلحة بهدف حماية المدنيين في بنغازي. وقال: "أحداث كهذه لا تهدد فقط حياة مواطنينا وسلامتهم، بل تمس وحدة البلاد ونسيجها الاجتماعي". وأضاف أن "بنغازي تشهد أحداثا استثنائية من مواجهات مسلحة داخل الأحياء السكنية، وأنه يجب محاسبة المسؤولين عن تعريض حياة المدنيين العزل للخطر في تلك المدينة".
تجدر الإشارة إلى أن المدينة تشهد تكتما كبيرا على المواجهات المسلحة التي بدأت منذ مساء الجمعة الماضية عقب فشل محاولة اختطاف مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر لوزير الدفاع السابق في حكومة الوفاق الوطني، المهدي البرغثي، من منزله في حي السلماني بوسط المدينة. وتزامنا مع ذلك، قطعت الاتصالات في جميع أنحاء المدينة.
من جهتها، أعربت البعثة الأممية لدى ليبيا عن قلقها بشأن أوضاع المدنيين في بنغازي واستمرار انقطاع الاتصالات منذ الجمعة الماضية.
وقالت البعثة، في بيان اليوم الاثنين، إنها "تتحرى عن صحة التقارير الواردة بشأن وقوع ضحايا مدنيين"، داعية المنخرطين في الاشتباكات إلى ضرورة احترام التزاماتها بحماية المدنيين.
وطالب البعثة الأممية سلطات شرق البلاد بضرورة إعادة تشغيل جميع الاتصالات بشكل عاجل في بنغازي بعد قطعها منذ الجمعة الماضية، باعتباره شريان حياة المدنيين الواقعين في مناطق المواجهات، مؤكدة أيضاً ضرورة الحصول على المعلومات ومشاركتها من الجهات المعنية بحقوق الإنسان.
في سياق استمرار الصمت المحيط بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر بشأن الأحداث المسلحة الدامية التي تجري داخل مدينة بنغازي، والتي تشير التقارير إلى أنها نشبت بين مليشياته وأنصار وزير الدفاع السابق، المهدي البرغثي، في منطقة السلماني وسط المدينة، شهدت وسائل الإعلام المقربة من حفتر بث مقاطع مصورة تظهر حياة طبيعية نسبياً داخل بنغازي.
ظهرت في هذه المقاطع مشاهد لفتح محال تجارية وحركة السيارات في بعض الأحياء دون تحديد الأماكن بالضبط. ومع ذلك، لم تقم هذه المقاطع بالإجابة عن السؤال المهم حول أسباب استمرار انقطاع الاتصالات في المدينة. ولم تنشر أي مقاطع مصورة توضح الوضع داخل منطقة السلماني التي شهدت اشتباكات بين أنصار البرغثي و"مليشيا طارق بن زياد".
وتداولت وسائل الإعلام الليبية ثلاثة سيناريوهات مختلفة بشأن مصير البرغثي في ظل هذا الغموض المحيط بالأحداث المسلحة. وتتراوح تلك السيناريوهات بين احتمال اعتقاله ونقله إلى السجن، أو احتمال اعتقاله وتصفيته، وأيضًا احتمال تسربه من المنطقة رفقة المسلحين المرافقين له إلى منطقة الكويفية شرق بنغازي، وهي تعتبر المركز الرئيسي لقبيلة البراغثة التي ينتمي إليها البرغثي.
من جانبه، يُفضّل مصدر أمني تابع لمديرية أمن بنغازي السيناريو الأول، ويشير إلى وجود تكتم شديد في قيادة حفتر بشأن مصير البرغثي.
وقال المصدر الأمني، لـ"العربي الجديد"، إن "المعلومات المتاحة حتى الآن تشير إلى اعتقال البرغثي على يد وحدات من لواء طارق بن زياد بعد نجاحها في اقتحام منزل العميد المهدي البرغثي واعتقاله، بالإضافة إلى عدد من مرافقيه العسكريين الذين قدموا معه من خارج بنغازي. تم نقل البرغثي إلى قاعدة الرجمة، وتمكن عدد من مرافقيه العسكريين الآخرين من الهروب عبر الأحياء ووصولهم إلى الكويفية".
وأشار إلى أن "هناك ثلاث جثث لقتلى من مرافقي البرغثي في مستشفى المدينة، أما البرغثي نفسه بالأرجح لم تتم تصفيته بدليل استمرار الاتصالات من جانب بعض الزعامات القبلية للتدخل لمنع تصعيد الأوضاع في المدينة بضمان تسليم بقية مرافقته العسكرية المتواجدة في الكويفية".
