تتوالى التسريبات بشأن التوتر القائم منذ أشهر بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من جهة، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني من جهة أخرى، لا سيما مع مواصلة الصدر مناوأة قوى "الإطار التنسيقي" والفصائل المسلحة الموالية لطهران، حتى أن زيارة قاآني إلى حي الحنانة في مدينة النجف، في شباط فبراير/شباط الماضي، مثلت فشلاً بشكل لم يكن متوقعاً من الأطراف الإيرانية.
وكشف تقرير نشرته وكالة "رويترز"، أمس الاثنين، عن كواليس لقاء الرجلين وما جرى بينهما، مبينة أن "المقابلة استغرقت نصف ساعة، استقبل فيها الصدر القائد الإيراني بجفاء واضح. كان يضع على كتفيه كوفية الجنوب العراقي بلونيها الأبيض والأسود، ويرتدي عباءة بنيّة، في هيئة محلية متعمّدة تتناقض مع الثياب السوداء بالكامل والعمامة الشيعية التي يعتمرها عادة في المناسبات العامة".
ونقلت "رويترز"، عن أربعة مسؤولين عراقيين وإيرانيين، قولهم إن "لباس الصدر ينقل رسالة سياسية قومية خلاصتها أن العراق، كدولة عربية ذات سيادة، سيشق طريقه بنفسه، دون تدخلات من جارته الفارسية، على الرغم من الروابط الطائفية بين البلدين". فيما تحدّى الصدر القائد الإيراني، بحسب أحد المسؤولين، وقال "ما علاقة السياسة العراقية بكم؟ لا نريدكم أن تتدخلوا".
على أرض الواقع، فإن الشقاق بين الصدر وإيران واضح بشكلٍ كبير، من خلال الشعارات والهتافات التي يرفعها أنصار التيار الصدري الذين يعتصمون في المنطقة الخضراء، ومنها "لا شرقية ولا غربية"، وهو الوسم الذي كتبه الصدر لأكثر من عشر مرات على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الماضية، الذي يقصد فيه "لا إيران ولا أميركا"، إضافة إلى شعار "لا للتبعية" الذي تُقصد فيه الفصائل المسلحة التابعة لإيران، والتي تعتبر المرشد الإيراني علي خامنئي مرجعها الديني.
ولا يُعدّ رفض الصدر لتدخلات إيران في الشأن العراقي جديداً، بل أنه يركز على ذلك منذ عام 2015، حين اتحد مع الحزب الشيوعي العراقي في التظاهرات الصيفية التي اندلعت في ذلك العام، والتي طالبت بمنع أي تأثيرات خارجية على القرار السياسي العراقي، ومحاسبة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي على جريمة سقوط مدينة الموصل على أيدي عناصر تنظيم "داعش"، لكن هذا الرفض زاد خلال العامين الماضيين.
وعقب إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة في العراق التي أجريت في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، والتي حصدت فيها "الكتلة الصدرية" 73 مقعداً في البرلمان، أكد الصدر أن سياسة العراق في المرحلة المقبلة تقوم على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، وتفعيل العلاقات الثنائية في جميع المجالات الأمنية والتجارية والدبلوماسية.
وذكر الصدر، في تغريدة عبر "تويتر"، أن "التعامل مع دول الجوار سيكون من خلال فتح حوار عالي المستوى لمنع التدخلات مطلقاً، وإذا كانت هناك استجابة فهذا مرحب به، وإلا سيتم اللجوء للطرق الدبلوماسية الدولية لمنع ذلك"، مشدداً على أن "العراق سيعمل على حماية الحدود والمنافذ والمطارات والتشديد في التعامل مع هذا الأمر، وأن صدور أي رد فعل يُعتبر مساساً بالسيادة العراقية، وسيكون باباً لتقليص التمثيل الدبلوماسي أو غيره من الإجراءات الصارمة المعمول بها دولياً وإقليمياً".
وخلال الشهرين الماضيين، توجهت الصحافة الإيرانية لمهاجمة الصدر علناً، وقد حذر الإعلام الإيراني، بعد فشل زيارة قاآني للنجف، مما أسماه "خطر" مقتدى الصدر على مستقبل العملية السياسية في العراق، فيما وصف احتجاجات الصدريين بأنها "فتنة وأعمال شغب".
في السياق، قال عضو التيار الصدري عصام حسين، إن "التدخلات الخارجية، سواء كانت من دول الجوار أو غيرها، بمصير وقرار العراق، من ضمنها إيران، أدى إلى العبث بسيادة العراق بشكلٍ كبير، وذلك بسبب السياسيين والمسؤولين الذين تتناغم مصالحهم وولاءاتهم لخدمة الخارج أكثر من الداخل".
وبيّن لـ"العربي الجديد"، أن "التيار الصدري يمثل وجهة نظر الشعب العراقي، وهو يسعى إلى تأسيس دولة لا تتأثر بأي قرارات من الخارج، لكن هذا لا يعني القطيعة تماماً مع الخارج، بالتالي فإن إيران دولة جارة، ونرتبط معها بارتباطات اجتماعية وثقافية واقتصادية، لكن على المستوى السياسي، لا بد أن يعرف كل طرف حجمه وحدوده في التدخل".
من جهته، أشار عضو حركة وعي سهيل هاتف، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "معظم القوى الوطنية في العراق تساند الصدر في محنته ضد الضغوط الإيرانية، سواء عبر الأطراف الإيرانية المعروفة، أو من خلال الأذرع العراقية لطهران، وقد وصلتنا الكثير من التسريبات التي تتحدث عن وجود تهديدات حقيقية للصدر، وصلت إلى حد التهديد بالقتل، وقد أعلن الصدر عن ذلك علناً".
واعتبر أن "التيار الصدري هو حالياً الجهة الشعبية الأقوى لمبارزة إيران والتخلص من نفوذها، وقد نجحت جهود الصدريين، لكن التوصل إلى نتائج كبيرة ومهمة يعتمد على استمرار الصدر في مشروعه".
بدوره، لفت الباحث والمحلل السياسي غالب الدعمي، إلى أن "الصدر لا يريد أي تصادم مع الجهات الموالية لإيران داخل العراق، كما أنه لا يريد تطوير العلاقة مع طهران إلى حالة الجفاء والقطيعة، لكنه يريد أن يفصل فيلق القدس الإيراني عن التأثير في آليات تشكيل الحكومات العراقية، وأن يكون موقف الإيرانيين محايداً".
وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "الصدر والقوى الوطنية الجديدة يسعون للوصول إلى حالة عقد اجتماعي وسياسي جديدين، وحالة متطورة تعتمد على العلاقات الجيدة بين البلدين، وليس مفهوم الخضوع الكامل لطرف معين لصالح الطرف الآخر".