انتقد الرئيس التونسي قيس سعيد في كلمة له، الأربعاء، بمناسبة ختم الدستور الجديد، الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية بعدما أقرت توقيف تنفيذ قراره المتعلق بإعفاء عدد من القضاة، والنظر في طعون الاستفتاء.
وقال سعيد إن "الواجب يقتضي التذكير بقرار المحكمة الإدارية الذي ورد فيه بالحرف الواحد أن القرارات الصادرة عن المجلس التأسيسي في إطار مهامه التأسيسية أو التشريعية أو الرقابية أو غيرها من المسائل المتصلة بها تخرج بطبيعتها عن ولاية القاضي الإداري، ومثل هذا الموقف مألوف في دول أخرى فكيف لسلطة مؤسَسة أن تراقب إرادة السلطة التأسيسية".
ولم يكن هذا الموقف هو نفسه عندما أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، الإثنين، أن المحكمة الإدارية قضت برفض كافة الطعون المتعلقة بالاعتراض على نتائج الاستفتاء على الدستور، الذي جرى تنظيمه يوم 25 يوليو/تموز الماضي، وشارك فيه نحو 3 ملايين ناخب، معتبرة ذلك نصرا لها وشهادة نجاح في إدارة عملية الاستفتاء.
وقال مصدر مسؤول من المحكمة الإدارية في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "كلمة رئيس الجمهورية كانت بخصوص الرقابة على الاستفتاء، وهو (سعيد) يعتبر أنه سلطة تأسيسية. هو واضع الدستور، وبالتالي هو سلطة تأسيسية أي غير خاضع لأي رقابة".
وأكد أن "هذا غير صحيح لأن المحكمة الإدارية عندما راقبت الانتخابات كان ذلك طبقا للقانون الذي يمنحها سلطة المراقبة ولم تراقب مضمون الاستفتاء والدستور، بل العملية الإدارية والتنظيمية التي قامت بها هيئة الانتخابات من أجل إجراء الاستفتاء".
وأضاف "سعيد عندما أطلق العملية الانتخابية بمرسوم لم يسقط هذه الصلاحية من القضاء الإداري، وعندما يُقدَم طعن للمحكمة ولا يتم النظر فيه، فهذا يعتبر نكرانا للعدالة"، مبينا أن المحكمة الإدارية تبقى هي الجهة الوحيدة حاليا التي تراقب المسارات الانتخابية ومسار الاستفتاء وفق القانون الانتخابي.
بيان وزارة العدل حول القضاة المعفيين لا قيمة قانونية له
وكان بيان وزارة العدل منذ أيام قد قال إن القضاة المعفيين لا يزالون محل تتبعات جزائية، لكن المصدر من المحكمة الإدارية أكد لـ"العربي الجديد"، أن هذا البيان "لا قيمة قانونية له".
وقال المصدر: "إننا الآن في مسار تنفيذ حكم قضائي، والمعني بالتنفيذ هو مجلس القضاء العدلي، لأنه وبحكم القانون يبت في المسار المهني للقضاة، وينظر في الإشكاليات المتعلقة بهم، ومن مهامه إعادة القضاة المعزولين إلى العمل في إطار الحركة القضائية القادمة".
وأضاف المتحدث أن "رئيس الجمهورية وطبقا للقانون، يمضي على الحركة القضائية"، مبينا أنه "بعد أن تصدر أحكام قضائية لا يجب أن يتم خلق أسباب جديدة لعدم التنفيذ، كما أكد أن بيان وزارة العدل مجرد بيان إعلامي لا أثر قانوني له، و"لا بد من تطبيق الفصل 41 في قانون المحكمة الإدارية والذي يقول إنه بمجرد إعلام الأطراف المعنية، يعلّق فورًا تنفيذ قرار الإعفاء، بمعنى رجوع الوضعية إلى ما كانت عليه قبل صدور القرارات".
وأشار إلى أنه يتوجب النظر في ملف القضاة المعفيين ضمن الحركة القضائية القادمة والذين صدرت أحكام في صالحهم، مؤكدا أن عدم التنفيذ يعني "أننا دخلنا دولة اللاقانون لأن الأحكام القضائية تنفذ، وفي أي دولة، لا معنى لحكم لا ينفذ".
لا آليات لمعاقبة من لا ينفذ قرارات المحكمة الإدارية
وحول ما إذا رفضت الوزارة تنفيذ الأحكام، بيّن أنه لا توجد آليات عقابية وردعية وجزائية تعاقب من لا ينفذ قرارات المحكمة الإدارية، مؤكدا أن "هناك فراغا تشريعيّا في هذا المجال ولكن هذا لا يعني أن السلطة التنفيذية لا تنصاع لقرارات المحكمة".
ولفت إلى أن "الدولة هنا تتعامل مع الدولة، أي أن المؤسسة التنفيذية تتعامل مع المحكمة الإدارية".
ويتبين أن الرئيس فتح باب صراع جديدا مع المحكمة الإدارية، التي بقيت الملاذ القانوني الوحيد الذي يمكن أن يلجأ إليه المعارضون، والجهة الرقابية التي تمارس جزءا من الرقابة على الدولة، ولذلك اعتبر سعيد أنها لا يمكن أن تكون فوق سلطة مؤسسة، في إشارة إلى ذاته كونه الجهة التشريعية الوحيدة في البلاد.
سعيّد يضع المحكمة الإدارية في "مرماه"
وقال الرئيس الشرفي لاتحاد القضاة الإداريين، القاضي الإداري السابق أحمد صواب، خلال حديث مع "العربي الجديد"، إن المحكمة الإدارية كانت تاريخيًا مراقبة للسلطة التنفيذية والرئيس في عهد الحبيب بورقيبة وبن علي وحتى "حركة النهضة".
وأكد أن "الإشكال مع قيس سعيد أنه وضع المحكمة الإدارية في مرماه الآن، وبدا وكأنه يركز عليها الآن، خاصة مع ولادة الدستور الجديد"، وأضاف أن "سعيد بدا وكأنه ضد أن تنظر المحكمة الإدارية في الطعون التي قدمت حول الاستفتاء".
وتابع "هذا يظل محل نقاش كبير لأن المحكمة الإدارية لم تناقش الدستور ولا السلطة التأسيسية التي يملكها، ونظرت فقط في الإجراءات التي تهم سلامة الاستفتاء ولم تناقش خيارات السلطة السياسية، وهذا لا يمنح سعيد الحق في التصريح بأن الاستفتاء تم بحسب الدستور الجديد في حين أن الاستفتاء طبق ما يجيزه القانون الانتخابي النافذ، وكل استفتاء يعرض على رقابة المحكمة الإدارية، وهذا في الحقيقة يكشف سبب غضب رئيس الجمهورية المباشر، وموقفه من قرار المحكمة الإدارية في عزل القضاة، الأمر الذي يخفي غضبا شديدا على المحكمة الإدارية".
ولاحظ صواب أن "النظر في الطعون تم من قبل الجلسة العامة للمحكمة الإدارية التي تضم أكثر من 20 قاضيا من كبار القضاة، وهي نخبة النخبة في المحكمة الإدارية، ولكن المعركة واضحة وغضب الرئيس في غير محله"، مؤكدا أن المحكمة الإدارية ورغم الإشكاليات التي تجابهها فإنها لن تقبل أبدا أن تكون في مرمى نيران قيس سعيد.
وأفاد بأن "تناقض سعيد وصراعه مع المحكمة الإدارية يكشف عن الشعبوية وغياب الكفاءة، وهو ينتقي ما يتماشى وقراراته ويغضب عندما لا يعجبه قرار مخالف".