السيسي يبرئ طنطاوي من الدماء: كان متألماً لتسليم الحكم للإخوان

21 سبتمبر 2021
طنطاوي كان له دور بالأحداث المصرية (فرانس برس)
+ الخط -

أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الثلاثاء، الحداد الوطني العام على وفاة رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الأسبق، المشير حسين طنطاوي، وإطلاق اسمه على قاعدة الهايكستب، إحدى أكبر القواعد العسكرية في مصر، والقاعدة الرئيسية بالمنطقة المركزية.
وقال السيسي في تصريحات خلال حضوره افتتاح عدد من المشروعات، صباح اليوم، في محافظة السويس، إن طنطاوي بذل مجهودا كبيرا لمنع سقوط مصر بعد (ثورة) 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
وزعم السيسي أن طنطاوي بريء من كل الدماء التي أريقت في الأحداث التي شهدت بالفعل مصادمات بين المتظاهرين والشرطة والجيش، ومنها أحداث محمد محمود وماسبيرو والمجمع العلمي وكذلك أحداث بورسعيد، قائلا: "والله والله، وهذه شهادة مني كأحد المسؤولين، المشير طنطاوي بريء من أي دم في تلك الأحداث"، واصفا إياها بأنها "مؤامرات لإسقاط مصر".
ولمّح السيسي إلى مسؤولية الإخوان عن تلك الأحداث: "شفتوا اللي حصل للأشرار والمجرمين اللي عملوا الأحداث دي، لأن كل من هو مخلص وشريف وحريص على الناس يجب أن يطمئن، وكل من هو غير ذلك مهما كانت مهارته في التخطيط والتآمر والقتل مش هيكسب أبدا".
وحرص السيسي أيضا على تبرئة جميع المسؤولين عن حكم مصر في ذلك الوقت أيضا، قائلا إنهم جميعا ليسوا مسؤولين عن الدماء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ونقل السيسي عن طنطاوي أنه كان يقول "أنا ماسك بإيدي جمرة ومش قادر أسيبها"، مدعيا أنه كان يعلم مبكرا أن انتخابات الرئاسة سيفوز بها "فصيل معين"، يقصد الإخوان المسلمين، وأن طنطاوي كان متألما بشدة لأنه سيسلم حكم مصر للإخوان "كان يقول لي بقى التاريخ يقول عني سلمتهم الحكم!".
وكتب السيسي في تدوينة له عبر صفحته بموقع "فيسبوك": "فقدت اليوم أباً ومعلماً وإنساناً غيوراً على وطنه، كثيراً ما تعلمت منه القدوة والتفاني في خدمة الوطن".
وأضاف السيسي: "المشير طنطاوي تصدى لأخطر ما واجهته مصر من صعاب في تاريخها المعاصر، وعرفته محباً ومخلصاً لمصر، وشعبها... وإذ أتقدم لشعب مصر العظيم بخالص العزاء، فإنني أدعو الله أن يلهم أسرته الصبر والسلوان".


وشهد عهد طنطاوي تقديم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ورموز نظامه للمحاكمات في ظل تصعيد الميدان، ولكن من دون مساءلة سياسية أو محاسبة شفافة وفعّالة عن قتل المتظاهرين، كما شهد عهده إجراء عدد من الاستحقاقات الانتخابية، أسفرت عن تنازل المجلس العسكري بصعوبة عن السلطة التنفيذية لأول رئيس مدني منتخب للبلاد وهو محمد مرسي، مع احتفاظه بالسلطة التشريعية والرقابة على الجمعية التأسيسية للدستور، وذلك بعد حل مجلس الشعب المنتخب أيضا.
ولطالما كانت علاقة طنطاوي بالسيسي متميزة، حيث كان هو الذي اختار السيسي قائدا للمخابرات الحربية وعضوا بالمجلس العسكري في نهاية عهد مبارك، وقد كرّمه السيسي مرارا بعد وصوله إلى الحكم، في إشارات صريحة لعمله طوال السنوات السابقة على انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 على تقويض هدف الثورة الرئيسي وهو تداول السلطة وحرية العمل السياسي.

