مع رأس كل سنة ميلادية، ظل السودانيون ولعشرات السنوات، يحتفلون بفخر واعتزاز، على المستويين الشعبي والرسمي، بذكرى استقلال بلادهم عن الحكم الإنكليزي (1898-1956)، ذلك الحدث الذي اكتملت فصوله في الأول من يناير/كانون الثاني من عام 1956 برفع علم السودان على سارية القصر الجمهوري.
في السنوات الأخيرة، فترت رغبة السودانيين في إحياء تلك المناسبة، وتحوّلت عند بعضهم إلى مناسبة لاجترار خيبات الحكم الوطني، والوقوف على أطلال الماضي، والبكاء على ما وصلت إليه الأوضاع من تردٍ سياسي واقتصادي وأمني واجتماعي، وفوقها انفصال جزء من الوطن، هو جنوب السودان، بتكوين دولته المستقلة في يوليو/تموز 2011، مع التعبير عن المخاوف والهواجس من مستقبل مظلم ينتظر الدولة السودانية في حاضرها ومستقبلها.
عدم الاكتراث لذكرى الاستقلال كان أوضح أول من أمس الأحد 1/1/2023، فلم تكن هناك أي مظاهر احتفالية واضحة إلا على مستوى محدود ومحصور في أجهزة الإعلام الحكومية وبعض مؤسسات الدولة التي زينت مقارها بالأعلام السودانية. كما كان لافتاً إلغاء الاحتفال الرسمي الذي ظل يُنظّم في القصر الجمهوري كل عام في ليل 31 ديسمبر/كانون الأول، فيما اكتفى رئيس مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان هذه المرة بتسجيل خطاب خجول للمناسبة وبثه عبر التلفزيون الحكومي.
من المؤكد أن نتائج ما بعد الاستقلال الكارثية في ظل الفشل في تحقيق الحد الأدنى من تطلعات السودانيين في الحياة الكريمة، واندلاع حروب ونزاعات عبثية، وإضعاف أجهزة الدولة وكيانها المنحاز، ضربت قيم الانتماء للوطن.
كما صادرت الحكومات العسكرية التي جثمت بقوة السلاح لمدة 54 عاماً، حق السودانيين الأساسي في الحرية والعدالة والمساواة، ونهبت معها موارد السودان، وأقعدت البلاد عن التقدم والازدهار، ورهنت قرارات كبيرة لقوى دولية أو إقليمية، وصمتت حتى عن احتلال أراض سودانية. كما قطع العسكر الطريق أمام نجاح ثلاث ثورات شعبية جادة لتغيير الواقع، كانت الأخيرة بينها ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 والتي ترزح الآن تحت وصاية قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو.
وسط ذلك الظلام الحالك، تظهر نقطة ضوء في آخر النفق، تستمد نورها وضياءها من شباب ثورة ديسمبر، فوحدهم من باستطاعتهم إحياء الأمل في نفوس السودانيين، واستعادة الاستقلال الحقيقي للبلاد، وإن طال مسارهم.