- الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل يعكس ازدواجية المعايير في السياسة الدولية، متجاهلًا القيم الإنسانية والقانونية ومكنًا إسرائيل من مواصلة سياساتها العنصرية والاحتلالية دون خوف من العواقب.
- الصمت والتواطؤ الدوليين يفاقمان الوضع في فلسطين، مشجعين على نظام عالمي يسمح بالاستبداد ويعرض مستقبل القانون الدولي والعدالة للخطر، مما يتطلب إعادة تقييم للمعايير الدولية والتزامًا بتطبيق القانون بشكل عادل.
تتصرف دولة الاحتلال الإسرائيلي مع الأحداث الجارية وفق طبيعتها، فالنقاشات الأكاديمية والقانونية - الحقوقية عن جرائمها، بما في ذلك التحركات الطلابية الاحتجاجية، تضعها في قالب قراءتها الذاتية الثابتة: الصهيونية أعلى قيمة من كل البشر. ففي مقابل دراسة المحكمة الجنائية الدولية احتمال ارتكاب بعض قادة الاحتلال جرائم حرب، وبينهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت ورئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، تتعالى أشكال العربدة ضد المحكمة. والملفت ليس بلطجة اللغة الصادرة عن تل أبيب، وبدعم أميركي وبريطاني وألماني، بل مستوى المخالفات التي تجري أمام "العالم الحر" من تهديد بالاستهداف والتدمير، وأخذ شعب بأكمله رهينة هذه العقلية الصهيونية التي تنسف الأسس التي يقوم عليها التقاضي الدولي.
التصرّف وفق طبيعتها هو الأمر السائد عند الصهيونية لعقود ماضية. وما يُفضح اليوم هو هذه العربدة بحق القضاة الدوليين، بما يذكّر بأساليب رجال العصابات وجماعات المافيا. والتنمّر والوقاحة لا يمران من دون تغطية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن. طبيعة دولة الاحتلال العنصري الإحلالي هي كذلك تاريخياً، إذ يطلق سراح مرتكبي جرائم حرب ومذابح بحق الفلسطينيين. ويمكن للمرء تخيّل التصرف الأمني والقضائي في وجه عصابات في إيطاليا أو هولندا وبلجيكا والدنمارك وألمانيا بعربدة: إذا ما مسستم كياننا سننتقم. بهذه العلنية، تتصرّف تل أبيب مع قضاة المحكمة الجنائية الدولية. والمدهش أن تلك العقلية الانتقامية تُحمى وتُسند بيد "التحضّر" وشعارات "سيادة دولة القانون" في بعض عواصم الغرب، وفي مقدمتها واشنطن، لمنع تحقيق بعض العدالة، وبحجج تفضح بصورة غير مسبوقة ازدواجية قراءة سريان القيم والمبادئ.
لا جديد في قراءة الصهيونية فوارق القيمة الذاتية العليا مقارنة مع قيمة "الآخر" الدونية. وما يؤسسه الصمت الدولي الطويل على تعالي إسرائيل عمّا هو بشري وإنساني وقيمي، هو المزيد من الغرق في دماء الفلسطينيين، من دون أن يعني ذلك إطلاقاً استسلاماً فلسطينياً. وإذا كانت العربدة وأخذ شعب بأكمله رهينة في صلب الطبيعة الصهيونية، المنادية بإبادة الشعب الفلسطيني، فمن الغريب في عالمية الحقوق والقيم أن تُسند القراءة المافيوزية الإجرامية بالدعم الأميركي وبعض الغربي لثني قضاة محكمة دولية مستقلين عن إصدار مذكرة توقيف جرى إصدارها سابقاً بحق آخرين. في كل الأحوال، تساهم هذه العنجهية في تظهير مزيد من طبيعة دولة الأبارتهايد الصهيونية وحقيقتها، إلى جانب افتضاح السماح الغربي لها بالتصرف وفق عقلية عصابات البلطجة والمافيا، وذلك التسامح أخطر ما يقدم عليه الأميركيون.
ومثلما تقدّم بعض مستويات التملق الأكاديمي للصهيونية في جامعات غربية عريقة حلولاً لورطة الصورة، باستبدال حشود طلابية محتجة على الحرب على غزة بحشود الشرطة والأمن، فإن إرضاء العقل المريض الذي يرى نفسه صهيونياً فوق البشر، حتى في التقاضي الدولي، إنما يؤسّس أيضاً لنظام قضائي، محلي وإقليمي ودولي، يمكن فيه لأي مستبد وفاشي ومهووس بالسلطة أن يأخذ شعوباً بأكملها رهائن، تحت تهديد الإبادة وتدمير مقوّمات وجوده ومستقبله، إذا ما حاولت المؤسّسات الدولية المسّ بجرائمه ووقفه عند حده بسلطة القانون الدولي. وأقل ما تجري تعريته في فلسطين أن يجيّر التقاضي الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة لأجل تبرئة الصهيونية وإحالة القيم والمبادئ العالمية إلى ممسحة تحت أقدام مجرمي حرب يسخرون من كل ما خطّه المجتمع الدولي من قوانين ناظمة، ويورثون إلى الأجيال القادمة ما ورثوه ذاته من استعلائية احتلالية إحلالية على ما هو بشري باحتلال فلسطين.