سباق ضد الزمن لنزع فتيل الأزمة بين الجيش السوداني والتدخل السريع
لا تزال مدينة مروي، شمال السودان، تشهد توتراً مستمراً، لليوم الثاني، وسط قلق الأهالي من احتمال الدخول في مواجهة عسكرية بين الجيش و"قوات الدعم السريع"، يأتي ذلك فيما عبّر مبعوثو ست دول ومعهم مبعوث الاتحاد الأوربي أيضاً، عن شعورهم بقلق عميق إزاء التصعيد الحاصل، فيما أكد قائد قوات الدعم السريع حمدان دقلو التزامه التام بما تم التوقيع عليه في الاتفاق الإطاري وحرصه على تعزيز الاستقرار.
وذكر محيي الدين طه، أحد أهالي مروي، لـ"العربي الجديد"، أن قوات من الجيش والدعم ما زالت متمركزة في أمكنتها، ولم يطرأ أي جديد حول انسحاب "قوات الدعم السريع" طبقاً لما يطالب به الجيش. وأشار طه، الذي يشغل أيضاً عضوية لجان الخدمات والتغيير، إلى أن الأهالي توجهوا إلى قيادة الجيش في المنطقة التي طمأنتهم بعدم حدوث مواجهة عسكرية ما لم تستنفد كل المعالجات.
وينتاب قلق أهالي الأحياء القريبة من مطار المدينة، وفقًا لمحيي الدين طه، الذي أكد أيضًا أن مدرسة ابنه اتصلت به وطالبته بالحضور لأخذه وإعادته للمنزل خشية وقوع مواجهات.
وتصاعدت الأحداث، يوم أمس الأربعاء، مع وصول "قوات الدعم السريع" إلى مدينة مروي بالقرب من مطار المدينة، في ظل العلاقة المحتقنة أساسًا مع الجيش.
وبدأت تظهر إرهاصات انطلاق لحظة المواجهة، سواء في مروي أو الخرطوم العاصمة، وأصدر الجيش بياناً اتهم فيه "قوات الدعم السريع" بالانتشار في العاصمة وبعض المدن من دون موافقته أو التنسيق معه، وعدّ ذلك تجاوزاً للقانون، وقال إن استمرار ذلك سيؤدي إلى انفراط عقد الأمن والمزيد من الانقسامات والتوترات الداخلية، وهو ما نفته "قوات الدعم السريع"، في بيان سابق لبيان الجيش، وأكدت أن كل تحركاتها تتم بتنسيق مع الجيش.
لكن المواطن رحيمة وراق، الذي تحدث أيضاً من مدينة مروي عبر الهاتف لـ"العربي الجديد"، يرى أن فلول النظام السابق في المنطقة هي التي تسعى إلى تأجيج الموقف بين الجيش و"الدعم السريع".
وأكد أن أهالي المنطقة غير راغبين مطلقاً في قيام أي حرب في مناطقهم ولا أي منطقة أخرى في السودان، داعيًا إلى إبعاد كل المظاهر العسكرية عن المدينة وبقية المناطق، وإبعاد "قوات الدعم السريع" وعناصر الجيش المصري الموجودة في مطار مروي على وجه التحديد.
وتوترت العلاقة بين الجيش و"قوات الدعم السريع" منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول من العام قبل الماضي، بعدما قال قائد "قوات الدعم السريع" محمد حمدان دقلو إنه اكتشف أن الانقلاب يريد إعادة فلول النظام البائد للسلطة، كما انتقد لاحقاً فشل الانقلاب في تحقيق أي من أهدافه، وأيّد بعد ذلك بقوة التسوية السياسية مع المدنيين، ووقّع على الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الماضي. وطالب دقلو العسكريين بتسليم السلطة للمدنيين كاملة.
في المقابل، وقّع الجيش بتحفّظ شديد على الاتفاق الإطاري قبل أن يقبل به، لأنه ينص على دمج "قوات الدعم السريع" في الجيش. ومع بدء الطرفين في مناقشة تفاصيل الدمج، اندلعت الخلافات والحرب الكلامية، مع تحشيد عسكري هو الأضخم في التاريخ القريب.
سباق مع الزمن لنزع فتيل الأزمة بين الجيش السوداني و"التدخل السريع"
ومع تصاعد التوتر، دعا حزب الأمة القومي إلى اجتماع موسع اليوم يشارك فيه كل رؤساء الأحزاب السياسية، للحيلولة دون اندلاع الحرب، فيما يواصل رؤساء حركات مسلحة الجهود التي بدأت قبل أيام بالتواصل مع قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان وقائد "الدعم السريع" الجنرال محمد حمدان دقلو لنزع فتيل الأزمة.
وأصدر تجمّع المهنيين السودانيين، عضو تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، بياناً دعا فيه قادة القوات المسلحة و"الدعم السريع" والشرطة والمخابرات العامة، إلى "تغليب صوت العقل في ما بينهم، وإدارة علاقاتهم وفقاً للقوانين التي تحكم المؤسسات العسكرية والأمنية، والقيام بالواجبات المنصوص عليها في القوانين الخاصة بهم والتي تلزمهم بالحفاظ على الأمن الداخلي والقومي وتصد العدوان الخارجي وتحمي الشعب السوداني، لتجنب حدوث أي صدام".
