تكشف الأرقام المسجلة في الذكرى الـ45 ليوم الأرض، كيف عمل الاحتلال الإسرائيلي على التغول في الأرض الفلسطينية، ناشراً المستوطنات في أنحاء الضفة الغربية والأغوار وغيرها من الأراضي المحتلة. بالتوازي، عملت السلطات الإسرائيلية على طرد الفلسطينيين من أراضيهم وهدم منازلهم، بذرائع مختلفة. لكن على الرغم من كل هذه الظروف، وغياب القضية الفلسطينية بشكل كبير عن الأجندات الدولية، وخذلان بعض الأنظمة العربية، يصرّ الفلسطينيون على التمسك بأرضهم التي هي محور الصراع. وبينما يعون أهمية هذا اليوم، إلا أن الفعاليات الجماهيرية لإحياء الذكرى ستغيب هذا العام للسنة الثانية على التوالي، في ظل انتشار فيروس كورونا.
وتُظهر الأرقام التي نشرها المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، أن أكثر من 200 مستوطنة أقيمت في أنحاء الضفة الغربية منذ العام 1967 وحتى نهاية 2017، منها أكثر من 131 مستوطنة اعترفت بها وزارة الداخلية الإسرائيلية كبلدات، وكذلك نحو 110 مستوطنات أقيمت بلا مصادقة رسمية تُعرف بأنها بؤر استيطانية، ولكنها أقيمت بدعم ومساعدة وزارات إسرائيلية. وإلى الجنوب من الضفة الغربية، يوجد في مدينة الخليل عدد من الجيوب الاستيطانية، بينما يوجد في القدس الشرقية 11 حياً استيطانياً أقيمت على أراضٍ ضمّتها إسرائيل إلى منطقة نفوذ القدس، وكذلك عدد من الجيوب الاستيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية، إضافة إلى وجود 16 مستوطنة أخرى أقيمت في قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية تمّ تفكيكها عام 2005، ضمن تطبيق "خطة الانفصال" التي أعلن عنها رئيس وزراء الاحتلال حينها أرييل شارون.
أكثر من 200 مستوطنة أقيمت في أنحاء الضفة الغربية منذ العام 1967 وحتى نهاية 2017
ووفق "بتسيلم"، فإن عدد المستوطنين الذين يسكنون في تلك المستوطنات أكثر من 620 ألف مستوطن، منهم 413,400 في مستوطنات الضفة الغربية باستثناء شرق القدس، (وفقاً لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية المحدّثة نهاية عام 2017)، ونحو 209,270 في أراضي الضفة الغربية التي ضُمت إلى مسطح بلدية الاحتلال في القدس (وفقاً لمعطيات معهد القدس لأبحاث إسرائيل، محدّثة في نهاية 2016). وتهدم إسرائيل المباني الفلسطينية في الضفة الغربية بذرائع مختلفة، منها البناء "غير المرخّص"، وتم هدم 494 منشأة فلسطينية بحجة عدم الحصول على ترخيص منذ عام 2017 وحتى 2021، كما تهدم إسرائيل تلك المباني كوسيلة للعقاب وتم هدم 38 منشأة منذ عام 2017 وحتى 2021 بهذه الذريعة، إضافة إلى هدم عشرات المباني بذريعة الاحتياجات العسكرية.
وحاول الاحتلال إخلاء تجمّع الخان الأحمر البدوي شرق القدس لكنه فشل في ذلك عامي 2017 و2019، ولو نجح إخلاء الخان لهجر قرابة 46 تجمعاً تمتد من شرقي القدس إلى البحر الميت. كما انطلقت مرحلة أخرى من التهجير بعد إطلاق خطة الضم في العام 2020، عبر تهجير حمصة، وهو ما يعني التهيئة لتهجير 30 تجمعاً بدوياً في تلك المنطقة. وبنظرة سريعة على المشهد، فإن الاحتلال يسيطر على 95 في المائة من أراضي الأغوار الفلسطينية بعدة تصنيفات، منها السيطرة على 42 في المائة من مساحة الأغوار كمناطق تدريب عسكري، وأكثر من 25 في المائة كمحميات طبيعية، و10 في المائة مستوطنات ومعسكرات لجيش الاحتلال.
