منذ استقالة رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، من منصبه، الأحد الماضي، برز عدد من الأسماء لخلافته، لكنه لا يزال هناك تعقيدات قد تؤخر خطوة اختيار خلف لحمدوك.
ويكمن التعقيد الأول في الانقسام الحاد في الساحة السياسية، والرفض الشعبي للانقلاب العسكري، وهو رفض مستمر لأكثر من شهرين، ما يُصعب مهمة اختيار شخصية لتولي منصب رئيس الوزراء، أو من شبه المستحيل، حصول تلك الشخصية على القبول، خصوصاً إذا ما جرى تعيينها بسياق الانقلاب العسكري وشروطه.
ويتعلق التعقيد الثاني بالموقف الدولي المتحفظ على تعيين رئيس وزراء بشكل أحادي من قبل المكون العسكري، دون توافق مع بقية القوى السياسية، بما في ذلك تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، الذي أزاحه الانقلاب عن المسرح السياسي.
وتأكد التحفظ الدولي، عبر بيان مشترك بين الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا (الولايات المتحدة، والنرويج، والمملكة المتحدة)، حذر من مغبة تعيين بديل لحمدوك، دون مشاركة مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة المدنيين.
ويبدو أن المجتمع الدولي بأجمعه يخطط بتنسيق إقليمي، وتحديداً مع الإمارات والسعودية، لتأخير قرار تعيين رئيس وزراء، واقتراح حوار جدي برعاية دولية إقليمية، للخروج من الأزمة الحالية، قبل أي إجراءات أخرى، قد تزيد الوضع السوداني ارتباكاً.
ويرتبط التعقيد الثالث بصعوبة قبول كثير من الشخصيات السياسية أو المستقلة للمنصب، لأنها ستُحسب مباشرة ضمن الصف الانقلابي، كما حدث مع حمدوك نفسه، فقد ظل يُنظر إليه منذ تعيينه في أغسطس/آب 2019 رمزاً لمدنية الحكم، ووجد إجماعاً من النادر الحصول عليه. وعقب توقيعه اتفاقاً مع قائد الانقلاب، عُدَّ حمدوك جزءاً من الانقلاب، ورفضته الأحزاب السياسية المعارضة والشارع المنتفض، وهو واحد من أهم أسباب استقالته، مطلع الأسبوع الجاري.
وعلاوة على تلك التعقيدات، ليس من المستبعد أمام الانقلاب تجاهل الواقع والوقائع، وعدم الإنصات للأصوات المحلية والدولية، والمضي في خطوات إيجاد بديل لحمدوك، بدليل تشكيل مجلس السيادة للجنة مصغرة، أمس الثلاثاء، برئاسة عضو المجلس الفريق ياسر العطا لترشيح أسماء للمنصب، وبناءً على ذلك، برزت خلال اليومين الماضيين ترشيحات عدة تتفاوت حظوظها من شخص لآخر.
أبرز المرشحين والذي أقر بتواصل مجلس السيادة معه بهذا الشأن هو إبراهيم البدوي
أبرز المرشحين، الذي أقرّ بتواصل مجلس السيادة معه بهذا الشأن، إبراهيم البدوي، الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد، والموظف السابق في البنك الدولي، والذي تولى منصب وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، بحكومة حمدوك الأولى في الفترة من سبتمبر/أيلول 2019 وحتى يوليو/تموز 2020، وهو عرّاب الإصلاحات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة، والقائمة على اتباع وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ومن الواضح أن البدوي أبدى موافقة مبدئية على تولي المنصب، لكنه اشترط لذلك بأن تكون الأولوية لبناء ميثاق وطني وتوافق عريض يرتكز على الفضاء السياسي الذي أوجده شباب الثورة.
ويراهن عسكر الانقلاب على الصلات والعلاقات الدولية لإبراهيم البدوي، لفك العزلة التي واجهتها البلاد عقب الانقلاب، بوقف عدد من الدول ومؤسسات التمويل الدولية مساعداتها المالية والاقتصادية للسودان، ويرى العسكر فيه الأقرب لشخصية عبد الله حمدوك، الذي أحدث اختراقات كبيرة على المستوى الخارجي، خلال توليه منصب رئيس الوزراء، بما في ذلك رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإعفاء نسبة كبيرة من ديون السودان، واستقبال الخزينة العامة لقروض ومنح لمساعدة الاقتصاد على التعافي.
ويصنف البدوي على أنه قريب جداً من حزب الأمة القومي، وإذا وافق على المنصب، فإنه سيكون كسباً سياسياً للعسكر لثقل الحزب شعبياً، وشقاً لصفوف المعارضة، هذا غير أن للبدوي مواقف وتحفظات على تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير لاعتراضه على برنامجه الاقتصادي في أثناء وجوده في الوزارة وتسببها في مغادرته للمنصب، العام الماضي.
من المرشحين لمنصب رئيس الوزراء وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الحالي جبريل إبراهيم
ومن المرشحين أيضاً لمنصب رئيس الوزراء، وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الحالي، جبريل إبراهيم، وهو واحد من الداعمين للانقلاب العسكري، ولا يسميه انقلاباً، بل ثورة تصحيحية، وشاركت حركة العدل والمساواة التي يتزعمها في سيناريو التمهيد للانقلاب بالاعتصام في سبتمبر/أيلول الماضي أمام القصر الرئاسي لمطالبة الجيش للتدخل وحل حكومة الحرية والتغيير.
ويجد ترشيح إبراهيم تحفظاً واسعاً في الشارع الثوري، لارتباطه القديم بالحركة الإسلامية التي سيطرت على الحكم لثلاثين عاماً، ولرفضه الإجراءات التي سارت عليه حكومة الثورة، على صعيد تفكيك النظام القديم، عدا أن الرجل غير مقبول بنسبة كبيرة من محور الإمارات والسعودية ومصر بسبب ارتباطه القديم بجماعة الإخوان المسلمين بنسختها السودانية.
وبرز أيضاً اسم مضوي إبراهيم، وهو ناشط سوداني وأستاذ جامعي وترأس في سنوات سابقة واحدة من منظمات المجتمع ذائعة الصيت، منظمة التنمية الاجتماعية السودانية، ودخل بسبب نشاطاته تلك معتقلات نظام الرئيس المعزول عمر البشير لأكثر من مرة.
وبعد سقوط النظام، لعب إبراهيم، دور "حمامة السلام"، بالتقريب المستمر بين المكون العسكري والمكون المدني وحلحلة خلافتهما، وكان له دور في الاتفاق بين قائد الجيش ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في 21 نوفمبر/تشرين الأول الماضي، عقب الانقلاب، وهو الاتفاق الذي مهد لعودة حمدوك إلى موقعه بعد إقالته بواسطة البرهان في اليوم الأول من انقلاب 25 أكتوبر.
وطبقاً لتصريحات منسوبة إلى مضوي إبراهيم في اليومين الماضيين، فإنه يرفض تماماً فكرة تولي المنصب، ولا تُعَدّ بحسب التجارب السياسية، تلك التصريحات نهاية المطاف.
وهناك أسماء أخرى، مرشحة، بما فيها الموظف الأممي السابق كامل إدريس، ومدير جامعة أفريقيا العالمية هنود أبيا، وأسماء أخرى، كذلك إن عودة عبد الله حمدوك ليست بعيدة، إذا ما استُجيب لشروطه السابقة، بتوافق جديد بين العسكر والمدنيين.