وحذر البيان من "استثمار فلول النظام البائد ومنسوبي حزبه المحلول وحركته المخلوعة، التباين في وجهات النظر والآراء الفنية حول قضية الدمج والعمليات الفنية المتعلقة بها والقيادة والتحكم والسيطرة، كذريعة وسبب لإشعال حرب ونزاعٍ تتم من خلاله مقايضة الانتقال الديمقراطي والتحول المدني بالأمن والسلم الاجتماعي والتعايش السلمي، يفضي إلى عودة نظامهم ليحكم الشعب السوداني الذي رفضهم بثورة شعبية"، حسب ما جاء في البيان.
وأوضح أن "النظام البائد ظل يعمل من أجل عرقلة المرحلة النهائية للعملية السياسية، وصولاً إلى الاتفاق السياسي النهائي والدستور الانتقالي وتشكيل حكومةٍ مدنية كاملة، وخروج العسكر من السياسة".
ما احتمالات اندلاع مواجهة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"؟
وحول احتمالات المواجهة، يقول الفريق فتح الرحمن محيي الدين، القائد الأسبق لسلاح البحرية السوداني، إن المواجهة قائمة ما لم تنصع قوات "الدعم السريع" لتعليمات قيادة الجيش وتتراجع عن كثير من المناطق التي انتشرت فيها خلال الأيام الماضية دون موافقة الجيش.
وبيّن محيي الدين، خلال حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الدعم السريع" إن لم تفعل ذلك فإنها ستعتبر قوات متمردة، مؤكدًا أن الجيش قادر على حسمها دون أي مساعدة من أي جهة خارجية، ولافتاً إلى أن وجود عناصر من الجيش المصري في مطار مروي لأغراض التدريب فقط وفي مشاريع تدريب لها أكثر من 3 سنوات ولا دخل لها بالتوتر بين الجيش و"الدعم السريع".
واستبعد محيي الدين نجاح جهود الوساطة التي يقودها المدنيون لنزع فتيل الأزمة بين الجيش و"الدعم السريع". وفي هذا الإطار، قال محيي الدين: "إذا أراد المدنيون نجاحها فعليهم سحب الاتفاق الإطاري كلياً لأنه أساس الأزمة حينما نص على مواضيع أشاعت الخلافات بين العسكريين، وظهرت أكثر بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري، كما اتهم الفريق محيي الدين القوى المدنية بالتحالف مع قوات الدعم السريع لتكون لهم جيشاً موازياً تحقق بها أهدافها السياسية، مبيناً أن القوى المدنية لم تضع احتمالاً للمواجهة التي سيكونون أول المتضررين منها"، على حد تعبيره.
"قوات الدعم السريع" لن تنسحب من مروي
لكن الخبير العسكري اللواء متقاعد صلاح عيساوي، لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الدعم السريع" لن تنسحب من مروي مهما كانت النتائج ومهما كان الثمن، مشيراً إلى أن المساس بتلك القوات يعني اندلاع حرب شاملة في الخرطوم وبقية المدن والبلدات وستأخذ طابعاً جهوياً. وحمل عيساوي مسؤولية ما يدور من توترات واحتقانات لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الذي يقول عنه إنه "استخدم كل أدوات المراوغة للتراجع عن توقيعه على الاتفاق الإطاري الذي يعطي السلطة لحكومة مدنية وهو ما لا تريده مصر"، على حد قوله.
كما وصف عيساوي البرهان بـ"الراعي الرسمي لفلول النظام السابق، وهو ما رفضه قائد الدعم السريع الجنرال دقلو ووقف ضد كل مخططات الفلول في العودة للحكم، وتوقع أن يتخذ البرهان من المواجهة مع الدعم السريع مبرراً لإلغاء العملية السياسية والانفراد بحكم البلاد"، حسب تعبيره، قبل أن يخلص إلى أنه "لا مفر من الحرب والفوضى سوى إدامة الاتفاق الإطاري والوصول للاتفاق النهائي المدعوم إقليمياً ودولياً وتجنيب البلاد دائرة العنف والعنف المضاد".
في المقابل، يستبعد الصحافي عقيل أحمد ناعم وقوع صدام عسكري بين الجيش و"الدعم السريع" في منطقة مروي، شمال السودان، لأن الموقع الذي اختارته "الدعم السريع" لتمركزها مفتوح تماماً ويجعلها مكشوفة لتلقي ضربات قاصمة، فيما لن يخاطر الجيش بالدخول في معارك مع "الدعم السريع" المنتشرة في جغرافيا واسعة وفي مواقع حساسة للغاية.
وأضاف ناعم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حميدتي اختار لقواته التغلغل داخل العاصمة الخرطوم، وفي مواقع استراتيجية، بجانب تمركزها بمعسكر ضخم على بعد عدة كيلومترات من مصفاة النفط الرئيسية في الجيلي، شمال الخرطوم، وغيرها من التمركزات الاستراتيجية في دارفور والبحر الأحمر وبقية الولايات، ما يعني أن انطلاق رصاصة واحدة في مروي هو بداية لحرب شاملة في الخرطوم ومعظم ولايات السودان.
