بينما يسود الهدوء الحذر بلدة التليل في عكار، شمالي لبنان، اليوم الاثنين، بعد مجزرة انفجار خزان الوقود التي ذهب ضحيتها أكثر من 27 شخصاً وما يزيد عن 79 جريحاً، وما تبعها من تحركات غاضبة، خرج الرئيس اللبناني ميشال عون ليؤكد تمسكه بالحكم رافضاً الاستقالة.
وقال عون، خلال لقائه قبل ظهر اليوم الاثنين في قصر بعبدا وفد "المجلس الوطني للتجمع من أجل لبنان في فرنسا"، "لن أستقيل"، آملاً في الوقت نفسه أن "نتوصل إلى الحد من الأزمة الراهنة من خلال تشكيل حكومة جديدة في خلال الأيام القليلة المقبلة".
وشدد على "أن رئيس الجمهورية، رغم ما خسره من صلاحيات، إلا أنه شريك في التأليف مع رئيس الحكومة المكلف، وله أن يختار من بين الأسماء المطروحة في ظل ما يتمتع به من سلطة معنوية".
وأكد أنه "لن يستقيل وسيقوم بواجباته حتى النهاية ولن يهزه أحد، إن في موقعه أو في حرصه على مواصلة محاربة الفساد".
وخرج لقاء بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي بأجواء إيجابية، إذ قال ميقاتي "دخلنا بموضوع الأسماء في تشكيل الحكومة اللبنانية وتبقى العبرة في الخواتيم". وأكد بعد لقائه عون أن نسبة التشكيل أكبر من الاعتذار.
وكان مصدر مقرب من ميقاتي، قد أكد في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، أن "ميقاتي لا نية له في الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة، خصوصاً الآن، وسيستمرّ رغم الضغوطات التي يتعرض لها للاعتذار"، مشدداً على أن انفجار عكار دفع باتجاه تسريع المشاورات، وحرص الجميع على وضع الخلافات جانباً والتوافق على حلول ترضي الجميع لولادة حكومية اليوم قبل الغد، لكن مع ذلك، لا يمكن التفاؤل كثيراً، إذ يبقى الموضوع مفتوحاً على كل الاحتمالات مع امكان خروج أي عراقيل فجائية، لكن بكل الأحوال الحسم اقترب سواء إيجاباً أو لتحديد مصير الخطوات البديلة.
وكانت لافتة، اليوم، الجولة التي قامت بها السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا على الرئيسين، وقالت بعد لقائها عون في قصر بعبدا "نحن نحث الذين يواصلون عرقلة تشكيل الحكومة والإصلاح على وضع المصالح الحزبية جانباً. لقد رحبنا بإطار العقوبات الجديدة التي أعلن عنها الاتحاد الأوروبي لتعزيز المساءلة والإصلاح في لبنان، وستواصل الولايات المتحدة التنسيق مع شركائنا بشأن التدابير المناسبة".
وأضافت شيا "لبنان يحتاج إلى قادته لاتخاذ إجراءات إنقاذ عاجلة، وهذا لا يمكن أن يحدث من دون حكومة ذات صلاحيات تركز على الإصلاح، وتبدأ في تلبية احتياجات الشعب وتباشر العمل الجاد من أجل التعافي الاقتصادي"، مشيرة إلى أن "كل يوم يمر من دون وجود حكومة تتمتع بالصلاحيات وملتزمة، وقادرة على تنفيذ إصلاحات عاجلة، هو يوم ينزلق فيه الوضع المتردي أصلاً أكثر فأكثر إلى كارثة إنسانية".
الرئيس عون عرض مع السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا الأوضاع العامة في ظل التطورات الأخيرة pic.twitter.com/287JdO6hGd
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) August 16, 2021
وكان أمين عام حزب الله حسن نصر الله دعا، في كلمة له أمس خلال المجلس العاشورائي، إلى أن "تشكل حادثة عكار عاملاً حاسماً في الضغط على المعنيين من أجل تشكيل الحكومة خلال أيام، لأن البلد ما عاد يحتمل".
مطالب برحيل عون
وفي وقتٍ علت أصوات "تيار المستقبل" ورئيسه سعد الحريري، أمس الأحد، للمطالبة برحيل عون عقب انفجار عكار شمالاً، وتحميل عهده مسؤولية "جهنم" التي وصلت إليها البلاد، ردّ رئيس الجمهورية بكلامٍ حاسمٍ من جهته بأنه "لن يستقيل وسيقوم بواجباته حتى النهاية ولن يهزه أحد، إن في موقعه أو في حرصه على مواصلة محاربة الفساد"، آملاً أن "تبدأ معه مرحلة إعادة إعمار لبنان نفسياً ومادياً على أن يستكملها الرئيس الجديد في وقتٍ لاحقٍ".
