جاءت حركة تعيين السفراء الجدد، التي اعتمدها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أول من أمس الأربعاء، في وقت لافت تعيش فيه البلاد أزمات متعددة، في الداخل وعلى مستوى علاقاتها الخارجية، وفي ظل ما يشهده العالم والمنطقة من أزمات كبرى.
وأصدر السيسي قراراً جمهورياً، حمل رقم 196 لسنة 2022 بشأن تعيين عدد من السفراء بديوان عام وزارة الخارجية، فضلاً عن تعيين سفراء جدد في عدد من الدول، وتعيين عدد من السفراء قناصل عامّين لمصر في عدة بلدان.
كما أصدر السيسي قراراً حمل الرقم 197 لسنة 2022، بتمديد خدمة السفير من الفئة الممتازة أحمد فاروق محمد توفيق في السعودية عاماً إضافياً، وهي المرة الثانية التي يمدد فيها السيسي خدمة توفيق.
كما قرر تمديد خدمة السفير خالد عزمي لدى تل أبيب عاماً إضافياً أيضاً. وشملت الحركة التي اعتمدتها الرئيس المصري أسماءً كثيرة، إلا أن اللافت وسطها هو تعيين بسام راضي المتحدث الرسمي باسم السيسي، سفيراً فوق العادة لدى إيطاليا، التي تشهد العلاقات معها توتراً منذ عام 2016 بسبب أزمة مقتل الباحث جوليو ريجيني.
كما تمّ تعيين سفراء جدد لدى كل من الصين، التي تسعى مصر إلى الحصول على دعمها في أزمة سد النهضة، والإمارات، التي شهدت العلاقات معها أيضاً بعض التوتر بسبب ملفات عدة، مثل سد النهضة وليبيا والعلاقات مع تركيا.
تغوّلت المخابرات العامة على الدور الذي من المفترض أن تقوم به وزارة الخارجية
وحول الحركة الدبلوماسية الأخيرة، ذكرت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "وزارة الخارجية المصرية تعاني منذ فترة طويلة من تدخل جهاز المخابرات العامة في عملها، لا سيما هيئة الأمن القومي، حتى أن الجهاز أصبح هو الذي يختار السفراء المعينين في الدول المختلفة".
وأوضحت المصادر أنه "في السابق، وتحديداً قبل عام 2014، كان هناك تعاون بين هيئة الأمن القومي ووزارة الخارجية في ملفات دولية مختلفة، لكن كل جهة كانت تمارس دورها الطبيعي. غير أنه في الفترة الأخيرة، تغوّلت المخابرات العامة على الدور الذي من المفترض أن تقوم به وزارة الخارجية، وأصبحت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، حتى على المستوى الدبلوماسي".
وقالت المصادر إن "تدخل المخابرات العامة في العلاقات الدبلوماسية أفسد الكثير من القضايا، مثل قضية سد النهضة، إذ عبّر المسؤولون الإثيوبيون أكثر من مرة عن رفضهم تدخل المخابرات العامة المصرية، تحديداً رئيس المخابرات اللواء عباس كامل، في المفاوضات التي تجري بين البلدين".
وأضافت أنه "في ما يتعلق بتعيين السفراء، تحرص المخابرات العامة على إعداد تقارير (أمنية) عن المرشحين لشغل المناصب الدبلوماسية حول العالم، وتكون هذه التقارير هي المسوغ الرئيس، وأحياناً الوحيد، للتعيين في المنصب، بصرف النظر عن الكفاءة المهنية، وهذا ما يؤدي إلى فشل الدبلوماسية المصرية بشكل عام".
روما من أصعب مهمات السفراء
وأثار تعيين بسام راضي في منصب سفير فوق العادة في روما، الجدل في إيطاليا، لا سيما أن قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر عام 2016، لا تزال تراوح مكانها.
ووصفت صحيفة "إيل فاتو كوتيديانو" الإيطالية، تعيين المتحدث باسم السيسي سفيراً في روما بـ"الأمر المستفز". واعتبرت الصحيفة أنه "بينما يبدو أن قضية جوليو ريجيني القانونية قد انحرفت، مارس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ما يبدو أنه استفزاز حقيقي، مع تعيين المتحدث باسمه بسام راضي سفيراً في روما".
