في بلاد عجائب السياسة تنتشر فكرة أن الرئيس يعمل بسرعة خارقة، بينما الحكومة بطيئة. في المشرق العربي، المبتلى بنظرية عظمة الحاكم وعطل الحكومة، حتى لبنان لديه نموذجه، يطرح تيار مهيمن على الدولة سؤاله الشهير كلما شعر بورطة: أين الدولة؟
أما في سورية فالنموذج أكثر بجاحة، باستسهال التزوير القائم على كذبة أنه لولا 50 عاماً من حكم آل الأسد لضاعت البلاد والعباد. فالشارع السوري، الذي يرى كيف سيقت بلاده نحو الكارثة، يعرف منذ ما قبل 2011 أن من يحكم هو أجهزة الأمن التي تسوّق أن "الرئيس جيد والحكومة عاطلة".
وغير بعيد عن ذلك برع نظام بشار الأسد في تطييف مجتمعه وشرذمته، بـ"تسريبات" فيديوهات مقصودة لممارسات جلادين يسألون ببلاهة: أتريدون الحرية؟ هذه من أجل الحرية، وذلك تزامناً مع توالي التعذيب، والقصف والتهجير، واستدعاء مليشيات طائفية خارجية، لتعميق انقسام المجتمع.
واليوم مثل الأمس، يُستدعى الخطاب السحري: "الرئيس لا يعلم بالتجاوزات". فمع آفاق الدولة الفاشلة، يُتلى على رؤوس المواطنين خطاب أشد تزويراً. فحكومة حسين عرنوس تعمل ضد قرارات الأسد بمضاعفة رواتب الموظفين، وبرقم بالكاد يكفي ثمن فنجان قهوة وقطعة حلوى على طاولة المنظّرين بالوطنية على السوريين. إذ سارعت "الحكومة السيئة" إلى دولرة يوميات المقهورين، رافعة الأسعار وشاطبة الدعم عن السلع. وكأن في الأمر مؤامرة على "القائد الأوحد… الأبدي".
الأمر ليس مستجداً، فعلى مدار عقود يُطبّق التلاعب الذي كشفه "الرفيق الأمين العام المساعد" لحزب البعث، هلال هلال، في اجتماعه مع "كتلة البعث في البرلمان" (إذ علينا أن نصدق أنه برلمان، وفيه كتل حزبية كالدنمارك والسويد)، بقوله لرفاقه: "نحن (الحزب) نقرر من يبقى ومن يرحل".
بالطبع لا يصدق أغلب ناس سورية أن عرنوس يملك من أمره شيئاً. فمع التغطية الصورية لحزب الرفيق هلال يبقى الحكم الحقيقي بكل تفاصيله في قبضة قصر المهاجرين، وبمعية مختلف فروع الأجهزة الأمنية. وعليه يُمارس التنفيس في شتم الوزراء، وحتى المحافظين، واتهامهم بـ"التآمر على السيد الرئيس".
ببساطة، الأمر واضح للسوريين، بينما يشيح العرب الرسميون النظر عنه، بمعية واشنطن، مسوقين أن الأمور ستحل في سورية المنكوبة بتقاسمها بين وزارات "موالاة ومعارضة"، لأجل كلاكيت آخر: "الرئيس جيد والبطانة فاسدة"، فيما السير نحو هاوية فوضى الدولة الفاشلة يتسارع أمام أنظارهم جميعاً.