ولم يمرّ تصريح الرئيس اللبناني مرور الكرام، إذ لاقى ردود فعلٍ من قبل ناشطين مدنيين ومجموعات في الانتفاضة الشعبية تؤكد ضرورة رحيل رئيس الجمهورية، الذي "اتسم عهده بكل المصائب غير المسبوقة في تاريخ البلاد، من تفجيرات وتفقير وانهيار وجوع وذل، بالشراكة مع القوى السياسية التقليدية التي تتقاسم الحصص والمراكز في ما بينها على حساب معاناة اللبنانيين"، مؤكدين أن "أي اصلاح أو إعادة إعمار لن يكون على يد المنظومة الحاكمة التي لا يمكن أن تناط بها مهمة مكافحة الفساد والقيام بإصلاحات جذرية، فيما هي متهمة بشتى أنواع الجرائم ويجب أن تخضع للمحاسبة والمساءلة".
كذلك، عبّر الناشطون عن غضبهم من استمرار السلطة السياسية، على رأسها رئيس الجمهورية، في تحميل التحركات المطلبية المحقة جزءاً كبيراً من مسؤولية الأزمة الاقتصادية، تماماً كمنطق المؤامرات ومخططات الفتن والخلايا النائمة الذي يتمسكون به في كل موقف للإفلات من المسؤولية والتعتيم على حقيقة المشكلة تماماً، كموقف عون أمس حول انفجار عكار وحديثه عن الجماعات المتشددة.
مراسم الدفن في عكار
وعن الأوضاع الميدانية في عكار، أكد محافظ عكار عماد لبكي، لـ"العربي الجديد"، أن "الأوضاع الآن هادئة وننتظر مراسم الدفن، حيث إن هناك مشاورات، إما أن يكون الدفن مشتركاً لجميع الضحايا أم كل عائلة على حدة، وهذه تبقى أموراً داخلية"، مشدداً على أن "التحقيقات مستمرة لمعرفة حقيقة ما جرى، فهذه كارثة كبيرة لا يمكن أن تمرّ مرور الكرام".
وأوضح المحافظ أن "هناك أشلاء، ننتظر فحوص الحمض النووي لتحديد الهويات والتعرّف عليها نظراً للتشوّه الكبير الحاصل، ولا مفقودين بمعنى أن يكونوا في المكان أم على قيد الحياة، إذ تم إجراء مسح كامل للأرض حيث وقع الانفجار".
وتصل اليوم إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت طائرة نمساوية على متنها هبة لقاحات مقدمة من دولة النمسا لوزارة الصحة العامة، فيما وصلت فجراً طائرة مصرية على متنها طواقم طبية وأدوية، بهدف تقديم الدعم الطبي والعلاجي لجرحى الحروق في مستشفيي السلام في طرابلس والجعيتاوي في بيروت.
في السياق، قطعت بعض الطرقات شمالاً اليوم الاثنين، خصوصاً في طرابلس، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وأزمة المحروقات التي يعود انفجار عكار في الجزء الأكبر إليها.
ويؤكد أكثر من ناشط في الحراك المدني العكاري، لـ"العربي الجديد"، أن الترقب سيد المشهد اليوم، وننتظر انتهاء مراسم الدفن ولكل حادثٍ حديث، إذ إن الاستقالة مطلب نصرّ عليه لكل النواب، ونطالب بسقوط كلّ هذه المنظومة الحاكمة بدءاً من الرأس، بعد سلسلة الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب والتي لم تكفِ المسؤولين الذين يواصلون أفعالهم الجرمية، آخرها انفجار عكار.
في السياق، أكد مصدرٌ عسكري، لـ"العربي الجديد"، أن التحقيقات مستمرة لكشف ملابسات الانفجار، والمحققون الآن ينطلقون من فرضيتين، الأولى إطلاق النار على خزان الوقود، علماً أن هناك شهوداً عيان أكدوا عدم سماعهم أي اطلاق للنار، لكن في المقابل، هناك آثار لطلقات نارية، والفرضية الثانية التوليع، أي عبر القداحة.
وشدد المصدر على أن "نتائج التحقيقات لن تطول وستظهر خلال مدة قصيرة، ونحن نستمع إلى شهود العيان والجرحى القادرين على الكلام لجمع كل المعطيات والمعلومات الممكنة"، مشيراً في السياق إلى أن "عدد الموقوفين قيد التحقيق لا يزال اثنين، هما صاحب الأرض جورج رشيد إبراهيم ونجله، أما صاحب الخزان علي صبحي الفرج فهو موقوف منذ أشهر".
وأشار المصدر العسكري المتابع للقضية إلى أن "الكمية التي انفجرت غير دقيقة كما تسرب في الإعلام، كان هناك خزانان وجرى توزيع القسم الأكبر من المادة، والذي انفجر لم يكن ذاك الذي يحصل منه الناس على البنزين، لكن مادة خطيرة كهذه، مهما كانت الكميات، تنفجر بقوة وتخلف أضراراً جمّة".
ولفت في المقابل إلى أن "التحقيقات واسعة وعلى كل المستويات، وفي حال تبين تقصير أيضاً من جانب العسكريين، فسيصار إلى اتخاذ التدابير اللازمة". ويستمر توقيف شخصين من تحركات أمس الأحد، التي نفذت أمام محيط منزل رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، بعد إطلاق سراح وليم نون شقيق الضحية في انفجار بيروت جو نون.