بدأ العد التنازلي لانتخابات الرئاسة الروسية المقرر إجراؤها بين 15 و17 مارس/آذار المقبل، بعد أن حسم الرئيس فلاديمير بوتين الجدل، معلناً ترشحه لولاية خامسة مدتها ست سنوات.
وعلى الرغم من التوقعات المؤكدة بفوز بوتين في غياب أي منافس جدي له، فإنّ الحملة الحالية تختلف عن سابقاتها، لكونها أكبر حدث للسياسة الداخلية الروسية منذ بدء غزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، وما ترتب عنها من تداعيات اقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة.
وفي ظل هذه الظروف غير الاعتيادية، رأى عضو المجلس الإقليمي لحزب "يابلوكو" (تفاحة) الليبرالي المعارض في موسكو، أليكسي كرابوخين، أن الكرملين لن يسمح بترشح أي سياسي معارض لغزو أوكرانيا، مرجحاً أن كتلة السياسة الداخلية في الكرملين وضعت تصوراً أولياً لنتائج الانتخابات ونسبة التصويت لصالح بوتين.
وتوقع كرابوخين في حديث لـ"العربي الجديد" أن "تكون الحملة الحالية مملة وأكثر قابلية للتنبؤ حتى مقارنة مع سابقاتها، ويمكن الجزم بأن السباق لن يخوضه أي مرشح من دون تنسيق مسبق مع الكرملين، بل سيكون المرشحون أقرب إلى شركاء سجال مع بوتين، إذ من المرجح أن نتائجه التقديرية قد رسمت في الكرملين".
ممنوع انتقاد غزو أوكرانيا
ورأى أن الحملة لن تركز على تطورات الوضع في أوكرانيا، مضيفاً: "لن يُسمَح للمرشحين بالإدلاء بأي تصريحات مناهضة لما تُسمى العملية العسكرية الخاصة (الاسم الروسي لغزو أوكرانيا)، لكن الحملة ستتناول أعمال القتال المستمرة في أوكرانيا، وقد يُستعان ببعض الشخصيات ممّن مُجِّدوا أبطالاً، من دون التركيز على هذا الملف تركيزاً كاملاً".
ورأى كرابوخين أن المؤتمر الصحافي لبوتين، الخميس الماضي، شكّل انطلاقةً لحملته الانتخابية، مقدراً نسبة الأسئلة المتعلقة بأوكرانيا بنحو 30 في المائة، ومتوقعاً أن يحظى الملف الأوكراني بالنسبة ذاتها من الاهتمام في أثناء الحملة أيضاً.
أليكسي كرابوخين: نتائج فوز بوتين التقديرية قد تكون رُسمت في الكرملين
وحول رؤيته لإمكانية مشاركة مرشح معارض مثل مؤسس "يابلوكو"، غريغوري يافلينسكي، الذي خاض السباق إلى الكرملين مرات عدة، بما فيها الانتخابات الأخيرة في عام 2018، قال كرابوخين إن "هناك بضع مبادرات تعمل على جمع التواقيع لترشح يافلينسكي، ولكنني لا أتوقع أن يشارك في الانتخابات بنفسه، نظراً لتبنّي حزبنا موقفاً واضحاً مناهضاً لأعمال القتال، وداعماً للسلام، وهذه الأجندة غير مقبولة بالنسبة إلى الكرملين".
وكان يافلينسكي الذي يُعَدّ من أبرز وجوه السياسة الداخلية الروسية في تسعينيات القرن الماضي، قد رأى في حوار صحافي في وقت سابق الشهر الحالي، أنه يمكن تحقيق المصالحة بين الروس والأوكرانيين وفق نموذج فرنسا وألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، مستشهداً بتجربة الاتحاد الأوروبي في التعايش السلمي بين الدول.
