تُشير مصادر أمنية عراقية في العاصمة بغداد، إلى توجه جديد لوزارة الداخلية في إعادة تفعيل أوامر الاعتقال القضائية المتعلقة بـ"جرائم القتل والاعتداء المسلح والتزوير وانتحال الصفة والفساد المالي" المعطلة منذ سنوات عديدة بسبب تأثيرات مورست على الأجهزة الأمنية، وخاصة في بغداد وديالى والبصرة وبابل وذي قار، في خطوة تهدف منها إلى إصلاح هذا الخلل وتأثيراته السلبية بمجريات الملف الأمني.
ويُعَدّ ملف أوامر القبض المعطلة من الملفات الشائكة، إذ صدرت خلال السنوات الماضية مئات من أوامر القبض بحق متورطين بأعمال عنف وفساد مالي في عدد من المحافظات، فضلاً عن ارتكاب انتهاكات وجرائم مختلفة، إلا أنّ ارتباطات هؤلاء بفصائل مسلحة أو أحزاب سياسية أو عشائر وقبائل نافذة أو تمتعهم بعلاقات واسعة بينها مع ضباط وقادة أمنيين، حال دون إمكانية تنفيذ تلك الأوامر، الأمر الذي عطّل تنفيذها، وكانت له آثار سلبية على الوضع الأمني.
وكان وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، قد بحث في مؤتمر موسع الأسبوع الماضي، عقده بحضور قادة الوزارة وعدد من الضباط والمنتسبين عدداً من الملفات، من بينها تفعيل أوامر القبض، ووفقاً لبيان للوزارة، فإن "الوزير أكد أهمية استعادة ثقة المواطن برجل الأمن، وأن تكون أجهزة ومفاصل وزارة الداخلية محط ثقة واطمئنان في الشارع من خلال التعاون الإيجابي بين القوات الأمنية والمجتمع".
وشدد على "ضرورة العمل بالقانون وإعطاء كل ذي حق حقه، وأن تُنفَّذ أوامر القبض القضائية بحق أي شخص مهما كان، في حال إدانته وفق القانون".
ولم تكشف الوزارة أي تفاصيل باتجاه خطواتها اللاحقة بهذا الملف، إلا أن مسؤولاً فيها أكد لـ"العربي الجديد"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، أنّ "الوزارة شكلت لجاناً خاصة تعمل على متابعة القضايا التحقيقية غير المنفذة، ومنها أوامر القبض"، مبيناً أنّ "تلك اللجان سيكون من مهامها تنفيذ زيارات تفتيشية لجميع مراكز الشرطة والدوائر المرتبطة بها، وستعمل على جرد وإحصاء جميع القضايا التحقيقية المسجلة والمنجزة، وغير المنجزة فيها، فضلاً عن أوامر القبض".
وأشار المسؤول إلى أن "تلك اللجان ستقوم بإحصاءات شاملة لكل ما لم ينفذ من تلك الأوامر، وترفعها بتقرير الى الوزارة ليتم التعامل معها"، مشيراً إلى أنّ "الوزارة تسعى لتنفيذ كل القضايا المعطلة، ومنها أوامر القبض".
ولا توجد إحصائية رسمية بأعداد تلك الأوامر، إلا أن محافظة ديالى الواقعة شمال شرق بغداد، التي تسجل منذ أشهر عدّة تراجعاً أمنياً، تُعَدّ من أبرز المحافظات التي لم تنفذ فيها المئات من أوامر القبض.
وقال قاضٍ في المحافظة، إنّ "أوامر القبض التي صدرت من قبل القضاء بالمحافظة بالمئات خلال الفترة الماضية أغلبها لم تنفذ"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، ومشترطاً عدم ذكر اسمه، أنّ "القضاء جهة تشريعية، وأنّ تعطيل تلك الأوامر تتحمل مسؤوليته الجهات التنفيذية حصراً".
وأشار إلى أنّ "الملف وجه من أوجه الفساد الإداري، وقد لا يخلو من المداخلات السياسية، ومحاولات بعض الجهات منع تنفيذ الأوامر لأجندات خاصة"، مشدداً على أن "هناك ضرورة ملحة لمحاسبة قانونية لأي جهة يثبت تقصيرها أو تعمدها تعطيل تلك الأوامر".
وعاد تعطيل تنفيذ أوامر القبض سلباً على الوضع الأمني عموماً، وقد كانت الوفود الأمنية التي تتابع الملف الأمني بالمحافظات، تشخص هذا الخلل بأنه سبب رئيسي بتسجيل أعمال العنف، وتوجه بضرورة تنفيذ تلك الأوامر، إلا أنّ الجهات المسؤولة تعطلها.
يشار إلى أنّ الملف الأمني في أغلب المحافظات أُدير خلال السنوات الماضية بشكل غير مهني، إذ سيطرت المحسوبيات والعلاقات والارتباطات الحزبية عليه، الأمر الذي نتج منه استفحال التراجع الأمني.