غالباً ما نحلل، نحن السوريين، الأحداث المتعلقة بسورية وفق ما نتمنى، لا كما هي في الواقع. كذلك، فإنّ خشيتنا من الانزلاق خلف نظريات المؤامرة غالباً ما تعزز هذا النوع من التحليلات التي ترسم صورة بعيدة عن الحقيقة اعتماداً على التصريحات الدبلوماسية، مع تناسي الأفعال على أرض الواقع.
إلا أن الزلزال، الذي ضرب سورية وتركيا فجر الإثنين الماضي، أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المجتمع الدولي بكل دوله، والأمم المتحدة التي تمثله، تعاملوا مع هذه الكارثة ليس بمعايير مزدوجة أو حسابات سياسية وحسب، وإنما تعاطوا مع الشمال الغربي من سورية، المتضرر الأكبر من الزلزال في سورية، وكأنه غير موجود على خريطة الكوكب.
وبدلاً من إرسال فرق إنقاذ ومساعدات إضافية لمساعدة منكوبي الزلزال في الشمال السوري، أرسلت بعض الدول عشرات طائرات المساعدات إلى المناطق الخاضعة للنظام السوري، من دون أي رقابة دولية على توزيعها.
هذا الأمر جرى استغلاله من قبل المتنفذين هناك، الذين راحوا يبيعون هذه المساعدات في الأسواق كسلع غذائية، فيما تُرك منكوبو الزلزال الذين نجوا من الموت في مناطق النظام لمواجهة مصيرهم في المساجد والكنائس، بظروف مأساوية ودرجات حرارة أقل من الصفر ومن دون أي مساعدات.
كما تم إيقاف المساعدات الأممية المجدوَلة أساساً للشمال السوري ضمن برنامج المساعدات عبر الحدود، بعد تعطّل معبر باب الهوى وعدم وجود صيغة قانونية تمكّن من إدخال المساعدات من معابر أخرى على طول الحدود التي تبلغ 900 كيلومتر، في حين كانت تعبر عشرات سيارات الإسعاف منذ اليوم الثاني للزلزال عبر معبر باب الهوى لنقل الضحايا السوريين الذي قضوا بالزلزال داخل الأراضي التركية.
اكتفى المجتمع الدولي بمراقبة السوريين يعبرون حدود وطنهم ويعودون محمّلين في سيارات الموتى. أما الذين بقوا منهم على أرض الوطن غير الآمنة، فقد تُركوا تحت أسقف بيوتهم التي أطبقها الزلزال عليهم، ليواجهوا مصيرهم وينقذوا بعضهم بعضاً بما تيسر لهم من أدوات بسيطة.
أما المجتمع الدولي نفسه، فلم يحرك ساكناً تجاههم طيلة الأيام الأخيرة، مكتفياً بالبدء في اليوم الثالث للكارثة بالحديث عن آليات قانونية لتقديم المساعدة لمن بقي منهم على قيد الحياة.