وعقد بوتين، الخميس الماضي، مؤتمره الصحافي السنوي الكبير و"الخط المباشر" مع المواطنين بشكل متزامن في يوم واحد هذه المرة، متناولاً فيهما الأوضاع في أوكرانيا والأوضاع الداخلية في روسيا. وفي معرض إجاباته عن الأسئلة، سعى بوتين لطمأنة المواطنين بأنه لن تُجرى تعبئة عسكرية جديدة، مستشهداً بأرقام تشير إلى أن نحو نصف مليون فرد تعاقدوا طوعاً لأداء الخدمة العسكرية لحماية البلاد، بما في ذلك في أوكرانيا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أكد بوتين خلال الفعالية التي دامت لأكثر من أربع ساعات، أن الاقتصاد الروسي تمكن في العام الحالي من تعويض خسائر العام الماضي، مستشهداً بتقديرات صادرة عن وزارة المالية الروسية بأن الناتج المحلي الإجمالي الروسي سيسجل نمواً نسبته 3.5 في المائة بحلول نهاية عام 2023، في مقابل تراجع بنسبة 2.1 في المائة في العام الماضي.
وفي الملف الأوكراني، جدد بوتين تأكيده أن السلام في أوكرانيا لن يتحقق إلا بعد تحقيق روسيا أهداف الحرب، قائلاً: "سيحل السلام عندما نحقق أهدافنا، وهي لا تتغير. أذكر أننا تحدثنا عن نزع النازية وتحييد سلاح أوكرانيا ووضعها كبلد محايد".
من اللافت أن بوتين لم يعلن ترشحه هذه المرة في مراسم مهيبة، بل في ردّ مقتضب على طلب رئيس المجلس الشعبي لـ"جمهورية دونيتسك الشعبية" الأوكرانية الانفصالية التي ضمتها روسيا في العام الماضي، أرتيوم جوغا، بقوله: "لن أخفي أن أفكاراً كثيرة خطرت على بالي في أوقات مختلفة، ولكنكم محقون، الآن وقت اتخاذ القرار. سأرشح نفسي لمنصب رئيس روسيا الاتحادية".
دميتري دريزه: لا يمكن القول إن كل شيء رائع في بلادنا
ووصف المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، هذا الرد بأنه كان عفوياً من بوتين، علماً أن الكرملين أحجم أشهراً طويلة عن إعلان موقف بوتين رسمياً من الترشح في انتخابات 2024، إلا أن بيسكوف كشف في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية مطلع أغسطس/آب الماضي، أن بوتين سيفوز في انتخابات العام المقبل بأكثر من 90 في المائة من الأصوات، واصفاً انتخابات الرئاسة في روسيا بأنها "ليست ديمقراطية بامتياز، بل هي بيروقراطية عالية الكلفة"، ولكنه زعم في وقت لاحق أن تصريحاته حُرِّفَت.
ورجحت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية هي الأخرى أنه لم تحصل مسبقاً صياغة الطلب إلى الرئيس على لسان والد مقاتل لقي مصرعه في أثناء الحرب، ولكن "كلمات المرشح لا تبدو ارتجالاً، بل تشبه تصريحاً رسمياً".
وفي مقال بعنوان "عن حملة الانتخابات الرئاسية كأحد مراسم الدولة"، اعتبرت الصحيفة أن "رئيس الدولة يتعين عليه إعلان موافقته على الترشح أمام الجمهور المسلطة عليه الأضواء الإعلامية في اللحظة التاريخية الحالية، وفي السنة الحالية هم المشاركون في العملية العسكرية الخاصة".
روسيا تحت السيطرة
ولخّص المحرر السياسي في إذاعة "كوميرسانت إف إم" الروسية، دميتري دريزه، الرسالة الأساسية من حديث بوتين في أنه "لا يمكن القول إن كل شيء رائع في بلادنا، ولكن الوضع تحت السيطرة بشكل عام، وهناك نمو اقتصادي تثبته الأرقام على الرغم من التحديات التي لا معنى لإنكارها".
وفي تعليق بعنوان "الخط المباشر لم يعد دفتراً للشكاوى" نُشر في موقع "كوميرسانت"، اعتبر دريزه أن "الرئيس لم يعد يقوم بتوصيل الغاز إلى منازل السيدات العجائز، بل يدعم استقرار الدولة وينجح في مهمته قبل أهم انتخابات في البلاد"، معتبراً أنه كان يمكنه الانتهاء من الحديث عند هذه الفكرة الرئيسية.
ولم ينظم الكرملين "خطاً مباشراً" ولا مؤتمراً صحافياً في عام 2022، وسط حالة من الغموض على الجبهة بعد سلسلة من الإخفاقات العسكرية الروسية في أوكرانيا في نهاية العام الماضي، مقارنة بحالة من الاستقرار على خطوط التماس وصمود خطوط الدفاع الروسية في السنة الحالية.