"الدعم السريع" تجوّع المدن السودانية التي تعجز عن إخضاعها حربياً

21 يوليو 2024
داخل مركز إغاثي في جبال النوبة، 15 يونيو الماضي (غي بيترسون/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الوضع الإنساني المتدهور في السودان**: الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" مستمرة منذ 15 شهراً، مخلفةً آلاف القتلى والجرحى وملايين النازحين، مع تدمير ونهب مدن وقرى سودانية.

- **استراتيجية الحصار وتأثيرها**: قوات الدعم السريع تهاجم المدن العسكرية وتفرض حصاراً لمنع وصول السلع والإمدادات، مما يؤدي إلى أوضاع صعبة للمواطنين، كما في ولاية سنار.

- **المعاناة في المدن المحاصرة**: مدن مثل الأبيض والمناقل والفاشر تعاني من شح السلع والوقود وانقطاع الكهرباء والمياه، مع تحذيرات أممية من تدهور الأوضاع الإنسانية.

أكملت حرب السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع" شهرها الـ15، وخلّفت الآلاف من القتلى والجرحى وملايين النازحين واللاجئين. كما تعرضت مدن وقرى سودانية بأكملها للتدمير والنهب والتهجير، وباتت مدن أخرى محاصرة من قبل قوات الدعم السريع، الأمر الذي أفرز أوضاعاً إنسانية بالغة التعقيد نتيجة إغلاق الطرق وشحّ السلع الغذائية وانقطاع الماء والكهرباء. يحدث ذلك وسط استمرار المعارك والاشتباكات بين الطرفين في عدد من ولايات البلاد الـ18، وتزايد الانتهاكات في حق المواطنين مع سيطرة قوات الدعم السريع على مدن ومناطق جديدة.

ويخوض الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان ومليشيات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) صراعاً عسكرياً منذ 15 إبريل/نيسان 2023، تسبب حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في فرار عشرة ملايين شخص من منازلهم، ونزوح العديد منهم مرات عدة بحثاً عن الأمان. وذكرت المفوضية، أخيراً، أن من بين هؤلاء وصل ما يقرب من مليوني شخص إلى البلدان المجاورة، إضافة إلى 7.7 ملايين نازح داخلي جديد.

سلاح الحصار بيد "الدعم السريع"

واعتادت قوات الدعم السريع في حرب السودان على مهاجمة المدن التي توجد فيها فرق وألوية عسكرية تابعة للجيش. ورغم سيطرتها على العديد من المدن، إلا أنها فشلت في دخول مدن أخرى، الأمر الذي دعاها إلى فرض حصار عليها لمنع دخول السلع والإمدادات العسكرية. وخلّفت عمليات الحصار خلال حرب السودان أوضاعاً صعبة على المواطنين الذين باتوا يعتمدون على موارد زراعية محدودة وطرق خطيرة لإدخال بعض السلع، إلى جانب تحويلات مالية من الخارج عبر التطبيقات المصرفية في المدن التي ما زالت شبكة الاتصالات تعمل فيها.

تفرض قوات الدعم السريع حصاراً على المدن التي لا تستطيع دخولها لمنع وصول السلع والإمدادات العسكرية إليها

وفي ولاية سنار جنوب شرقي البلاد، سيطرت "الدعم السريع" في 25 يونيو/حزيران الماضي على منطقة جبل موية، وعلى مدينة سنجة عاصمة الولاية في 30 يونيو الماضي، لكنها فشلت في السيطرة على مدينة سنار ففرضت عليها حصاراً مطبقاً. وتقع المدينة على حدود أربع ولايات أخرى (النيل الأزرق، القضارف، الجزيرة والنيل الأبيض)، بالإضافة إلى تقاسم الحدود مع جنوب السودان وإثيوبيا، وتساهم بشكل كبير في الإنتاج الزراعي. وتسببت سيطرة "الدعم السريع" على سلسلة جبال موية، الواقعة على الحدود بين ولايتي الجزيرة وسنار، في خنق المدينة وقطع الطرق الحيوية إليها.

وقال المواطن عبد الله إدريس من سنار، لـ"العربي الجديد"، إن الأوضاع انقلبت رأساً على عقب بعد اجتياح قوات الدعم السريع مدن سنجة وأبو حجار والدندر والدالي والمزموم في الولاية، وقرى أخرى حتى حدود سنار المدينة. وذكر أن الحصار ومحاولات اقتحام المدينة تسببت في هلع وفشل الكثير في النزوح بسبب وجود "الدعم السريع" حول المنطقة. وأضاف أن حدة العمليات العسكرية خفت، ما عدا طلعات جوية متقطعة لطائرات الجيش، مشيراً إلى ارتفاع الأسعار.