هذه الأرقام تكشف كمّ المخاطر الكبيرة التي تعيشها القضية الفلسطينية في الذكرى 45 ليوم الأرض، وتعيد إلى الواجهة أولوية دعم صمود الفلسطينيين في أرضهم وإمدادهم بمقومات المواجهة والصمود في ظل موجات الهجرة التي لوحظ أنها بدأت تنتشر في السنوات الأخيرة وباتت تأخذ منحى تصاعدياً. ويحمّل الفلسطينيون السلطة والفصائل جميعاً مسؤولية ما وصلت إليه الحالة الوطنية، ويدعون إلى إخراج القضية من نفق الانقسام وإحياء مشروعي الوحدة والمواجهة لاستعادة الحقوق وإجبار الاحتلال على أن يوقف عدوانه واستيطانه.
وتغيب الفعاليات الجماهيرية لإحياء ذكرى يوم الأرض في ظل انتشار الموجة الثانية من فيروس كورونا. وفي قطاع غزة، ستقتصر الفعاليات التي دعت لها الفصائل الفلسطينية على التغريد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفعالية محدودة على الحدود الشرقية للقطاع مع الأراضي المحتلة بدعوة من الهيئة الوطنية لمسيرات العودة سيتخللها غرس أشتال.
ولفت القيادي في حركة "حماس"، إسماعيل رضوان، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ الخطر لا يزال يحدق بالأرض الفلسطينية في ظل التغول الاستيطاني والاستيلاء ومصادرة أملاك الفلسطينيين في ظل حكومة بنيامين نتنياهو التي تؤمن بالترانسفير. وأوضح رضوان أنّ الاحتلال ينتهج سياسة التضييق على الفلسطينيين في الداخل المحتل عبر إشاعة الفوضى والقتل المنظم والضغط لسلخهم عن هويتهم الوطنية وتفريغهم من أرضهم، لكن المسيرات التي تخرج في الداخل أكبر دليل على فشل هذا المسعى الاسرائيلي. وشدد على أن إجراءات الاحتلال وطول أمد بقائه والاستيطان لن تنهي الوجود الفلسطيني، مشيراً إلى تمسك الفلسطينيين بأرضهم، على الرغم من الخذلان وهرولة بعض الأنظمة العربية تجاه الاحتلال والتي أمدته بمزيد من أدوات القهر للفلسطينيين.
وبيّن القيادي في "حماس" أنّ تحقيق الوحدة الوطنية، ضمانة لمواجهة مشاريع الاستيطان والاستيلاء على الأرض الفلسطينية، وهذا يستدعي من السلطة وقف كل أشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال، وسحب الاعتراف بالكيان، وضرورة دعم صمود المواطنين والتوجه للساحات الدولية لملاحقة قادة الاحتلال، إضافة إلى التوافق على استراتيجية وطنية للمواجهة الشاملة، وهو ما يتطلب تفعيل اتفاقات القاهرة ومخرجات اجتماع الأمناء العامين في بيروت ورام الله.
قيادي في "حماس": تحقيق الوحدة الوطنية ضمانة لمواجهة مشاريع الاستيطان والاستيلاء على الأرض الفلسطينية
في السياق، أكدت حركة "فتح" في بيان بمناسبة الذكرى، أن "الأرض هي جوهر الصراع، وأن شعبنا سيواصل صموده على أرض وطنه التاريخي فلسطين، ويقدّم من أجل تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي كل التضحيات"، مشددة على أن "كفاح شعبنا الفلسطيني لن يتوقف حتى تحقيق حريته سيداً على أرضه".
من جهته، قال المجلس الوطني الفلسطيني في بيان، إن إحياء يوم الأرض تأكيد أن "الأرض هي القضية الجوهرية في صراعنا مع الاحتلال، وتعبير على تمسك شعبنا بأرض آبائه وأجداده ورفضه لسياسات وإجراءات الاستعمار الاستيطاني التي تستهدف وجوده الوطني والتاريخي على أرضه". ودعا المجلس في بيان "شعبنا في أماكن تواجده كافة للدفاع عن أرضه وتعزيز وحدته الوطنية ومقاومته للاحتلال والاستيطان والتهويد بكافة الأشكال". وأشار إلى خطورة السياسات والإجراءات الاستيطانية والتهويدية التي تنفذها دولة الاحتلال في الأرض الفلسطينية، خصوصاً في القدس والأغوار، محذراً من مواصلة الاحتلال للاستيطان واستحداث وزارة للاستيطان وتقديم تسهيلات ضريبية للمستوطنين ودعم وحماية إرهابهم ضد شعبنا.