استمع إلى الملخص
- تأتي هذه الاحتجاجات في ظل تخوفات من ملاحقات قضائية على غرار ما حدث في هولندا، حيث اعتبرت المحكمة العليا تصدير قطع غيار "إف-35" إلى إسرائيل غير قانوني لخطر استخدامها في جرائم حرب.
- تزايد الضغوط على الحكومة الدنماركية مع تصاعد الدعوات القضائية والاحتجاجات الشبابية والحزبية المطالبة بوقف التصدير العسكري إلى إسرائيل، في ظل انتقادات متزايدة لمواصلة تصدير معدات عسكرية إلى مناطق النزاع.
فضّت شرطة كوبنهاغن، اليوم الأربعاء، احتجاجاً شبابياً أمام مدخل برلمان الدنمارك خرج نصرةً لفلسطين وتنديداً بسماح السياسيين مواصلة تصدير معدات حيوية لطائرات "إف-35" الأميركية إلى إسرائيل. وتدفق عشرات الشباب نحو درج أحد المداخل الرئيسية المؤدية إلى برلمان الدنمارك، ناصبين خياماً صغيرة عند السابعة ونصف صباحاً بالتوقيت المحلي لمنع الدخول إلى المجلس التشريعي (كريستانسبورغ).
وبعد أكثر من ساعة من محاولة ثني الشبان عن مواصلة الاحتجاج، وإبداء ساسة من اليمين المتشدد، مثل وزيرة الهجرة السابقة، وزعيمة حزب "ديمقراطيو الدنمارك" إنغر ستويبرغ، مواقف عدائية من المحتجين، تدخلت الشرطة لفض الاعتصام "بعد رفضهم الابتعاد طوعاً"، بحسب ما قالت شرطة كوبنهاغن، في بيان لها.
ويأتي تدخل الشرطة لتوقيف نحو 25 محتجاً لإبعادهم عن درج مدخل برلمان الدنمارك في سياق سلسلة طويلة من الاحتجاجات على استمرار حكومة الائتلاف بزعامة رئيسة الوزراء ميته فريدركسن خرق ما تعهد به وزير خارجيتها، في مارس/ آذار الماضي، بشأن تشديد موافقات تصدير قطع غيار ومعدات لطائرات "إف-35" إلى إسرائيل. وكان وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكه راسموسن قد أكد أنّ حكومة بلده ستعيد النظر بالتصدير بعد تحذيرات قانونية من تورّط كوبنهاغن بجرائم حرب في غزة.
وتخشى كوبنهاغن من تزايد الدعوات إلى مقاضاتها أمام المحكمة العليا مثلما جرى مع الحكومة الهولندية التي رأت محكمتها العليا أنّ تصدير البلاد أجزاء من طائرات "إف-35" إجراء غير قانوني. وخلصت المحكمة الهولندية إلى أن هناك خطراً واضحاً في أن تستخدم إسرائيل تلك المعدات لارتكاب جرائم حرب في غزة، وعلى هذا الأساس أمرت بوقف صادرات هولندا، ما أجبر الحكومة على تعليق الصادرات.
وجرى تحذير الحكومة الدنماركية حتى منذ ما قبل العدوان المتواصل على غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من أنها تخاطر في سياسات التصدير بمقاضاتها بتهم ارتكاب جرائم حرب. وتتواصل التحذيرات القانونية والسياسية للدنمارك منذ عام 2013، حيث يساهم مصنع السلاح الدنماركي "تيرما"، المشارك في إنتاج معدات حساسة للطائرات الحربية الأميركية من طراز "إف-35" وكل ما سبقها، يشارك مع مصانع بريطانية في تزويد تل أبيب بتلك المعدات.
وبالفعل بدأت الاحتجاجات تتزايد بعد الكشف عن أنّ قطع غيار الطائرات الحربية الأميركية جرى إرسالها إلى تل أبيب أثناء الحرب على غزة. ورغم أنّ كوبنهاغن كررت أنّ التصدير يأتي من خلال "طلبات أميركية مباشرة"، إلا أنّ خبراء القانون الدولي محلياً يعتبرون ذلك التذرع لا يعفي من المسؤولية، مذكّرين أيضاً بمعاهدات الأمم المتحدة حول آليات تصدير الأسلحة والذخائر وتوجيهات الاتحاد الأوروبي بعدم تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاع.