وقال مركز بيانات النزاعات "أكليد"، في تقرير حول السودان أصدره في 12 يوليو/ تموز الحالي، إنه بعد المعارك الأخيرة، بات لدى "الدعم السريع" طريق آمن عبر مدينة المزموم إلى جنوب السودان، يُزعم أنها تحصل منه على الوقود والذخيرة وإمدادات الأسلحة. ويمكن أن يكون التقدم التالي لها، بحسب المركز، شمال مدينة الدندر وجنوباً من ولاية الجزيرة إلى شرق سنار لإكمال الحصار على المدينة من جميع الاتجاهات، والاستيلاء على المدينة التي تعتبر آخر معقل حضري يسيطر عليه الجيش في الولاية. وأشار "أكليد" إلى أنه إذا استولت قوات الدعم السريع على سنار بأكملها، فسيتم أيضاً عزل ولايتي النيل الأبيض والنيل الأزرق عن المناطق الأخرى التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية، وبالتالي يمكن لقوات الدعم السريع فتح خطوط أمامية متعددة في النيل الأبيض والقضارف أو التقدم جنوباً نحو النيل الأزرق.

وفي ولاية غرب كردفان، حاصرت "الدعم السريع" منذ فبراير/شباط الماضي مدينة بابنوسة، وذلك بعد أن استطاعت الفرقة 22 مشاة التابعة للجيش في المدينة، في 9 يونيو الماضي، توسيع عملياتها خارج مقرها واستعادت السيطرة على أحياء عدة كانت تشكل تهديداً للقاعدة العسكرية في المدينة. وتعتبر مدينة بابنوسة واحدة من أهم محطات التقاطع الرئيسية في سكة حديد السودان التي تربط أقاليم البلاد. ومنذ بدء الحرب، ظلت المدينة تشهد معارك مستمرة بين الجيش و"الدعم السريع"، ما أدى إلى موجات نزوح كبيرة، ووقوع قتلى وجرحى وسط المدنيين. ونقل الجيش معظم قواته في اللواء 91 من مدينة الفولة، عاصمة ولاية غرب كردفان، إلى بابنوسة حيث مقر الفرقة 22، وذلك بعد مهاجمة "الدعم السريع" الفولة في 20 يونيو الماضي.

سلع شحيحة في مناطق غنية

ومنذ اندلاع حرب السودان في 15 إبريل 2023، شهدت مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، العديد من المعارك. وتضم المدينة مطاراً دولياً وفيها قيادة الفرقة الخامسة مشاة، والعديد من مراكز ومقار التدريب وعمل القوات الحكومية. وتعتبر الأبيض، التي تبعد حوالي 588 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة الخرطوم، مركزاً اقتصادياً وسياسياً مهماً، باعتبارها واحدة من كبريات المدن السودانية وتضم أكبر سوق للمحاصيل في البلاد، وأيضاً أكبر بورصة للصمغ العربي في العالم، وهي مدينة استراتيجية، إذ تمثل ملتقى طرق مهم يربط بين مختلف ولايات البلاد، ومركزاً تجارياً وزراعياً بارزاً.

إذا استولت قوات الدعم على سنار، فسيتم عزل ولايتي النيل الأبيض والنيل الأزرق عن المناطق الأخرى

وقال المواطن عثمان منصور المقيم في الأبيض، لـ"العربي الجديد"، إن هناك هدوءاً حذراً في المدينة منذ المعارك الأخيرة في مايو/أيار الماضي، حيث التزم كل طرف موقعه. وأشار إلى أن المدينة محاصرة وهناك طريق واحد باتجاه مدينة بارا يخرج منه من يريد المغادرة من المواطنين بين الحين والآخر. وأوضح أن هناك شحّاً كبيراً في السلع والوقود، والكهرباء مقطوعة منذ نحو ثلاثة أشهر، وهناك مشكلة في مياه الشرب، وأصبح الناس يعتمدون على الآبار الجوفية، إلى جانب نقص الأدوية. وأشار منصور إلى أن هناك سلعاً قليلة فقط تدخل كل فترة بعد أن يدفع التجار للمسلحين من الطرفين، لكنها تباع بأسعار غالية جداً، إذ بلغ سعر جوال (كيس) الدقيق 50 ألف جنيه (الدولار يساوي 2400 جنيه). وأضاف أن شبكة الاتصالات تعمل جزئياً عبر شركتين، هما "سوداني" و"إم تي إن"، بينما يعتمد الناس على ألواح الطاقة الشمسية للحصول على الكهرباء.

