في الأسابيع الماضية، عاشت الساحة السياسية في السودان حالة من السكون النسبي، واصل فيها عسكر انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مسيرة العجز والتردد، بينما انخفضت وتيرة التصعيد الثوري إلى أقل درجة بمقياس الثورة السودانية منذ ديسمبر/ كانون الأول 2018.
مطلع هذا الأسبوع، تحرك المشهد نحو فصول عبثية، بداية بمؤتمر مائدة مستمرة برعاية أحد شيوخ الطرق الصوفية القادرية، وهو الشيخ الطيب الجد. وجاء المؤتمر في قمة العبثية وأكثر ما فعله هو إعادة تدوير بقايا النظام السابق، ومنحهم فرصة على طبق من ذهب لتسويق أنفسهم وتنظيماتهم بثوب جديد أو فلنقل بجبة صوفية، عُرفت طوال تاريخها بالاصطفاف على مسافة واحدة من بين كل الأطراف السياسية. وأسوأ ما في المؤتمر هو الترسيخ لنهج قبلي يمضي مع سبق الإصرار والترصد على تمزيق البلاد والعباد.
في الأيام التالية، خرجت قوى الحرية والتغيير (مجموعة التوافق الوطني) المصابة باليأس من العسكر ونهاية شهر العسل معهم، لتعلن عن نيتها إجازة 4 أوراق خاصة بالدستور الانتقالي، ومعايير اختيار رئيس الوزراء، ومهام الحكومة الانتقالية، والإعلان السياسي.
هذه الخطوة الأحادية لا رجاء ولا أمل فيها. إنها تُحاكي فقط نشاط قوى تحالف إعلان الحرية والتغيير، والتي أعدت هي الأخرى مشروع دستور انتقالي.
الحركات المسلحة الشريك في الحكم بموجب اتفاق سلام موقع في عام 2020 كان لها من عبث السياسة نصيب، فقد استقالت وزيرة الحكم الاتحادي بثينة دينار، نتيجة لخلافات ومواجهات داخل حركتها، وتلك هي الحقيقة، وإن غلّفت أمرها بانحيازها للثورة، لأن الثورة فقدت أكثر من 100 شخص، تفرجت عليهم الوزيرة من على كرسيها الوثير.
على صعيد قوى الثورة المناهضة للانقلاب العسكري، لا يبدو الحال فيها أفضل. الانقسام بين هذه القوى يتعمق أكثر ويتجذر، ولجان المقاومة، الأيقونة وماكينة الحراك الثوري، بدأ البساط ينسحب من تحت أقدامها، لأخطاء عدة ارتكبتها. والمجتمع الدولي والإقليمي نفسه، لم يعد بالحماسة والجدية ذاتهما لمساعدة السودانيين لإيجاد حل، وتلاشت المبادرة الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة "إيغاد"، وتوقفت بالحي الكافوري بمدينة الخرطوم بحري المساعي الأميركية السعودية، أما المبادرات الداخلية، فحدث ولا حرج، ففيها تجلت العبثية بوصولها لأربعين مبادرة تحتاج بدورها لمبادرة أخرى لتتوسط بين المبادرات.
وفي هذا الوضع، يصعب التفاؤل والرجاء والأمل ولا يمكن استبعاد أسوأ السيناريوهات التي لن تبقي ولن تذر، وهو أكثر ما يخشاه السودانيون خصوصاً حينما يعيدون شريط ما حدث ببلدان مجاورة، وما أكثر التجارب المريرة.