وتأتي الاحتجاجات المتكررة من قبل الشبان في كوبنهاغن على خلفية أنّ راسموسن الذي تعهد بأن تتدخل وزارته (الخارجية) في تقييم كل موافقات التصدير، التي كانت سابقاً بعهدة وزارة العدل والشرطة الدنماركية، لم يقم عملياً بمنع استمرار إرسال معدات "تيرما"، تحت نفس الذريعة المتعلقة بأوامر تصدير أميركية. ويبدو أنّ المحتجين المنددين بجرائم الاحتلال الإسرائيلي، وأغلبهم دنماركيون جامعيون وينتمون لأحزاب في بلدهم، صعّدوا، في الأسابيع الأخيرة، من تحرّكاتهم على مستوى برلمان الدنمارك والتحضير أيضاً لرفع شكاوى قضائية ضد حكومة بلدهم أمام المحكمة العليا. وكانت مجموعة شبابية قد بدأت، مطلع الشهر الحالي، اعتصاماً أمام قصر كريستيانسبورغ إضراباً عن الطعام قبل أن تعلّقه.
تخوفات في الدنمارك من ملاحقة قضائية قريبة
وبحسب معلومات خاصة بـ"العربي الجديد"، حصل عليها اليوم الأربعاء، فإنّ قضية التصدير باتت تتخذ منحى غير مريح لحكومة الدنمارك، حيث يجري بموازاة الاحتجاج الشبابي والحزبي "رفع قضايا أمام القضاء يشارك في واحدة منها شاب فلسطيني من غزة، والثانية من أربع منظمات مثل العفو الدولية وأوكسفام (فرع الدنمارك) ومؤسسة التعاون بين الشعوب، بالتعاون مع مؤسسة الحق الفلسطينية من داخل فلسطين". وستركز القضايا التي سترفع على تصاريح لمصنع تيرما لتوريد مكونات لبرنامج "إف-35".
وتركز الدعوى بالأساس على التصدير المباشر للقطع من الدنمارك إلى إسرائيل، وهي قطع ينتهي بها الحال مركبة على طائرات الاحتلال التي يقصف بها المدنيين الفلسطينيين. ويبدو أنّ تصرفات الحكومة الدنماركية، وربما لأسباب تتعلق بعلاقتها بواشنطن، وانصياعها لأوامر تصدير، سيجعلها تواجه مستقبلاً ملاحقات قضائية أصعب من إمكانية تجنبها أو تبريرها مع مواصلتها عدم اتخاذ موقف جريء بوقف تصدير معدات عسكرية إلى إسرائيل.
والدعوة إلى وقف التصدير العسكري إلى تل أبيب تؤيده أيضاً أحزاب برلمانية مثل "راديكال فينسترا" (يسار الوسط) وحزبا اليسار؛ اللائحة الموحدة والشعب الاشتراكي، بينما يقف اليمين المتشدد، حزب الشعب وحزب ديمقراطيي الدنمارك والبرجوازية الجديدة، مواقف عدائية من التحركات الشبابية الاحتجاجية في عموم الدنمارك. وهذه المعارضة الحزبية إلى جانب التحرّكات الشبابية يعززها ما تم كشفه، مساء أمس الثلاثاء، من اعتراف وزير الدفاع (من يسار الوسط) ترويلس لوند بولسن، في رسالة رداً على أسئلة اليسار، بأنه بالفعل "تمّت عملية تصدير من مستودع قاعدة سكريد ستروب الجوية (قرب حدود ألمانيا الشمالية في جنوب شبه جزيرة غوتلاند)، وعلى شكل قطع غيار لطائرات (إف-35)".
وبحسب الوزير الدنماركي، فإنّ واشنطن هي التي تملك قطع الغيار تلك (التي ينتجها مصنع تيرما)، مصرّاً أنّ الحكومة الأميركية هي من تقرر إرسال قطعة غيار من المستودع إلى منشأة صيانة أو إلى مستودع قطع غيار مستخدم آخر لطائرة "إف-35". وحديث بولسن هو عن شحنة تصدير في مارس/ آذار الماضي "بأوامر أميركية لتعبئة قطعة غيار إلى عنوان مستلم في إسرائيل".
ويتهم خبراء قانونيون الحكومة الدنماركية بانتهاك القواعد الدولية المتعلقة بصادرات الأسلحة. وهو أمر يصعّد الاحتجاجات المطالبة الآن بتغيير فوري لتلك الممارسة المثيرة للجدل، والمتناقضة أساساً مع السياسات التي يعبّر عنها وزير الخارجية راسموسن في دعواته المتكررة إلى وقف الحرب فوراً.