وفي ولاية الجزيرة، تتعرض مدينة المناقل لحصار من قبل "الدعم السريع"، التي تمكنت بعد السيطرة على مدينة ود مدني عاصمة الولاية في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، من اجتياح عشرات القرى، بينما صمدت مدينة المناقل، ولم تتمكن قوات الدعم السريع من دخولها لوجود قوات ضخمة للجيش فيها قدمت من ود مدني، وقوات أخرى في محلية (بلدية) "24 القرشي" القريبة. وتعتبر المناقل، التي تبعد عن العاصمة الخرطوم حوالي 156 كيلومتراً، من المدن الصناعية في السودان، وتتوسط مشروعاً زراعياً يحمل اسمها، هو مشروع امتداد المناقل الذي يشكل الجزء الأكبر من مشروع الجزيرة الزراعي. ورغم اكتفائها بالعديد من المحاصيل والسلع، إلا أنها باتت تعاني من شحّ المواد الغذائية وارتفاع الأسعار.

المواطن عزام عبد المنعم من مدينة المناقل قال، لـ"العربي الجديد"، إن الحصار الذي تتعرض له المدينة بدأ يؤثر على حياة الناس اليومية، حيث ارتفعت أسعار السلع الغذائية بصورة كبيرة، وهناك مشكلة في توفير الوقود والأدوية والسلع الغذائية. وأوضح أنه كان يستعد للسفر مع أسرته، لكن المعارك التي وقعت في منطقة جبل موية أدّت إلى إغلاق الطريق الوحيد الذي يمكن عبره المغادرة إلى ولايات أخرى شرقاً.

وفي إقليم دارفور غربي السودان، سيطرت قوات الدعم السريع حتى نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي على المدن الكبرى في أربع ولايات من أصل خمس، ولم يتبق لها سوى مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تحاصرها مع مليشيات متحالفة معها. واقتحمت بالفعل عدداً من القرى حولها وسط غارات جوية ينفذها الجيش لمنعها من التقدم، واشتباكات مستمرة مع القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح (متمردون سابقون يساندون الجيش).

وتمثل مدينة الفاشر واحدة من المدن الكبيرة في غرب السودان، وتبعد عن العاصمة الخرطوم حوالي 802 كيلومتر، وتضم قيادة الفرقة السادسة مشاة في القوات المسلحة، وتحدها من الغرب تشاد، ومن الشمال ليبيا، وتمثل حالياً معقلاً رئيسياً للجيش في إقليم دارفور، لكنها تعاني من شحّ السلع والخدمات وانقطاع شبكات الاتصالات بفعل المعارك والحصار، الأمر الذي قاد الجيش إلى مدّها بالأسلحة والأدوية عبر الإسقاط الجوي أكثر من مرة. وقد اعتمد مجلس الأمن قراراً في يونيو الماضي يطالب بإنهاء حصار الفاشر والوقف الفوري للقتال بالمدينة ومحيطها لكن "الدعم" لم تكترث.

وفي 27 يونيو الماضي، حذرت ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة، وهي منظمة الأغذية والزراعة (فاو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي، في بيان مشترك، من التدهور السريع في أوضاع الشعب السوداني، وخصوصاً الأطفال، مع انهيار الأمن الغذائي جراء الحرب التي تعصف بالبلاد. وقد عمدت هذه الوكالات بشكل جماعي إلى حشد مساعدات إنسانية واسعة النطاق داخل السودان وفي البلدان المجاورة التي لجأ إليها أكثر من مليوني نسمة بحثاً عن الأمان. وأكدت الوكالات الأممية أن هناك ضرورة ملحة لوقف فوري لإطلاق النار وتجديد الجهود الدولية، الدبلوماسية والتمويلية، وكذلك إيصال المساعدات الإنسانية من دون عوائق وبشكل مستدام، لتمكين توسيع نطاق أعمال الإغاثة الإنسانية والسماح للوكالات بإنجاز عملها بالسرعة المطلوبة.

وأنهى وفدان من طرفي الحرب، الجيش وقوات الدعم السريع، الجمعة، جولة محادثات غير مباشرة تقودها الأمم المتحدة وتستهدف التوسط في وقف إطلاق نار محتمل لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتوزيعها وحماية المدنيين. وتأتي المحادثات في جنيف السويسرية بناء على دعوة من مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان رمطان لعمامرة، الذي يلعب دور الوسيط والمفاوض بين الطرفين اللذان لم يجتمعا وجهاً لوجه.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية