أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رسمياً، اليوم الأحد، تعديلات قانونَي الفصل بغير الطريق التأديبي والخدمة المدنية، المعروفة إعلامياً بـ"فصل الإخوان" بعد أسبوعين من موافقة مجلس النواب نهائياً عليها.
وأُدخل على القانون الذي وضعته السلطة تعديل وحيد لضمان عدم تطبيق التعديلات الجديدة على الجيش، وكذلك الفئات التي تنظم أوضاعها قوانين خاصة، كالقضاة والسلك الأكاديمي.
وظهر هذا القانون للمرة الأولى في البرلمان في خريف 2020، ثم غُيِّب، لكنه عاد في يونيو/حزيران الماضي مدفوعاً برغبة أمنية وحكومية في ملاحقة ضحايا التقارير الأمنية والرقابية في الجهاز الإداري للدولة، وتحميلهم مسؤولية كل فشل تقع فيه القطاعات المختلفة، وأحدثها وأكثرها إلحاحاً الآن قطاع النقل، حيث يصر وزير النقل كامل الوزير المقرب من السيسي على تضخيم مسؤولية الموظفين المتهمين بأنهم من الإخوان المسلمين أو من محبيهم أو المتطرفين دينياً، باتهامهم بالسعي "لإفشال التطوير" وربطه بوجودهم في بعض حوادث القطارات التي وقعت أخيراً.
تأتي هذه الاتهامات رغم قرارات النيابة العامة وتحقيقاتها التي تتجه إلى وجود مخالفات فنية ومسلكية لعدد من عاملي ومسؤولي السكة الحديد، مثل تزوير أوراق الحضور والانصراف والتواجد في أماكن المراقبة والتسيير وعدم الإخطار بضرورة إبطاء السرعة في أماكن معينة.
وخرجت صفحات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي معروفة بتبعيتها لأجهزة رسمية في الدولة، بقوائم معدة سلفاً تضم أسماء أشخاص غير معروفين وعناوينهم وبيانات شخصية عنهم تزعم أنهم عاملون في السكة الحديد ينتمون إلى جماعة الإخوان، في تحريض واضح على مجموعة المواطنين خارج نطاق القانون ودون أدلة أو براهين مشروعة، في عودة لأجواء الانتقام "المكارثي" من الإسلاميين في أعقاب انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013.
تعكس المستندات التي قدمتها الحكومة للبرلمان رغبة النظام في إحداث تغيير أوسع على السلطة التنفيذية
ويعتبر القانون بصياغته التي صدر بها مقدمة لمرحلة جديدة من خطة الحكومة للتنكيل بجماعة "الإخوان المسلمين" وامتداداتها في المجتمع المصري، خاصة للعاملين في قطاع السكك الحديدية، كما حدث في قطاعات عدة منها التعليم والبنوك وشركات البترول ودواوين الوزارات والهيئات العامة والجامعات منذ عام 2019، بعد إصدار قرارات بفصل أكثر من أربعة آلاف موظف (منهم ألف وخمسمائة من وزارة التربية والتعليم وحدها) من الوزارات الخدمية وكذا بالجهات الحساسة في الدولة، إضافة إلى نقل العشرات الآخرين إلى وزارات وهيئات خدمية بحجة انتمائهم أو انتماء أقاربهم من الدرجتين الثالثة والرابعة إلى جماعة "الإخوان"، واستحالة إسناد مهام عالية المستوى لهم بسبب "حظرهم أمنياً".
وينص القانون الجديد على تعديل القانون الـ 10 لسنة 1972 بما يسمح بالفصل المباشر بقرار إداري، دون العرض على جهات التحقيق المختصة بالتعامل مع موظفي الخدمة المدنية وغيرهم من العاملين، ودون أن يكون القرار صادراً عن النيابة الإدارية، وحتى دون عرض الأمر على المحاكم التأديبية، فيما سُوّق مشروع القانون في البرلمان ووسائل الإعلام على أنه تنظيم جديد يهدف في الأساس إلى التخلص من العاملين المنتمين إلى جماعات إرهابية، وعلى رأسها بالطبع جماعة الإخوان المسلمين.
لكن المستندات التي قدمتها الحكومة للبرلمان تعكس رغبة النظام في إحداث تغيير أوسع على السلطة التنفيذية، وتعكس سعياً حثيثاً لإزالة ما بقي من عقبات تحول دون البطش الكامل بالإخوان ومعارضي النظام بصورة تترك آثاراً سلبية عميقة على النظام العام، كما جرت العادة في عهد السيسي.
وكان القانون يطبق على مدى خمسين عاماً تقريباً على العاملين في الجهاز الإداري للدولة والهيئات والمؤسسات العامة ووحداتها الاقتصادية فقط، وتأتي التعديلات الجديدة لتشرع بتطبيقه على جميع العاملين في مختلف أجهزة الدولة دون استثناء، باسطاً سلطته على "وحدات الجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية وأي من الجهات المخاطبة بأحكام قانون الخدمة المدنية الذين تنظم شؤون توظيفهم قوانين أو لوائح خاصة وذلك من غير الفئات المقررة لها ضمانات دستورية في مواجهة العزل والقوات المسلحة، والموظفين والعاملين بالهيئات العامة الخدمية والاقتصادية أو المؤسسات العامة أو أي من أشخاص القانون العام أو شركات القطاع العام أو شركات قطاع الأعمال العام".