وسبق أن عمل راضي بسفارة مصر في روما كسكرتير أول بين عامي 2000 و2004، ويعود الآن ليشغل منصب السفير الذي شغله السفير هشام بدر لشهرين فقط بعد وفاته في يناير/ كانون الثاني الماضي بأزمة قلبية. وشغل راضي أيضاً منصب نائب السفير المصري في اليابان، والقنصل العام في إسطنبول التركية، وعضو اللجنة الأمنية العليا لمكافحة الإرهاب.
وقالت الصحيفة الإيطالية إن راضي "أطلق ما لا يقل عن ستة تصريحات أثارت الضجة في قضية جوليو ريجيني، ولكنها جميعاً تحمل الرسائل نفسها: الرئيس يريد العدالة، وأصدر تعليمات لإزالة جميع العقبات التي تعترض التحقيقات، وبالتالي يبدي دعمه الكامل للتعاون بين المؤسسات المصرية والإيطالية المختصة".
وتطرقت الصحيفة إلى تصريحات راضي لوكالة "أنسا" الإيطالية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، التي قال فيها إنه "بناءً على توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، هناك تعاون كامل من قبل السلطات المصرية مع نظيرتها الإيطالية بشأن قضية الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، بهدف أساسي هو الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة بالمقام الأول".
ولفتت الصحيفة إلى أن "ذلك استمر حتى نوفمبر 2020، ثم في الشهر التالي أغلق النائب العام المصري، المستقل رسمياً، القضية على جبهة القاهرة، مؤكداً أنه بالنسبة للمحققين المصريين، لا يوجد دليل على تورط رجال المخابرات الأربعة في القاهرة الذين راقبوا تحركات ريجيني".
وأشارت إلى أن "الأشخاص أنفسهم الذين اختطفوا ريجيني في 25 يناير/ كانون الثاني 2016، وجدوه ميتاً بعد تسعة أيام من التعذيب المروع في 3 فبراير/ شباط من العام عينه، على حافة طريق سريع في ضواحي العاصمة المصرية، القاهرة".
وأشارت "إيل فاتو كوتيديانو" إلى أنه "بحسب النائب العام المصري، فإن الأطراف المعادية لمصر وإيطاليا أرادت استغلال هذا الحادث"، معتبرة أنها "أطروحة أيّدها السيسي علناً، قائلاً إنهم يريدون الإضرار بالعلاقات بين مصر وإيطاليا مثلما كانت في ذروتها".
ولفتت الصحيفة أيضاً إلى علاقة السيسي مع رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي، وشركة "إيني" العملاقة للطاقة في البلاد من خلال اكتشاف حقل الغاز الكبير "ظهر".
وذكرت أنه "بسبب ذلك، لن تكون هناك محاكمة، وبالتالي لم يتم إخطار إيطاليا بعناوين الضباط الأربعة المتهمين بقضية ريجيني، ما أدى إلى وقف المحاكمة حالياً". وقالت الصحيفة إنه "منذ الإغلاق العام بسبب تفشي وباء كورونا في مصر في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2020، لم يستطع راضي إلا التزام الصمت، ومن الواضح أن ذلك جاء بناءً على تعليمات من السيسي نفسه".
وفي الوقت التي تشهد فيه أزمة سد النهضة تشابكات دولية وإقليمية ودخول أطراف دولية، بينها الإمارات، على خط الأزمة، قرر السيسي تعيين السفير شريف محمود سيد عيسى سفيراً فوق العادة لدى حكومة الإمارات.
وكان عيسى يشغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، وكان عادة ما يتحدث في قضية السد مؤكداً أن "مصر ليست ضد التنمية أو توليد الكهرباء في دول حوض النيل، وأن مصر تهتم بتنمية علاقاتها بكل الدول الأفريقية، وليس فقط دول حوض النيل".
