"نعيت مئات الشهداء وسرت في جنائزهم، وها أنا اليوم أنعى لكم فلذة كبدي وابني الغالي سعد، الذي ارتقى مقبلاً غير مدبر، في ساحة الوغى مع الاحتلال الإسرائيلي". بهذه الكلمات صدح القيادي في حركة "حماس" الشيخ ماهر الخراز أمام العشرات، عقب إعلان ابنه سعد شهيداً مع شابين آخرين، صباح اليوم الثلاثاء، في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، قرب مدخل الحي السامري، على قمة جبل جرزيم، في مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة.
واغتالت قوات الاحتلال، إلى جانب الخراز (43 عاماً)، الشابين نور الدين تيسير العارضة (32 عاماً) ومنتصر بهجت سلامة (33 عاماً)، واحتجزت جثامينهم، وصادرت المركبة التي كانوا يستقلونها. لكن ما فاجأ الجميع، بمن فيهم عائلاتهم، أنهم عملوا بسرية مطلقة حتى استشهادهم.
وقال القيادي ماهر الخراز (70 عاماً)، لـ"العربي الجديد": "إن سعد كان شهيداً مع وقف التنفيذ، رافق منذ شبابه العشرات من الشهداء، لذلك أكرمه الله بأن يكون واحداً منهم".
والشهيد الخراز أسير محرر، اعتقل في سجون الاحتلال مرات عدة، وأمضى خمس سنوات متفرقة، خصوصاً في الفترة التي كان فيها رئيساً للمؤتمر العام لمجلس الطلبة عن الكتلة الإسلامية، الذراع الطلابية لحركة "حماس"، بين عامي 2005-2006 في جامعة النجاح في نابلس. كما اعتقل في سجون الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وتعرض لتعذيب شديد، وفق عائلته.
ورُزق الشهيد بمولودة أسماها لين، قبل شهر واحد فقط، لتنضم إلى أشقائها الأربعة، اثنان من الذكور واثنتان من الإناث.
يقول والده: "لم أستغرب عندما أبلغوني باستشهاده، هذه كرامة من الله، ورغم صعوبة الفقد فإن ما يخفف عنا أنه لم يستسلم يوماً، وبقي رافعاً راية الحق حتى آخر لحظة من حياته".
قريبه أسيد الخراز أوضح لـ"العربي الجديد" أن الشهيد هو "سليل عائلة مجاهدة، فجده لأبيه وابن عمه وابن عمته ثلاثتهم شهداءً، كما أنه أسير صمد في أقبية التحقيق الإسرائيلية ولم تنل منه السجون، بل زادته صلابة وإصراراً على مواقفه المشرفة"، مضيفاً: "كان سعد قدوة للطلبة خلال دراسته الجامعية، خاصة بعد قيادته مجلس الطلبة في الجامعة، وقد عرف عنه قلة الكلام وجديته في العمل النقابي".
غير أن الصدمة لا تزال تسيطر على عائلتي العارضة وسلامة، حيث نزل عليهما نبأ استشهاد ابنيهما كالصاعقة.
يقول محمد العارضة، ابن عم الشهيد نور، لـ"العربي الجديد": "إننا غير مصدقين إلى الآن أنه استشهد، رغم إيماننا بقضاء الله وقدره"، مبيناً: "لنور طفلة وحيدة تبلغ من العمر عاماً واحداً، وخمسة أشقاء، أحدهم الأسير أحمد العارضة، والمعتقل منذ عام 2004، وهو محكوم بالسجن المؤبد ثلاث مرات، لانتمائه للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".
ويشير العارضة إلى أن العائلة قدمت، إضافة إلى نور، عدداً من الشهداء خلال العقود الماضية في معركة التحرر ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
لا تبدو الحال مختلفة بالنسبة لعائلة منتصر سلامة، وهو أيضاً أسير محرر، إذ يقول والده بهجت سلامة، لـ"العربي الجديد": "نجلي متزوج وأب لثلاثة أطفال، وهو ميسور الحال وناجح في عمله، كونه يملك محلاً للتجارة في الأجهزة الخلوية"، لافتاً إلى أن الشهيد "سهر الليلة الماضية في بيت والديه، دون أن يظهر عليه أي علامات تشير إلى كونه ينتمي لمجموعة مقاومة".
وتابع: "ما جرى كان مفاجئاً للجميع، وحتى الآن نحن غير قادرين على استيعابه، لكننا لا نقول إلا ما يرضي الله: إنا لله وإنا إليه راجعون".
وأكدت عوائل الشهداء فخرها الكبير بما فعله أبناؤها، رغم التنكيل بجثثهم واحتجازها، وهو ما دأب عليه الاحتلال الإسرائيلي وطبّقه ضمن سياسة العقاب الجماعي، مطالبين بـ"التدخل العاجل والضغط لتسليم الجثامين لدفنها بما يليق بمكانتهم شهداء".
من جهتها، نعت "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، الشهداء الثلاثة، وقالت في بيان لها: "نزف شهداءنا ومجاهدينا القائد الميداني سعد ماهر الخراز، والقسامي منتصر سلامة، والقسامي نور الدين العارضة"، مؤكدة أن "دماءهم وجهادهم ستبقى نبراساً على طريق العزة والكرامة ووقوداً لمسيرة شعبنا نحو التحرير".
ووجهت الكتائب رسالة للمحتل وحكومته: "لن نترك الأقصى وحيداً، ولن تمر جرائمكم بحق شعبنا ومقدساتنا".