لم يجد قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان، ومعه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، قبل عام ونصف العام، وهما يهمان بتنفيذ انقلابهما ضد الثورة السودانية، وما أحدثته من تحوّل ديمقراطي، سوى استخدام أحزاب سياسية لا وزن لها، وزعماء قبائل لا تهمهم إلا الامتيازات والمصالح الشخصية، وحركات مسلحة مريضة بحب السلطة ونهمة لنهب الأموال العامة، ونظام بائد غاية ما يتمناه هدم المعبد على الكل.
جميع هؤلاء بنوا حاضنة سياسية أوهن من خيط العنكبوت للتسويق للانقلاب العسكري وتبنّيه مقابل حفنة من السلطة. تلك الجماعات عجزت في مهمتها التسويقية، كما عجز الانقلاب خلال نحو 19 شهراً عن فعل شيء في مواجهة الرفض الشعبي والضغط الخارجي وعدم التماسك الداخلي.
كما فشلت تلك الجماعات، التي تفننت في تغيير اسمها وصولاً إلى اسم "الحرية والتغيير-الكتلة الديمقراطية"، في تقديم أي حلول واقعية للأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، إن كانت فعلاً راغبة في حلول. وأخيراً سلمت أمرها لقوى خارجية لتقرر لها ما يجب أن تفعله وما لا يجب، وتحوّلت في نهاية المطاف إلى ظاهرة رد فعل يتعلق بالكلام فقط، على ما يُبادر به الآخرون من حلول.
حينما شعر قادة الانقلاب العسكري بضعف تلك المجموعات وفشلها حتى في إدارة المناصب الحكومية التي احتفظوا بها عقب انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، باعوها في منتصف الطريق، وقرر العسكر الدخول في اتفاقيات بعيداً عن هذه المجموعات، ونكصوا بكل ما اتفقوا عليه معها جهراً وسراً، وتركوها تندب حظها، وتبحث عن مكاسب كانت ملك أيديها لوقت قريب.
من المضحك أن جماعة "الكتلة الديمقراطية" لم تستوعب الدرس إلى الآن، ولا تزال تخطب ود العسكر، وتنأى عن الهجوم عليهم بعد أن خذلوها. وتوجّه الكتلة دوماً أسلحتها الصدئة للآخرين، وتحاول أن تستعطف الشعب بدعاوى التهميش وقضايا المهمشين، وهي قضايا ثبت أنها في آخر أولوياتها.
وإذا كانت الكتلة لا تريد استيعاب دروس الخيانة، فعلى الآخرين أن يستوعبوها، بمن فيهم القوى السياسية التي أكملت فصول اتفاقها مع العسكر الآن، فعليها عدم الرهان على التزامات العسكر وتعهداتهم في أي لحظة من اللحظات، لأن التجربة مع العسكر أثبت وستثبت أكثر أنهم لن يتخلوا يوماً عن طموحاتهم الشخصية في السلطة، وأن تنازلاتهم المرحلية ما هي إلا من قبيل التكتيك والمناورة وكسب الوقت.