قلق دولي
وفي أعقاب هذا التصعيد، قال مبعوثو ست دول ومعهم مبعوث الاتحاد الأوربي، إنهم يشعرون بـ"قلق عميق" إزاء التقارير التي تتحدث عن التصعيد بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
وأوضح البيان الصادر من الممثلين الخاصين بكل من فرنسا وألمانيا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، اليوم الخميس، أن تلك الإجراءات التصعيدية تهدد بعرقلة المفاوضات نحو تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية.
وحث البيان القادة العسكريين والمدنيين في السودان على "اتخاذ خطوات فعالة للحد من تلك التوترات، وعلى التعهد بالتزاماتهم والانخراط بشكل بناء لحل القضايا العالقة الخاصة بالإصلاح الأمني والعسكري لبناء جيش موحد ومهني وخاضع للمساءلة أمام حكومة مدنية".
ولفت البيان إلى أن الوقت "حان للدخول في اتفاق سياسي نهائي يحقق تطلعات الشعب في الديمقراطية".
وعد البيان "تكوين حكومة انتقالية بقيادة مدنية أمرًا ضروريًا لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والإنسانية الملحة في السودان، وأنه "المفتاح لإعادة تدشين المساعدات الدولية".
قائد قوات الدعم السريع يؤكد التزامه بالاتفاق الإطاري
وبالتزامن، عقد قائد قوات الدعم السريع لقاء مشتركاً عبر الهاتف، مع كل من المبعوث الأميركي لشؤون شرق أفريقيا والسودان وجنوب السودان، بيتر لورد، والمبعوث الخاص للمملكة المتحدة للسودان وجنوب السودان، روبرت فيرويذر، والمبعوث النرويجي الخاص للسودان وجنوب السودان، جون أنطون.
وأشار بيان من المكتب الإعلامي لنائب رئيس مجلس السيادة أن اللقاء "بحث التطورات السياسية الراهنة التي يشهدها السودان، والجهود المبذولة لاستكمال العملية السياسية، وتشكيل حكومة انتقالية مدنية، وصولاً إلى تحول ديمقراطي بقيام الانتخابات".
وأشار البيان أن نائب رئيس مجلس السيادة "شرح للمبعوثين الأوضاع بالبلاد، ومساعي الأطراف، للوصول بالعملية السياسية إلى نهاياتها"، مؤكداً "التزامهم التام بما تم التوقيع عليه في الاتفاق الإطاري، وضرورة خروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي، وحرصه على تعزيز الاستقرار، والعمل على دعم مسيرة التحول الديمقراطي بالبلاد".
من جانبهم، عبر المبعوثون الدوليون، طبقاً للمكتب الإعلامي، عن "دعمهم ومساندتهم للاتفاق الإطاري، الذي وُقع في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، للخروج من الأزمة، بوصفه الأساس، لتشكيل حكومة مدنية مقبلة في البلاد".
القوى المدنية تدعو للتهدئة
إلى ذلك، قررت القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري "الالتقاء عاجلاً بقيادة القوات المسلحة السودانية و"الدعم السريع" وطرح أفكار عملية لتجاوز التوتر الحالي واستعادة المسار السياسي، بما يعجل بتجاوز نذر المواجهة الحالية، والوصول لاتفاق نهائي تتشكل بموجبه حكومة مدنية تعبر عن الثورة وتوجهاتها، وتعالج القضايا الملحة التي يواجهها الشعب اقتصادياً وسياسياً وأمنياً".
وذكرت القوى المدنية، في بيان لها، أنها عقدت الخميس اجتماعاً طارئاً ناقش آخر التطورات السياسية في البلاد، و"وقف على النشاط المتصاعد لعناصر المؤتمر الوطني المنحل وسعيهم الحثيث لإثارة الفتنة بالوقيعة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ودق طبول الحرب أملاً منهم بأن يعودوا للتسلط على رقاب الناس مرة أخرى بعد أن لفظهم الشعب وطوى صفحة نظامهم البائد".
وأضاف البيان أن الاجتماع أكد على أن "التحديات التي تواجه القطاع الأمني والعسكري هي قضايا قديمة فاقم النظام السابق منها، وواجهتها الحكومة الانتقالية المنقلب عليها، وجاء الاتفاق السياسي الإطاري الذي صنعه المدنيون والقيادة العسكرية كخطوة شجاعة لوضع الأسس الصحيحة لمعالجتها سلماً لا حرباً".
وأشار البيان إلى أن العملية السياسية الجارية "توفر فرصة تاريخية لبلادنا للوصول لجيش واحد مهني وقومي". وحث البيان كافة أطياف الشعب السوداني المتطلعة للتغيير بـ"التصدي لمخططات النظام البائد ولدعاوى الحرب والتصعيد العسكري، ولرفض تحويل الصراع في البلاد لصراع مسلح يغيب الطبيعة السياسية المدنية للقضية الوطنية".