أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ليل الأحد، تعديلاً وزاريا محدوداً، شمل وزارات تقنية دون الوزارات السيادية والسياسية التي فضل الرئيس الحفاظ على وزرائها إلى ما بعد الانتخابات النيابية المسبقة المقررة في الأشهر المقبلة.
وتضمن التعديل إقالة سبعة وزراء، وإلغاء ثلاث وزارات واستحداث وزارة جديدة للرقمنة والإحصائيات.
وأقال الرئيس تبون وزير الصناعة فرحات آيت علي، وعين الأمين العام للوزارة محمد باشا خلفا له، كما أقال وزير الطاقة عبد المجيد عطار، وضمت هذه الوزارة إلى وزارة المناجم، لتصبح وزارة الطاقة والمناجم بالصيغة التي كانت عليها قبل يناير/كانون الثاني 2019.
ونقل وزير السكن كمال ناصري لشغل منصب وزير الأشغال العمومية التي ضُمت لها وزارة النقل، خلفا للوزير المقال فاروق شيعلي، فيما عين مدير عام وكالة حكومية للسكن طارق بلعريبي وزيراً للسكن، وعين مدير المدرسة العليا للري مصطفى كمال ميهوبي في منصب وزير الموارد المائية خلفاً لأرزقي براقن.
وتضمن التعديل الحكومي استدعاء بعض الوجوه الوزارية في حكومات سابقة، إذ أعاد الرئيس تبون محمد علي بوغازي، المستشار السابق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والقيادي في حزب النهضة الإسلامي، إلى الحكومة لشغل منصب وزير السياحة والصناعة التقليدية والعمل العائلي، خلفاً للوزير محمد حميدو، وعادت وزيرة البيئة في حكومة عبد المالك سلال الأولى عام 2012، دليلة بوجمعة، لشغل منصب وزيرة للبيئة خلفا لنصيرة بن حراث.
وأبقى الرئيس تبون على عبد العزيز جراد كرئيس للحكومة، كما احتفظ بالوزراء الذين يشغلون الوزارات السياسية والسيادية، كوزير الخارجية صبري بوقادوم، ووزير الداخلية كمال بلجود، ووزير العدل بلقاسم زغماتي، ووزير البريد والمواصلات ابراهيم بومزوار، على الرغم من ورود معلومات حتى الساعات الأخيرة تفيد بإمكانية رحيلهم من الفريق الحكومي، لكن قد يكون الرئيس تبون أرجأ إجراء تغيير في هذه الوزارات إلى ما بعد الانتخابات النيابية المبكرة المقررة قبل نهاية يونيو/حزيران المقبل.
وفي نفس السياق، استحدث الرئيس تبون وزارة جديدة تعنى بقطاع الرقمنة والإحصائيات، وعين لإدارتها مستشار الرئيس المكلف بمهمة حسين شرحبيل، وألغى الوزارة المكلفة بالصناعة السينماتوغرافية، والتي كان يديرها الممثل يوسف سحيري، كما ألغى الوزارة المكلفة بالتجارة الخارجية، والوزارة المكلفة بالزارعة الصحراوية، لكن أبرز مفاجأة في هذا التعديل إضافة إلى رحيل وزير الطاقة عبد المجيد عطار، هي بقاء وزير التجارة كمال رزيق في منصبه، على الرغم من موجة سخط واستياء كبيرة كان محلاً لها في الفترة السابقة، خاصة بسبب الإخفاق في ضبط الأسواق والتموين.
كما تجنب الرئيس تبون تغيير وزير التربية محمد أوجاوت ووزير التعليم العالي والبحث العلمي عبد الباقي بن زيان، بسبب حساسية الموسم الدراسي.
ويعد هذا رابع تعديل وزاري على التوالي أجراه الرئيس تبون في ظرف سنة، منذ تعيين الحكومة التي يقودها عبد العزيز جراد في الثاني من يناير/كانون الثاني 2020، إذ كان قد أقال في شهر إبريل/نيسان من نفس السنة وزير العمل يوسف عاشق، كما أجرى في شهر يونيو/حزيران تعديلا شمل وزارات النقل والمالية والزراعة والسياحة والوزارة المنتدبة المكلفة بالجالية في الخارج ووزارة الاستشراف وكتابة الدولة المكلفة بالنخبة.
وفي التاسع من يناير/كانون الثاني الماضي، أجرى الرئيس تبون تعديلاً محدوداً أقال بموجبه وزير النقل لزهر هاني، بعد ستة أشهر من تعيينه في المنصب، بسبب صفقة مشتريات غير ضرورية من الخارج اقتنتها شركة الخطوط الجوية الجزائرية خرقاً لقرار الرئيس تبون ترشيد النفقات.
ويفسر توالي التعديلات الوزارية عدم توصل الرئيس تبون إلى تركيبة مثالية لحكومة منسجمة قادرة على تنفيذ خطط ناجحة لإنعاش الاقتصاد وحلحلة المشكلات القائمة وتغيير أساليب إدارة وتدبير الشأن العام، وإلى شكل هيكلي ووظيفي يستجيب لتصوراته في إدارة الشؤون الحكومية من جهة، وإلى غياب رؤية اقتصادية واضحة تعمل الحكومة على أساسها.
ويعتقد المحلل الاقتصادي سليمان ناصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "توالي التعديلات الوزارية يمكن تفسيره بغياب رؤية واضحة واستمرار تأثر السلطة السياسية الحالية ببعض تقاليد السلطة السابقة، بمعنى أنها لا تصبر على الوزراء ولا تمنحهم الوقت الكافي لإظهار قدرتهم على العمل، مقارنة مع حكومات دول أخرى".
وأكد ناصر "لو أخَذت السلطة الحالية الوقت الكافي في المشاورات عند تشكيل الحكومة، ومع فحص جيد لمسار الوزراء المرشحين، لأمكن تفادي الكثير من الأخطاء، سواء في إيجاد التركيبة الهيكلية المناسبة للحكومة بدلاً من وضع وزارة منتدبة، ثم إلغائها أو إلحاقها بوزارة أخرى أو تقسيم وزارات، أو في اختيار الكفاءات".
وأضاف "ظهر ذلك واضحاً في اختيار الوزراء الذين أثبتوا فشلهم، أو تعيين وزير ظهر لاحقا أن الدستور لا يسمح له بأن يكون وزيراً "في إشارة إلى الوزير المكلف بالجالية سمير شعابنة الذي عين لـ48 ساعة فقط".
وقال سليمان ناصر: "أعتقد أن هناك غيابا لبرنامج اقتصادي وخطة واضحة مقسمة على المدى القريب والمتوسط والطويل، وأنه من المفترض أن البرنامج هو من يشكل الحكومة التي يتم وضعها واختيار كوادرها على أساسه وليس العكس، لأنه من الصعب أن نعين حكومة ثم نضع برنامجا".
وشدد على أنه لا يمكن تحقيق أي نمو اقتصادي وتنمية إلا من خلال الاستقرار الحكومي والاستقرار التشريعي، مشدداً على أهمية تثبيت القوانين "حتى لا نصبح على قانون ونمسي على آخر، والحقيقة أن السلطة تفتقد لخطة طويلة الأمد".