قال عسكري مصري سابق لـ"العربي الجديد" إن صفقة الطائرات الأميركية القتالية التي وافقت إدارة الرئيس جو بايدن على بيعها لمصر، أخيراً، "تؤكد أن الولايات المتحدة لا تريد بأي حال من الأحوال أن تخسر مصر كحليف استراتيجي بمنطقة الشرق الأوسط، تحت أي ظرف".
وأوضح المصدر أن "السياسة الخارجية وفلسفة الأمن القومي الأميركي في الشرق الأوسط تقومان أساساً على الحفاظ على العلاقة مع مصر، وضمان أن تكون مصر مرتبطة كلياً بالولايات المتحدة، وخصوصاً على المستوى العسكري، مهما كانت الظروف، وبصرف النظر عن نظام الحكم بها". ولفت إلى أنه "لذلك فإن أي حديث عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، داخل الكونغرس الأميركي، والمطالبات بوقف وتعليق المساعدات العسكرية وصفقات السلاح إلى القاهرة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تؤدي فعلياً إلى قطع العلاقات العسكرية".
تحسب أميركي لخسارة مصر
وأضاف المصدر أن "واشنطن تعي جيداً أن وقف المساعدات العسكرية وصفقات السلاح إلى مصر سوف يؤدي إلى خسارة حليف استراتيجي مهم في منطقة الشرق الأوسط، وتوجهه نحو قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين، لتعويض ما كانت تقدمه الولايات المتحدة، أو تكرار تجربة إيران مرة أخرى". وبرأيه لهذا السبب "فإن أي إدارة أميركية، مهما كانت توجهاتها السياسية، تحرص على الحفاظ على علاقات قوية ومتينة مع مصر، وبخاصة في مجال الدفاع".
أي إدارة أميركية، مهما كانت توجهاتها السياسية، تحرص على الحفاظ على علاقات قوية ومتينة مع مصر
وقال المصدر إنه "منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، برعاية أميركية، عام 1979، يحتفظ الجيش المصري بعلاقات قوية جداً مع الجيش الأميركي". وأشار إلى أنه "حتى أن تسليح القوات المسلحة المصرية يعتمد بشكل أساسي على السلاح الأميركي، وبنسبة تزيد عن 90 في المائة". وأشار إلى أن هذا الوضع "حرصت عليه الإدارات الأميركية المتعاقبة، كجزء من استراتيجية الولايات المتحدة القائمة على جعل حلفائها حول العالم مرتبطين بها، ودائماً في حاجة إلى سلاحها".
وقالت وزارة الدفاع الأميركية، الخميس الماضي، إن وزارة الخارجية وافقت على بيع طائرات هليكوبتر شينوك 47-إف وعتاد متصل بها لمصر في صفقة قيمتها 2.6 مليار دولار.
وتعد هذه المرة الثانية خلال هذا العام، التي توافق فيها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على بيع أسلحة للقاهرة على الرغم من المخاوف بشأن سجل حقوق الإنسان في مصر. إذ أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في الـ26 من يناير/ كانون الثاني الماضي، أنها أخطرت الكونغرس بموافقتها على بيع 12 طائرة نقل "سي-130 جيه سوبر هيركيوليز" تبلغ قيمتها 2.2 مليار دولار وأنظمة رادار للدفاع الجوي SPS-48 بقيمة 355 مليون لمصر.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية وقتذاك إن المبيعات المحتملة "ستدعم السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة من خلال المساعدة في تحسين أمن دولة حليفة رئيسية من خارج حلف الناتو لا تزال شريكاً استراتيجياً مهما في الشرق الأوسط".
وقال العسكري المصري السابق، إنه "على الرغم من تكرار التصريحات التي تصدر من وزراء الدفاع المصريين المتعاقبين حول (تنويع مصادر السلاح للجيش المصري)، إلا أن الواقع يقول إن القوات المسلحة المصرية تعتمد بشكل أساسي على السلاح الأميركي. كما يعتمد الجيش المصري على الولايات المتحدة في مجال التدريب العسكري". وأوضح أن "معظم القيادات داخل الجيش المصري حصلت على دورات في الولايات المتحدة، ومنهم الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه، وبالإضافة إلى التسليح والتدريب، هناك أيضاً التعاون في مجال القيادة والسيطرة، وهذا أمر يهم الجيش الأميركي بشكل أساسي".
دور حاسم لاتفاقية "CISMOA"
وفي هذا السياق أشار المصدر إلى "الاتفاقية العسكرية التي وقعتها مصر في يناير 2018، مع الولايات المتحدة الأميركية، والمعروفة باتفاقية "CISMOA"، وذلك بعد سنوات طويلة من رفض القوات المسلحة المصرية توقيعها". وقال المصدر إن "توقيع الاتفاقية تم بسرية ومن دون العرض على البرلمان كما ينص الدستور، ولم يعرف بذلك إلا بعد شهور من توقيعها". وCISMOA هي اختصار لـ Communication Interoperability and Security Memorandum Agreement، وهي "اتفاقية مذكرة التشغيل التبادلي للاتصالات وأمنها".