العلاقة المتوترة بين مصر والإمارات
وقالت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، إن العلاقات مع الإمارات شهدت توترات في الفترة الأخيرة، نظراً لأن القاهرة كانت تستشعر تحركات من قبل أبوظبي، في عدة ملفات يمكن تفسيرها بأنها "مضادة لمصر"، ومن بينها علاقتها بأديس أبابا.
ونهاية نوفمبر الماضي، كشفت العديد من التقارير عن إنشاء الإمارات جسراً جوياً لتقديم الدعم العسكري لحكومة وجيش إثيوبيا ضد "جبهة تحرير شعب تيغراي".
وترددت أنباء عن استعانة أبوظبي بشركات أوروبية لتسيير هذه الرحلات، من بينها شركة إسبانية تدعى "طيران أوروبا" ساعدت في تنظيم 54 رحلة شحن عسكري بين الإمارات وإثيوبيا في أقل من شهر، وشركة "فلاي سكاي إيرلاينز" الأوكرانية التي قامت بـ39 رحلة شحن عسكري خلال شهرين.
وأثار هذا الدعم الدبلوماسي والعسكري التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين أبوظبي وأديس أبابا والأهداف الأساسية من ورائه، خصوصاً أنه يتعارض مع مصالح دول حليفة لها مثل مصر والولايات المتحدة.
تنظر مصر بقلق إلى محاولات التمدد الصيني في منطقة القرن الأفريقي
وبحسب المصادر الدبلوماسية، فإن ما أثار حفيظة القاهرة هو تقديم أبوظبي الدعم للحكومة الإثيوبية عند اندلاع الصراع بين الحكومة و"جبهة تحرير شعب تيغراي"، وسط رهان القاهرة على أن الصراع يضعف موقف الحكومة الإثيوبية داخلياً وخارجياً. وهو أمر من شأنه أن يشتت الجهود الحكومية المتعلقة بسد النهضة، لكن الدعم الإماراتي للحكومة الإثيوبية يصب في الاتجاه المعاكس.
وكانت القاهرة، التي تعتبر نفسها في صراع وجودي في ما يتعلق بمياه النيل، تتوقع أن تمارس أبوظبي ضغوطاً على الحكومة الإثيوبية لأخذ مطالبها بعين الاعتبار لكن ذلك لم يحصل.
وعندما قدّمت القاهرة الملف خلال العام الماضي على أنه مسألة أمن قومي في الجامعة العربية، طالبةً دعم الدول العربية لها، كان موقف أبوظبي مخالفاً لباقي الأعضاء، إذ لم تُبدِ الإمارات الدعم المطلق للقاهرة، وإنما اعتمدت موقفا متوازناً.
وبينما تحاول القاهرة دائماً استمالة بكين لدعم موقفها في أزمة سد النهضة، وفي الوقت الذي ترتبط فيه الأخيرة بعلاقات قوية مع أديس أبابا، تتمثل في استثمارات بمليارات الدولارات، قرر الرئيس المصري تعيين سفير جديد لدى الصين، وهو السفير عاصم محمد حنفي محمود، الذي تم تعيينه سفيراً فوق العادة مفوضاً لدى حكومة الصين وغير مقيم لدى منغوليا.
ويملك السفير عاصم حنفي أيضاً خبرة في الشؤون الأفريقية، إذ سبق أن شغل منصب السفير المصري لدى نيجيريا، ومنصب مساعد وزير الخارجية للشؤون البرلمانية.
وتنظر مصر بقلق إلى محاولات التمدد الصيني في منطقة القرن الأفريقي، لا سيما مع إعلان بكين نيتها تعيين مبعوث خاص للقرن الأفريقي. ويتمحور القلق المصري خصوصاً حول أزمة سد النهضة والموقف الصيني الذي بدا في أكثر من مناسبة داعماً لإثيوبيا.
ويتعزز القلق المصري، وفق قول دبلوماسي سابق لـ"العربي الجديد"، "في ظل تراجع الدور الأميركي الملحوظ في المنطقة، والذي تجسد أخيراً بعد فشل السياسة الأميركية في التعامل مع أزمة الحرب الأهلية الإثيوبية، بين جبهة تحرير تيغراي والحكومة الفيدرالية، وفشلها أيضاً في التعامل مع أزمة انقلاب السودان".