كثّف حزب "الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، من جهوده لخوص الانتخابات البلدية المقبلة في مارس/آذار 2024، محدداً آليات عمل انطلاقاً من الأخطاء التي ارتُكبت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو/أيار الماضي. الحزب المعارض الذي يحكم حالياً 11 مدينة كبرى في تركيا بالإضافة إلى مدن أخرى، على رأسها العاصمة أنقرة وإسطنبول وإزمير وأضنة وغيرها، يسعى بكل قوة للحفاظ على حكمها، والتعويض بنفس الوقت خسارة تحالف المعارضة الذي قاده الحزب ورشح رئيسه كمال كلجدار أوغلو للانتخابات الرئاسية، في الانتخابات الأخيرة.
في السياق، كلف "الشعب الجمهوري" 30 مراقباً تجوّلوا في 78 ولاية تركية من أصل 81، مستثنياً إسطنبول وأنقرة وإزمير. وأعد المراقبون تقارير عن جولاتهم، على أن يعمل الحزب على تكليف نائب لكل ولاية خلال الفترة المقبلة، من أجل مواكبة تطوراتها حتى موعد الانتخابات البلدية.
"الشعب الجمهوري" يستعد للانتخابات البلدية
في غضون ذلك، يقود الحزب مرحلة من التغيير تشمل اختيار المندوبين في المناطق والولايات، وصولاً للمؤتمر العام المقرر عقده في الخريف المقبل، وبنفس الوقت يسعى رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو إلى ضمان قيادة التغيير، في ظل حديث عن خلافات بينه وبين زعيم الحزب كمال كلجدار أوغلو.
والتقى إمام أوغلو أخيراً مع رؤساء حزب "الشعب الجمهوري" السابقين، ومع قيادات الطائفة العلوية في ولاية تونجلي، لأن نسبة كبيرة من العلويين تؤيد الحزب، من أجل كسب دعمهم. ومن تونجلي أعلن إمام أوغلو أن مدينة إسطنبول، وهي مركز الصراع بالانتخابات المقبلة، لن تخسرها المعارضة أبداً.
مصادر "الشعب الجمهوري": الحزب ناقش أسباب الخسارة بانتخابات مايو
وضمن هذا السياق من الواضح أن حزب "الشعب الجمهوري" أمام واقع جديد بعد تفرق المعارضة عقب الانتخابات، لأن إمام أوغلو فاز برئاسة بلدية إسطنبول في عام 2019 بفعل حصوله على الدعم من الحزب "الجيد" وحزب "الشعوب الديمقراطي"، غير أنه في الفترة الحالية تبدو التحالفات صعبة، لكن الانتخابات قد لا تضع خيارات سوى التحالف بين هذه الأحزاب رغم حدة التصريحات بالفترة السابقة.
وكشفت مصادر من المكتب الإعلامي لحزب "الشعب الجمهوري" في إسطنبول لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب يعمل على الاستفادة من دروس وأخطاء الانتخابات السابقة، ويعتقد أن إمكانيات التحالف لا زالت واردة لأنها السبيل الوحيد لمواجهة التحالف الجمهوري، خصوصاً في إسطنبول التي فيها أرقام التحالفين متقاربة جداً".
وأضافت المصادر أن "الحزب عمل على تحديد مشاكل كل الولايات التركية، والاستماع للمطالب من قبل الأهالي، وتم التطرق للانتخابات السابقة وسبب الخسارة، والمواضيع المالية، والمشاكل التي رافقت الانتخابات الأخيرة. وعملت الفرق على الاستماع للأهالي وآرائهم، وسيكون هناك تعيين لنواب في الولايات وزيارات دورية وصولاً للانتخابات، من أجل الاهتمام بالمشاكل والمطالب الواردة من تلك الولايات".
وأوضحت المصادر أن "حزب الشعب الجمهوري يقود مرحلة من التغيير رغم التصريحات التي تصدر في الإعلام أو التحليلات، كما يحاول الحزب الحفاظ على هدوئه وعدم الرد على الاستفزازات من الأحزاب المعارضة الأخرى، لأن فرص التحالف ما زالت قائمة في الانتخابات المقبلة".
وتعد انتخابات إسطنبول مهمة في الفترة المقبلة، والرئيس رجب طيب أردوغان أبلغ قيادات حزبه "العدالة والتنمية" أكثر من مرة عن أهمية الانتخابات والاستعداد لها، وسبق للرئيس التركي أن قال منذ سنوات إن "من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا".
