تحاول روسيا مجدداً التقرب من أهالي محافظة السويداء في جنوبي سورية، وذلك بعد الأحداث التي شهدتها المحافظة أخيراً، حين قضت مجموعات محلية على مليشيا تدعمها أجهزة النظام السوري الأمنية. إلا أن مصادر مطلعة في السويداء، قلّلت من أهمية الحضور الروسي في المحافظة، معتبرة أنه "إعلامي فقط، ولا يقدم أو يؤخر"، بحسب تعبيرها.
زيارة روسية إلى السويداء بتمثيل منخفض
وزار عددٌ من ضباط الشرطة العسكرية الروسية، يوم الأحد الماضي، بلدة المزرعة في السويداء، حيث التقوا ليث البلعوس، قائد فصيل "رجال الشيخ وحيد البلعوس"، الذي يعد من أهم الفصائل المحلية، والتي تقاوم تغوّل الأجهزة الأمنية في المحافظة، وتحاول الحدّ من الحضور الإيراني فيها.
واستمع الوفد الروسي إلى مطالب أهالي المحافظة، والتي تمثلت برفض التمدد الإيراني في السويداء "لأنه ساهم في نشر المخدرات وتعزيز حالة الفلتان الأمني"، وفق مصادر مقربة من البلعوس. وبحسب المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فقد "حمّل الأهالي روسيا مسؤولية ما يجري في المحافظة باعتبارها دولة ضامنة".
تقاوم فصائل محلية تغوّل الأجهزة الأمنية في المحافظة، وتحاول الحدّ من الحضور الإيراني فيها
وأضافت المصادر: "قدّم الأهالي مجموعة من المطالب، أبرزها إطلاق سراح المعتقلين من أهالي السويداء، ورفض سياسة التهجير الممنهج، والسماح بوصول المساعدات الدولية إلى المحافظة، وفتح ممرات آمنة لها بعيدة عن يد السلطة، واعتبار ممارسة العمل السياسي السلمي أمراً مشروعاً حتى ولو كان معارضاً للسلطة".
كما أكدت المصادر أن الوفد الروسي "طلب مقابلة قيادة حركة رجال الكرامة، وهي الفصيل العسكري الأكبر في المحافظة، ولكن قيادة الحركة رفضت ذلك، مطالبة بحضور وفد بتمثيل عالي المستوى".
وأشار مصدر في الحركة، فضّل عدم ذكر اسمه في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن أهالي المحافظة "لا يثقون بالروس، الذين لا يوجد ما يوحي بأنهم يدفعون للاستقرار، وقد اعتادوا على القيام بالزيارات بعد كل خضّة أمنية لإثبات وجودهم".
وكانت فصائل محلية، أبرزها "رجال الشيخ وحيد البلعوس"، و"حركة رجال الكرامة"، قد تمكنت أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، من القضاء على مليشيا "قوات الفجر" التي يقودها الهارب راجي فلحوط، في خطوة أربكت النظام في السويداء التي تشهد تململاً واستياء شعبياً نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة وانتشار تجارة المخدرات بدعم من الأجهزة الأمنية للنظام ومليشيات إيرانية.
وكانت مليشيا "قوات الفجر"، تعد الذراع العسكرية لجهاز الأمن التابع للنظام، وهو الأكثر فتكاً بالسوريين، وكانت تتحكم بسكّان المحافظة، لذا عُدّ القضاء عليها تحدياً كبيراً للنظام الذي لم يتدخل لحمايتها.
وتعد "حركة رجال الكرامة"، التي تأسست في عام 2013، أهم فصيل غير خاضع للنظام في المحافظة، غير أن دوره تراجع بعد اغتيال مؤسسه الشيخ وحيد البلعوس في منتصف عام 2015. وشكل ليث البلعوس، وهو ابن مؤسس "حركة رجال الكرامة"، فصيل "رجال الشيخ وحيد البلعوس"، إلا أن "حركة رجال الكرامة" لا تزال في واجهة المشهد كأهم فصيل في المحافظة.