وقال بيان للرئاسة المصرية إن "الراحل كان بطلاً من أبطال حرب أكتوبر المجيدة، وساهم خلالها في صناعة أعظم الأمجاد والبطولات، التي سُجلت بحروف من نور في التاريخ المصري"، مضيفاً "لقد تولى مسؤولية إدارة دفة البلاد في فترة غاية في الصعوبة، تصدى خلالها بحكمة واقتدار للمخاطر المحدقة التي أحاطت بمصر".
ويعد طنطاوي وزير الدفاع الأطول بقاء في منصبه في تاريخ مصر، حيث تولى المنصب لمدة 21 عاماً، فضلاً عن توليه رئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تسلم السلطة من مبارك، إثر تنحيه في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وظل في منصبه حتى تسليم السلطة لمرسي، قبل أن يُحال إلى التقاعد بقرار رئاسي في 12 أغسطس/آب 2013.
ومن المقرر تشييع جثمان طنطاوي في جنازة عسكرية، يحضرها كافة رجال الدولة، وعلى رأسهم السيسي.
بدوره، نعى مجلس الوزراء المصري طنطاوي ببالغ الحزن وعميق الأسى، مؤكداً أن "الراحل ترجل كفارس نبيل بعد مسيرة طويلة مشرفة، بذل خلالها الكثير في سبيل رفعة وطنه، قائداً في صفوف القوات المسلحة خلال حروب مصر الحاسمة، ووزيراً للدفاع عبر سنوات صعبة، ثم رئيساً للمجلس العسكري في فترة شديدة الدقة ليعبر بها سنوات الضباب".
وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن "طنطاوي حمل، وأعضاء المجلس العسكري حينها، أمانة ومسؤولية الوطن، في فترة من أدق فترات تاريخه، تحملوا خلالها الكثير من أجل هدف واحد، هو الحفاظ على استقرار الوطن، ووحدة وسلامة أراضيه، وفاءً لما أقسموا عليه"، على حد زعمه.
وأضاف مدبولي أن "ما حققه طنطاوي خلال رحلته سيجعل اسمه خالداً للأبد في تاريخ الأمة، وقلوب المصريين، وسجل شرفاء هذا الوطن؛ فقد كان قائداً عسكرياً فذاً، ورجل دولة من طراز خاص، استجاب لنداء الوطن في كل وقت وحين، وأدى مهامه الجسام بضمير وطني، وشجاعة وإقدام، لم يبتغ إلا أن يبصر راية مصر خفاقة، وأرضها حرة مستقلة، وإرادتها صلبة لا تلين ولا تنكسر".
وطنطاوي من مواليد 31 أكتوبر/تشرين الأول 1935 لأسرة مصرية نوبية، وتخرج في الكلية الحربية عام 1956، وشارك في حروب 1956 و1967 و1973، وشغل في الأخيرة قيادة وحدة مقاتلة بسلاح المشاة، ثم عمل ملحقاً عسكرياً لمصر في باكستان ثم في أفغانستان، وتدرج في المناصب حتى عينه مبارك وزيراً للدفاع عام 1991، وحصل على رتبة المشير في 1993.
من جهته، قال رئيس مجلس النواب حنفي جبالي إن "الراحل شارك في مسؤولية إدارة البلاد خلال حقبة هامة، شملت الكثير من الأحداث الفارقة في تاريخها، وحفلت بالأهوال والأنواء، بوصفها الأخطر أثراً، والأقسى على الأمة بمسؤولياتها الجسام، إلا أنه استطاع بحكمته وبصيرته الصائبة أن يصل بمصر إلى مرفأ الأمن والأمان".
وأضاف جبالي، في بيان للمجلس: "هذا القائد العظيم كان مصدراً للإلهام والصمود، وسيظل شاهداً أميناً على ملحمة الشرف والعزة التي خاضتها مصر في جميع معاركها، إذ تحلى برباطة الجأش والمثابرة لعلمه بما يُحاك للوطن من الخارج والداخل، وحرص ألا يكون الجيش في مواجهة الشعب، بل مدافعاً وحامياً لأمنه واستقراره".
بينما قال شيخ الأزهر أحمد الطيب إن "الراحل فارق دار الحق بعد رحلة طويلة من العطاء، ومسيرة وطنية أسهم من خلالها في صناعة البطولات والأمجاد"، مضيفاً أنه "كان بطلاً عسكرياً من طراز خاص، وقف شامخاً في مواجهة أعداء الوطن في وقت عصيب، ليعبر بسفينته إلى بر الأمان".

ونعى مفتي الديار المصرية شوقي علام طنطاوي، بقوله: "ببالغ الأسى، وعميق الحزن، وبقلوب راضية بقضاء الله وقدره، أنعى أحد رموز مصر الأبرار، الرجل الذي قاد سفينة الوطن في وقت المحنة، وأفنى حياته في الدفاع عن الوطن، وخدمة ترابه المقدس"، مضيفاً: "قاد طنطاوي البلاد في وقت عصيب بكفاءة بالغة، وتصدى للمؤامرات الدنيئة ضده، وقدم نموذجاً للجندي المصري يُحتذى به، وتتعلم منه الأجيال".
في المقابل، كتب الناشط النوبي المعروف أوندي سليمان قائلاً: "كان نصف نوبي، ولم يقدم شيئاً لهذا النصف، فكل من عمل معه، وتحت إمرته، يعلمون أنه كان عدواً للنوبيين، كما لو كانت وصيته هي معاداتهم، وضرب حقوقهم في مقتل"، مستكملاً "كانوا يقدمونه كمثال على احتواء الدولة لنا، ونسف حقيقة اضطهادنا... رحل من كان ضدنا، وليس معنا... له من الله ما يستحق".


وقال الإعلامي مصطفى الغمري: "المشير طنطاوي شخصية لم تأخذ حقها من الفهم والدراسة، فهذا الرجل من أخطر الأنواع سياسياً وعسكرياً، وهذا ليس مدحاً أو ذماً... ولكن تلك الشخصية تمكنت علمياً من فعل كل شيء، من دون أن تكون لها علاقة بأي شيء، وهذا في حد ذاته أمر خارق".
وشهدت فترة حكم طنطاوي للبلاد العديد من المذابح في حق الثوار السلميين خلال عامي 2011 و2012، من دون أي مساءلة للمتورطين في ارتكابها، سواء من قوات الجيش أو الشرطة، كما شهد عهده تباطؤاً في تقديم مبارك ورموز نظامه إلى المحاكمات أمام القضاء، من دون أي محاسبة شفافة وفعالة عن جرائم قتل المتظاهرين.