ومن الواضح أن أردوغان يريد ختام مسيرته بفوز أخير في إسطنبول، التي كان رئيس بلديتها بين عامي 1994 و1998، لأن البلاد لن تشهد بعدها انتخابات مقبلة حتى عام 2028، ما لم تكن هناك انتخابات مبكرة. وأظهرت الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، تفوق المعارضة في إسطنبول وأنقرة، وهو ما يعني توافر فرص كبيرة للفوز بها، إلا إذا تمكن التحالف الحاكم من إحداث خروقات كبيرة فيها، كما أن مزاج الناخبين ومعنوياتهم ستؤدي دوراً في هذه الانتخابات.
فراس رضوان أوغلو: للمعارضة أرجحية بالفوز في إزمير وأنقرة مجدداً
وبموازاة ذلك، تتواصل الحرب الإعلامية في إسطنبول بين الإعلام الموالي لأردوغان الذي يسلط الضوء على أخطاء "الشعب الجمهوري" في الإدارة والمشاكل التي تعاني منها المدينة خصوصاً في الخدمات والمواصلات، وبين إعلام مؤيد لـ"الشعب الجمهوري" يصوّر إسطنبول بظل حكم المعارضة بأن خدماتها أفضل وأن قيادة رئيس البلدية لها موفقة وجيدة.
"الشعب الجمهوري" وتلافي الأخطاء السابقة
وحول هذه التطورات، رأى الكاتب فراس رضوان أوغلو في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حزب الشعب الجمهوري يستعد للانتخابات البلدية متسلحاً بعدة أمور، أولها الاستفادة من الانتخابات الرئاسية التي أظهرت أن للمعارضة قاعدة شعبية جماهيرية، تحديداً في إسطنبول التي صوتت للمعارضة".
وأضاف: "الأمر الثاني هو تلافي الأخطاء السابقة، وهي عبارة عن تقديم وجوه شابة جديدة في الحزب. وهو ما بات واضحاً من خلال تصريحات إمام أوغلو، بأن زعيم الحزب والقيادات السابقة بحاجة إلى تغيير، وهذا ما سيفيده بالانتخابات المقبلة. أما النقطة الثالثة فتتمحور حول إنشاء مشاريع مرتبطة بالمواطن، كالمطاعم الرخيصة التي يعود ريعها للبلدية وافتتحها إمام أوغلو وفي مناطق تعتبر مؤيدة لحزب العدالة والتنمية ضمن إسطنبول".
وأكد رضوان أوغلو أن "حزب الشعب الجمهوري يرغب بإبقاء صيغة التوازن والترويج بأن التحالف الحاكم فاز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لذلك فإنه يجب أن تكون البلديات للمعارضة، خصوصاً أنه من الواضح أن للمعارضة أرجحية بالفوز في إزمير وأنقرة مجدداً، عكس إسطنبول التي يبدو الصراع فيها سيكون صعباً، وأعتقد أن المعارضة لديها حظوظاً أكبر فيها".
من ناحيته، اعتبر المحلل السياسي محمد جيرين في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "حدة الاستقطاب مستمرة في البلاد، وكأن الانتخابات البرلمانية والرئاسية لم تنتهِ، والمعارضة تعمل جاهدة لتعويض خسارتها غير المتوقعة في مايو الماضي، ولهذا تعمل جادة للاستفادة من الأخطاء. وهو ما تجلى بارتفاع حدة الانتقادات من قبل أطراف المعارضة وتحالف الشعب نفسه".
وأضاف جيرين أن "الحزب الجيد، أكبر حليف للشعب الجمهوري، وجه انتقادات واضحة حول شكل العلاقة والمبادئ التي يجب أن تحكم تحالف المعارضة وتقديم وعود قابلة للتنفيذ بدلاً من المجاملات وتأجيل الاستحقاقات، مثل التقارب مع الأحزاب الكردية الذي كان له ثمن".
وشدّد على أن "حزب الشعب الجمهوري سيعمل ميدانياً أكثر ويرشح إمام أوغلو مجدداً، وواضح أنه أقرب للفوز بإسطنبول، ولكن أردوغان الذي فاز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية سيعمل ما بوسعه للفوز واستعادة إسطنبول. ولهذا السبب فإن الفترة المقبلة ستكون مليئة بالحدة والمنافسة والاستقطاب، وصولاً إلى الانتخابات، وتدرك المعارضة أنه يجب أن تقنع الناخب بشكل كبير في ظل أوضاع اقتصادية سيئة وولايات مدمرة بفعل الزلازل (وقعت في 6 فبراير/شباط الماضي) بحاجة لقيادة قوية في المرحلة المقبلة".