لا جدّية بالتفاوض
وقلّل الناشط المدني سليمان العلي، في حديث مع "العربي الجديد"، من أهمية زيارة وفد الشرطة العسكرية الروسية الى السويداء، موضحاً أن الوفد لا يملك أي صفة تمثيلية. وقال العلي، إن التحرك الروسي "خجول على الأرض"، معرباً عن اعتقاده بأن روسيا "لن تورط نفسها بالتحالف مع فصائل محلية، بل هي تلعب لعبتها المعتادة بمحاولة إظهار الاهتمام وكسب الوقت، لا أكثر ولا أقل".
ورأى العلي أن انخفاض المستوى التمثيلي للوفد الروسي الذي جاء إلى المحافظة عقب القضاء على مليشيا راجي فلحوط، هدفه "التقليل من شأن الحراك الثوري الكبير الذي شهدته السويداء الشهر الماضي". لكن الناشط أكد أن "استئصال أكبر مليشيا تابعة للنظام في المحافظة هو حدث كبير، وسيكون له تأثيره على علاقة الأهالي مع النظام".
وأكد العلي أن الفصائل المحلية في السويداء "تحدت النظام السوري من خلال ضرب أكبر عصابة يدعمها في المحافظة"، مضيفاً أن ما جرى "رسالة واضحة مفادها أن النظام لم تعد له الكلمة في المحافظة".
قدّم أهالي السويداء للوفد الروسي مجموعة من المطالب، منها اعتبار العمل السياسي السلمي مشروعاً
وأعرب العلي عن اعتقاده بأن "الخوف الروسي من خروج المحافظة عن السيطرة، كان السبب وراء إرسال الوفد، وهو ما لا يعد خطوة باتجاه تعزيز الوجود الروسي في محافظة السويداء". ورأى أن "الجانب الروسي ليس جاداً بالتفاوض مع السكّان المحليين، بل إن كل المناطق السورية بالنسبة إليهم هي أوراق يتم اللعب بها دولياً وإقليمياً". ولذلك، فإن "كل الزيارات التي يقوم بها الروس إلى السويداء وغيرها، هي إعلامية فقط، والهدف منها منح وجودهم في البلاد شرعية شعبية".
ومنذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، حافظت محافظة السويداء على موقف محايد مما يجري في البلاد، حيث رفض الآلاف من شبّانها الانخراط في قوات النظام كي لا يشاركوا في المجازر التي ارتكبت بحق السوريين.
والسويداء من المحافظات السورية محدودة الموارد، لذا فإنها لا تستطيع الاستغناء عن علاقتها مع العاصمة دمشق التي تضم جانباً من الدروز في سورية.
ولم يقمع النظام الاحتجاجات الشعبية في المحافظة والتي بدأت تظهر منذ عام 2014 نتيجة تردي الأحوال المعيشية، واعتمد على فعاليات محلية ودينية موالية له في تطويقها في كل مرة تتجدد فيها، فالنظام يحاول الإيحاء للمجتمع الدولي بأنه بمثابة "الحامي" للأقليات المذهبية في سورية.
طلب الوفد الروسي مقابلة قيادة حركة رجال الكرامة، لكن قيادة الحركة رفضت
من جهته، اعتبر الصحافي نورس عزيز، وهو ابن محافظة السويداء، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، زيارة وفد الشرطة العسكرية الى بلدة المزرعة "رمزية"، مضيفاً أنها "رسالة بأنهم موجودون في مشهد المحافظة".
وأشار عزيز إلى أن "ليث البلعوس لا يمثل أهل السويداء، فهو يقود فصيلاً صغيراً"، موضحاً أن "حركة رجال الكرامة، وهي أكبر الفصائل في المحافظة، رفضت استقبال الوفد الروسي".
وأوضح عزيز أن "غالبية أهالي السويداء يرفضون أي وجود عسكري روسي مثلما يرفضون أي وجود إيراني"، مذكراً بحصول "أكثر من حادثة طرد للشرطة العسكرية الروسية في بلدات المحافظة". وبيّن أنها ليست المرة الأولى التي يزور فيها الروس محافظة السويداء "ولكن هذه الزيارات المتكررة لم تحدث أي تغيير على أرض الواقع"، مشيراً إلى أن النظام من جهته "يعتمد على العصابات المحلية الممولة منه لفرض إرادته على أهالي السويداء".