يبرز توجه النظام إلى التعميم وتبسيط الاتهام وتسهيل اعتبار الموظف مخالفا للبطش به وفصله مباشرة
ويعني هذا بدء تطبيقه على ضباط الشرطة وموظفي شركات القطاع العام والشركات القابضة والتابعة والبنوك المملوكة للدولة وغيرها من المؤسسات، باستثناء القضاة فقط الذين يحظر الدستور حتى الآن عزلهم بشكل مباشر دون العرض على التفتيش ومحاكمتهم تأديبياً، علماً بأن الدرجة الدنيا حديثة العهد بالتعيين في القضاء يمكن تطبيق هذا القانون عليها، إذ لا تحظى بذات الحماية المقررة للقضاة.
وفي المادة الأولى من القانون يبرز توجه النظام إلى التعميم وتبسيط الاتهام وتسهيل اعتبار الموظف مخالفاً للبطش به وفصله مباشرة، إذ اعتبر الإخلال بمصالح "أي من الجهات المنصوص عليها" وهي الجهات السابق ذكرها لتطبيق القانون عليها، سبباً كافياً للفصل، فيما حافظ المشروع على الأسباب التي سبق وضعها في قانون السادات مثل الإخلال بواجبات الوظيفة بما من شأنه الإضرار الجسيم بالإنتاج أو بمصلحة اقتصادية للدولة، أو إذا وجهت للعامل دلائل جدية على المس بأمن الدولة وسلامتها، أو فقد أسباب الصلاحية للوظيفة التي يشغلها لغير الأسباب الصحية، وإذا كان فاقداً للثقة والاعتبار.
ويبرز تعديل آخر هو اشتراط أن يكون العامل محتفظاً بعناصر الثقة والاعتبار (وهي لا تحدد إلا بأحكام قضائية) أياً كانت درجته الوظيفية ومستواه العملي، على عكس ما كان عليه الأمر من قبل، وهو اشتراط الثقة والاعتبار فقط في شاغلي الوظائف العليا، ما سيسمح بالتخلص من المزيد من الموظفين الصغار الذين يمثلون عبئاً على نظام السيسي ويرغب في التخلص منهم لتوفير الأموال، خاصة في ظل تعثر خطته لخفض أعداد العاملين بالجهاز الإداري للدولة.
أما السبب الأخير لفصل العامل بغير الطريق التأديبي، فهو المرتبط بخطة الدولة لمحاربة الامتدادات الاجتماعية لجماعة الإخوان، ويتيح الفصل بحالة إدراج العامل على قوائم الارهابيين، على أن يعاد إلى عمله في حالة إلغاء قرار الإدراج، علماً بأنه لم يسبق لأي شخص أن خرج من تلك القوائم التي تحولت إلى أداة عقاب وتنكيل بدلاً من كونها في الأساس (نظرياً) إجراءً احترازياً لحين انتهاء التحقيقات في القضايا.
ويتضمن القانون الجديد تعديلاً آخر لتسهيل الفصل، إذ يسمح باتخاذ هذه القرارات بموجب تفويض يصدره رئيس الجمهورية، بعدما كانت تلك القرارات سلطة حصرية لرئيس الجمهورية، لما لها من خطورة استثنائية، بالنظر إلى أنها تحل بدلاً من نظام كامل للمساءلة والمحاكمة.
أما التعديل الأخير، فهو يغير طريقة التقاضي في هذا النوع من المنازعات. ففي السابق، كان القضاء الإداري ملزماً بالفصل في الطعون التي يقيمها الموظفون أو العاملون ضد قرارات فصلهم بغير الطريق التأديبي خلال سنة واحدة من رفع الدعاوى، لكن المشروع الجديد يفتح المدة دون قيود ليسمح بتأخير الفصل في الطعون لأجل غير مسمى.
كذلك فإن النص القديم كان يسمح للقضاء الإداري استثنائياً بالاكتفاء بالتعويض المالي للموظف المفصول بدلاً من إعادته للعمل في أوضاع معينة، هي أن يكون القرار قد مسّ أحد شاغلي الوظائف العليا، أو أن يكون قد صدر في ظل حالة الطوارئ، باعتبار أن تنفيذ حكم عودة الموظف لعمله في الحالتين سيكون صعباً بما قد لا يسمح بتنفيذه أبداً.
ثم يأتي القانون الجديد متجهاً إلى دفع المحكمة لعدم إعادة الموظفين المفصولين والاكتفاء بتعويضهم مالياً، حيث يزيل حالتي الاستثناء المذكورتين، ليصبح من الجائز الاكتفاء بالتعويض بصفة عامة "وذلك للأسباب التي ترى المحكمة أن المصلحة العامة تقتضيها"، وهي عبارة تدل على استخدام الحكومة (التي ستكون مختصمة في الدعوى وممثلة بواسطة هيئة قضايا الدولة) اعتبارات المصلحة العامة الفضفاضة المطاطة التي لا يمكن تحديدها لإقناع المحكمة بالاكتفاء بالتعويض.
أما التعديل الذي أدخل على قانون الخدمة المدنية، فيسمح بالفصل المباشر بغير الطريق التأديبي في عدة حالات، أولها الإخلال بالواجبات الوظيفية وإيقاع ضرر جسيم بالدولة، والثانية قيام قرائن جدية على ارتكاب ما يمسّ الأمن القومي للبلاد وسلامتها وبعد إدراجه على قائمة الإرهابيين، علماً بأن هذه القائمة من الأساس تُعَدّ تدبيراً احترازياً، وليست وسيلة إدانة نهائية.