CISMOA هي "اتفاقية مذكرة التشغيل التبادلي للاتصالات وأمنها"
وأرجع المصدر أهمية الاتفاقية الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة إلى أنها تنص على ربط أنظمة وأجهزة الاتصال العسكرية بالدول الموقعة ومنها مصر مع الأنظمة الأميركية، باستخدام الأجهزة الأميركية فقط. وهو ما يمنح القيادة الأميركية القدرة على المراقبة والتحكم في الجيوش الأخرى وبينها الجيش المصري بطبيعة الحال".
وبحسب المصدر فإن الاتفاقية "تنص على إرسال أميركا فنيين مختصين لتولي إجراءات الضبط والصيانة للأجهزة، وغير مسموح لأحد غيرهم بذلك، كما أنه من حق أميركا التفتيش على الأنظمة والأجهزة في أي وقت لضمان عدم نقلها إلى أي طرف ثالث. كما تنص الاتفاقية على منع تصنيع نسخ مُرخصة من هذه الأجهزة محلياً أو بالتعاون مع طرف ثالث".
ويقول المصدر إن "الاتفاقية تمس السيادة المصرية لأنها تسمح بالتفتيش الأميركي على الأجهزة بالمواقع العسكرية المصرية، ولأنها تجعل أنظمة الاتصال والقيادة تحت رحمة الأميركي".
وأشار المصدر إلى "ما ورد في إحدى وثائق ويكيلكس سنة 2007 والتي تنقل عن رئيس هيئة تسليح القوات المسلحة السابق اللواء محمد العصار، رفضه التوقيع على الاتفاقية، وأنه قال لمسؤولين أميركيين إن مصر عندها أسبابها لتأجيل التوقيع على الاتفاقية، وكان واضحاً الخلاف المصري الأميركي على توريد سلاح لمصر، وأن واشنطن عطلت ذلك لعدم التوقيع على الاتفاقية".
وقال المصدر إن توقيع مصر على الاتفاقية بعد ذلك، جاء من أجل "حصول نظام الرئيس السيسي على الدعم السياسي المطلوب، في وقت كنت تجرى فيه الانتخابات الرئاسية التي أتت بالسيسي بدون منافسين، حيث تم قبلها سجن رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، الفريق سامي عنان والذي كان مرشحاً محتملاً للرئاسة".
وأكد المصدر أن تلك الاتفاقية "عززت الشراكة العسكرية مع أميركا بشكل غير مسبوق، وجعلت الولايات المتحدة، وبخاصة الجيش الأميركي، أكثر حرصاً على القوات المسلحة المصرية. ولذلك فإن الإدارة الأميركية دائماً ما تخالف توجهات أعضاء الكونغرس، الذين يطالبون بتعليق المساعدات وصفقات السلاح إلى مصر، وتسمح باستمرارها لاعتبارات الأمن القومي، والتي من بينها بطبيعة الحال، الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي".
الإنفاق العسكري المصري خارج المحاسبة
من جهته قال سياسي مصري، تحفظ على ذكر اسمه، إن "الإنفاق العسكري المبالغ فيه لدولة مثل مصر، ارتفع الدين الخارجي لها نهاية الربع الثاني من العام المالي الجاري ليسجل 145.5 مليار دولار بزيادة بلغت 8.1 مليارات دولار عن الربع السابق له من نفس العام، يجب أن يضع الجميع أمام مسؤوليته التاريخية".
سياسي مصري: النظام يستخدم صفقات السلاح للحصول على الدعم السياسي
وأشار المصدر إلى أن "فاتورة السلاح الوارد من أميركا فقط منذ بداية العام الحالي زادت عن 5 مليارات دولار، وهذا بالإضافة إلى صفقات السلاح الأخرى، مع الدول الغربية مثل إيطاليا وفرنسا وغيرهما".
وقال المصدر إن "النظام المصري بات يستخدم صفقات السلاح للحصول على الدعم السياسي، ولإسكات الأصوات التي تطالب بمحاسبته في الدول الغربية". ولفت إلى أن "كل ذلك يكون على حساب المواطن المصري الذي يدفع في النهاية فاتورة هذه الصفقات التي في أغلبها لا تعود بأي فائدة لا على المواطن ولا على الجيش المصري نفسه".
وأضاف المصدر أن "شراء رضا الغرب بواسطة صفقات السلاح، أصبح يشكل خطورة على الدولة المصرية، في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها الاقتصاد المصري المهدد بالانهيار، نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ومنها ارتفاع أسعار الحبوب نظراً لتأثر سلاسل الإمداد، وكذلك ارتفاع أسعار المواد البترولية، وهما من المواد الأساسية التي تستورد مصر منها كميات ضخمة".
وقال المصدر إن "التطمينات الأميركية للحكومة المصرية بالمساعدة في توفير المواد الغذائية والبترولية، والدعم العسكري الذي تقدمه لها، هدفه الرئيس الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع مصر، في سياق تشكيل تحالف دولي بمواجهة روسيا في حربها مع أوكرانيا، لكن هذه التطمينات لا يمكن الاعتماد عليها لضمان استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد".