مثلما كان متوقعاً، تأجل موعد توقيع الاتفاق السياسي في السودان مرة جديدة، بسبب الخلافات داخل صفوف العسكر، من دون تحديد موعد جديد، وذلك بعد أن كانت الأطراف المدنية والعسكرية قد أجّلت التوقيع من 1 إبريل/ نيسان الحالي إلى 6 من الشهر نفسه، لإتاحة الفرصة للجيش وقوات الدعم السريع لإكمال مفاوضاتهما.
وأكد تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" في السودان تأجيل توقيع الاتفاق النهائي بين العسكر والمدنيين، الذي كان مقرّراً أمس الخميس، بسبب استئناف المباحثات المشتركة بين الأطراف العسكرية الموقعة للاتفاق السياسي الإطاري، في ما يتّصل بالجوانب الفنية الخاصة بإجراءات الإصلاح الأمني والعسكري.
إرجاء توقيع الاتفاق
لكنه أكد، في الوقت ذاته، أن العملية السياسية لإنهاء الأزمة السياسية في السودان تمضي صوب نهاياتها. وأوضح التحالف، في بيان، بمناسبة ذكرى ثورة إبريل/ نيسان 1985، وذكرى بدء اعتصام محيط قيادة الجيش 2019، أن استئناف المفاوضات بين الجيش وقوات الدعم السريع أدى إلى إرجاء توقيع الاتفاق السياسي النهائي في موعده في الأول والسادس من إبريل الحالي.
ولفت إلى أن مسار تلك المفاوضات بين العسكريين شهد تقدماً في ملفات عدة، وتبقى أمام إنهائها الاتفاق على القضية الأخيرة، وبمجرد الوصول إلى اتفاق حولها، فإن الطريق سيكون سالكاً أمام توقيع الاتفاق السياسي النهائي الذي سيحقق تطلعات الشعب وآماله في استعادة مسار الانتقال الديمقراطي مرةً أخرى، وخروج المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية، وتشكيل مؤسسات حكم مدنية كاملة، من دون أي شراكة في أي مستوى من المستويات أو المؤسسات. يُذكر أن الخلاف يتركز حول دمج الدعم السريع بالجيش والمدة التي ستُمنح لحصول هذا الدمج.
البرهان: تأجيل التوقيع لوضع أطر تحافظ على زخم الثورة
من جهته، أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، في خطاب أمس، أن تأجيل توقيع الاتفاق السياسي جاء بقصد وضع الأطر المتينة التي تحافظ على زخم الثورة. وقال: "تمر علينا ذكرى انتفاضة شعبنا الباسل في إبريل من عام 1985 وبلادنا تتقدم بثبات على ذات الطريق الذي رسمه الشهداء، ساعين نحو التغيير الجذري لأنماط الحكم القمعية والاستبدادية".
وأضاف: "نؤكد استكمال العملية السياسية التي تجري الآن بالسرعة المطلوبة بما يوصد الأبواب على كل محاولات الردة". واعتبر أن التأجيل الذي صاحب توقيتات توقيع الاتفاق السياسي، جاء "بقصد وضع الأطر المتينة التي تحافظ على زخم الثورة وعنفوانها"، مضيفاً أن الأطراف "تعمل الآن بجد لإكمال النقاش حول الموضوعات المتبقية".
وتعليقاً على هذا التطور، قال إمام الحلو، القيادي في حزب الأمة القومي، أحد أحزاب "قوى الحرية والتغيير"، إن التأجيل أمر محزن، خصوصاً بعد إعلان جداول زمنية، وبعد صبر طويل للشعب السوداني بعد انقلاب 25 أكتوبر.
وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأهم بالنسبة إليهم إنهاء المراحل، وطيّ صفحات كل الخلافات، وآخرها الخلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهي التي أخرت توقيع الاتفاق النهائي، وتوقيع الدستور والبدء بتشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، مؤكداً أنه لا يشعر بأي نوع من التشاؤم، ويرجح نجاح المفاوضات بين العسكريين في إحداث اختراق يضمن توقيع الاتفاق النهائي بأسرع ما يكون.