وبالنسبة للأخبار المتداولة عن انضمام كتيبة "أولياء الدم" في بنغازي والكتيبة 204 التي كان يتزعمها البرغثي في السابق، فقد نفى المصدر هذه المعلومات، مشيرًا إلى أن الكتيبتين تم حلهما منذ فترة طويلة.
وأوضح المصدر أن "بقايا أفراد الكتيبتين كانوا حاضرين في منزل البرغثي أثناء الهجوم عليه وشاركوا في دفاعه عنه، ولكن السيطرة الكاملة على بنغازي الآن بيد لواء طارق بن زياد والكتيبة 166 التي يقودهما صدام وخالد، نجلا حفتر".
تناقلت وسائل الإعلام الليبية صورًا لمحال تجارية وممتلكات خاصة تعود لأسرة أبولغيب التي يشكل أفرادها كتيبة "أولياء الدم" وقد دمرت.
وفي السياق ذاته، انتشر عدد من الوحدات التابعة لمليشيات خليفة حفتر في مدينة بنغازي، المعقل الرئيسي لقبيلة المغاربة وأخوال البرغثي، ولكن المصدر أكد أن هذا الانتشار جاء بهدف منع أي تصعيد، ولم تنضم أي قبيلة إلى العميد المهدي البرغثي بالأسلحة. وأضاف المصدر أن الأمور انتهت بقبضة البرغثي قبيل فجر السبت.
وفي ما يتعلق بانقطاع الاتصالات المستمر، قال إن "ذلك يرتبط بخطة تعمل عليها قيادة حفتر لتعزيز سيطرتها على المدينة، وتتضمن هذه الخطة حملة اعتقالات واسعة في أوساط أقرباء البرغثي وأقرباء المسلحين الذين يرافقونه"، مضيفاً أنه "أيضًا نشرت وحدات أمنية في منطقة الكويفية لتسليم بعض مرافقي البرغثي".
البرغثي كان عسكريًا سابقًا برتبة "عقيد"، وشغل مناصب قيادية ضمن عملية الكرامة التي أطلقها حفتر في بنغازي عام 2014، حيث قاد كتيبة معروفة باسم الكتيبة 204. لاحقًا، تولى منصب وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني الليبية في فبراير 2016. وبعد توليه المنصب، تعرض لاتهامات من قبل قيادة حفتر بالمسؤولية عن العديد من الأحداث والوقائع، بما في ذلك الهجوم المسلح على قاعدة براك الشاطئ في عام 2017 الذي أسفر عن مقتل 145 عسكريًا. واتهم البرغثي بالتورط في هذا الهجوم، واعتقل بسبب هذه التهمة.
وعاد المهدي البرغثي إلى مدينة بنغازي مساء الجمعة الماضي، بناءً على اتصالات أجراها مع عدد من عمداء القبائل في شرق ليبيا، من بينهم عمدة قبيلة البراغثة الشيخ عبد السلام عبد العاطي، بوساطة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي تعهد بعدم المساس له وسمح له بالعودة إلى المدينة، وفقًا لتصريحات مصطفى شقيق المهدي البرغثي لقناة "فبراير" الليبية.
أوضح الشقيق البرغثي في تصريحاته أن "مليشيا طارق بن زياد حاصرت منزل البرغثي في حي السلماني بهدف القبض عليه، ولكنهم لم يتبعوا الإجراءات العسكرية المعتادة، ولم يستدعوا البرغثي أو يتقدموا للقبض عليه بصفة قانونية، بل قاموا بإطلاق النار بشكل كثيف على الحي المكتظ بالسكان بعد رفض البرغثي تسليم نفسه".
في الوقت الذي انقطعت فيه الاتصالات عن مدينة بنغازي بشكل مفاجئ، بثت قناة "المسار" المقربة من قيادة حفتر أنباء عن بدء عملية أمنية في المدينة "لمواجهة خلية السلماني التخريبية". ونُشرت صور تظهر مجموعة من المسلحين، ووصفتهم القناة بأنهم "مجهولو الهوية في منطقة السلماني".
في تطور لاحق في الليلة ذاتها، أعلنت القناة عن "انتهاء العملية المحدودة التي استهدفت خلية السلماني التخريبية"، وأنه "جرى القبض على أغلب أفراد الخلية وتحييد مجموعة أخرى منها"، مما يشير إلى استمرار الهدوء الحذر في المدينة.