وحول إمكانية لجوء العسكر للمراوغة، أوضح الحلو أن المراوغات واردة، لكن في الحالة الراهنة فإن الحقيقة هي وجود خلاف حقيقي بين الجيش و"الدعم السريع"، وهي خلافات بمقدورهما حلها بعد أن قطعوا شوطاً كبيراً، وتحتاج المتبقية إلى حسّ وطني يراعي ما وصلت إليه البلاد والوضع الاقتصادي والمعيشي ليتم تجاوزها بسرعة، وصولاً إلى توقيع الاتفاق النهائي.
وحول مستقبل العملية السياسية والمدى الزمني الذي يمكن أن تنتظره القوى المدنية لحين حل الخلافات بين الجيش والدعم السريع، أوضح الحلو أنهم متمسكون بالعملية السياسية، ولا يعني لهم التأجيل لمرتين فشلها، ويتوقعون اكتمالها في أي لحظة، لكن إذا حدث أي تطور، ففي آخر اجتماع لقيادات "الحرية والتغيير" حُدِّدَت كل الخيارات السلمية للمواصلة في عملية استرداد التحول الديمقراطي والحكم المدني.
من جهته، رأى الناشط السياسي جعفر خضر، أن تأجيل التوقيع جاء لأن البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي)، غير راغبين في العودة إلى الانتقال الديمقراطي، ولا في الخروج من العملية السياسية، وكلاهما يحاول الحصول على أكبر قدر من المكاسب في تنافسهما المستمر على السلطة.
جعفر خضر: تأجيل التوقيع جاء لأن البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو غير راغبين في العودة إلى الانتقال الديمقراطي
ولفت، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن عملية التسوية السياسية منحتهما الحصانة عن الملاحقة، وباتا يفكران في النفوذ والمستقبل والانتخابات المقبلة، وكل منهما يرغب في ترشيح نفسه. وأكد أن التأجيل يعني فشل العملية السياسية، وهو أمر حسب تقديره جيد، لأن الفشل لو توضح بعد التوقيع النهائي، ستكون نهايته أفظع.
المستقبل للشارع
وأضاف أن مستقبل الحلول الحقيقية في السودان تأتي بالعودة للشارع والتمسك بشعارات "لا تفاوض لا شراكة لا شرعية" مع مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. ومنذ انعقاد ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، ما بين 26 و29 من الشهر الماضي، سيطرت الخلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ يطالب الجيش بجداول زمنية واضحة بشأن دمج "الدعم السريع" داخل صفوفه، ويربط بين توقيعه الاتفاق النهائي، والاتفاق على تلك الجداول لتكون جزءاً من الاتفاق النهائي.
ويقترح الجيش مدة سنتين للفراغ من عملية الدمج، بينما يقترح "الدعم السريع" أكثر من 10 سنوات، ويرفض دمج قيادته بقيادة الجيش في المرحلة الأولى، ما لم تبدأ خطوات عملية في إصلاح الجيش وإبعاد العناصر المحسوبة على النظام السابق.
وسبق أن أجّلت الأطراف المدنية والعسكرية موعد التوقيع من 1 إبريل/ نيسان الحالي إلى 6 من الشهر نفسه، لإتاحة الفرصة للجيش والدعم السريع لإكمال مفاوضاتهما. وكانت القوى المدنية الموقعة للاتفاق السياسي الإطاري قد عقدت اجتماعاً، الثلاثاء الماضي، تسلمت فيه نسخة مسودة الاتفاق السياسي النهائي.
وأكدت القوى، في بيان وقتها، أن المسودة عالجت القضايا العالقة، وأنها جاهزة للتوقيع، فيما عدا القضايا الفنية المتبقية في ملف الإصلاح الأمني والعسكري.